الإجلاء السريع للموظفين الأميركيين من السودان يثير تساؤلات وانتقادات | سياسة
أثارت صحيفتا “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) و “واشنطن بوست”(Washington Post) الأميركيتين تساؤلات عن سبب إجلاء واشنطن السريع لموظفيها الأميركيين من السودان وتخلّيها عن الأميركيين-السودانيين، وحاولتا تفسير ما حدث.
وقالت وول ستريت جورنال في تقرير أعدّه مراسلوها في نيروبي وكامبلا ولندن إن الانحدار السريع للسودان، بخاصة عاصمته الخرطوم، في حرب شاملة فاجأ العديد من السفارات، بما في ذلك البعثة الأميركية التي لم تصدر نصائح للمواطنين الأميركيين للاستعداد لمغادرة البلاد قبل بدء القتال في 15 أبريل/نيسان الجاري.
أخطؤوا في قراءة الوضع السياسي
وأضافت الصحيفة أن خبراء أمنيين ومسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية انتقدوا واشنطن وحكومات غربية أخرى بأنها أخطأت في قراءة الوضع السياسي في السودان والذي كان ينذر بتهديد وشيك، وبأنها كانت متفائلة أكثر من اللازم بشأن الموافقة السابقة للجنرالات على تسليم السلطة للمدنيين.
ولفتت إلى قول مسؤولي الحكومة الأميركية إنهم، في الوقت الحالي على الأقل، لم يعدّوا خططا لإجلاء المواطنين الأميركيين غير الدبلوماسيين المقدر عددهم بنحو 20 ألفا، كثير منهم يحملون جنسية مزدوجة، وذلك بسبب استمرار الاشتباكات.
ونقلت عن وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإدارية جون باس للصحفيين، بعد مدة وجيزة من هبوط أفراد أميركيين بأمان في قاعدة أميركية في جيبوتي، القول إنه لا يتوقع إجلاء غير الدبلوماسيين في هذا الوقت أو في الأيام المقبلة نتيجة لعدم توفر مطار مدني.
وافقوا على تسليم السلطة بينما يستعدون للحرب
ونسبت إلى كاميرون هدسون، رئيس الأركان السابق للمبعوث الأميركي الخاص للسودان، وهو الآن باحث كبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، قوله إن الإدارة الأميركية لم تتخذ أي احتياطات، ولم تضع سيناريو لإجلاء غير الدبلوماسيين.
وأضاف هدسون أن واشنطن والمجتمع الدولي يؤمنون بما تقوله لهم أطراف الصراع في السودان من أنهم ملتزمون حقا بانتقال مدني للسلطة، مفسرا اندلاع العنف بسرعة كبيرة بأن أطراف الصراع كانوا يستعدون للحرب في الوقت الذي كانوا يتحدثون فيه إلى أميركا والمجتمع الدولي عن استعدادهم لنقل السلطة إلى المدنيين؛ “كنا نخطط للنجاح وتجاهلنا إمكانية الصراع”.
وقال السيد باس للصحفيين إن الولايات المتحدة لديها نصيحة لمواطنيها في السودان منذ أكثر من عقد تحذرهم فيها من السفر إلى البلاد، مضيفا “لطالما كان السودان بيئة خطرة”.
وفي ظل الظروف المثالية، تقول الصحيفة إن الرحلة من الخرطوم إلى بورتسودان يمكن أن تستغرق على البحر الأحمر 14 ساعة، لكن السفر في مجموعات والتعامل مع نقاط تفتيش مسلحة يمكن أن يجعل تلك الرحلة تستغرق 20 ساعة.
جهود لتسهيل السفر
وتقول وزارة الدفاع الأميركية إنها تبحث عن طرق لجعل هذا الطريق البري إلى بورتسودان أكثر أمانا، من ذلك النشر المحتمل لأدوات المراقبة لاكتشاف التهديدات على طول الطريق وإرسال سفن تابعة للبحرية بالقرب من بورتسودان لإجلاء المواطنين الأميركيين.
ونسبت الصحيفة إلى ديل باكنر، الرئيس التنفيذي لشركة “غلوبال غارديان”، وهي شركة أمنية خاصة مقرها الولايات المتحدة، قوله إنه تلقى مكالمات محمومة من أجانب وأصحاب عمل يسعون جاهدين لإخراجهم من السودان، موضحا أن فريقه نقل عشرات المغتربين من السودان إلى مصر وإريتريا في الأسبوع الماضي، وتعرضوا في بعض الأحيان لنيران المدفعية والهاون والأسلحة الخفيفة.
وأضاف باكنر قائلا إنه يتعين على فرق الإنقاذ التابعة لهم اجتياز عشرات نقاط التفتيش في منطقة حرب نشطة، مشيرا إلى أن لديهم مئات من العملاء الآخرين بالانتظار “لكن الوضع يزداد خطورة”.
لخطورة الطريق
من جهتها، أشارت “واشنطن بوست” إلى أن هناك قرابة 16 ألف مواطن أميركي -غالبيتهم العظمى مزدوجو الجنسية ولا يعملون لدى الحكومة الأميركية- ما زالوا في السودان. ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنهم لم يتمكنوا من إجلاء هؤلاء المواطنين لأن الخطر كان كبيرا للغاية، وإنهم يقدمون إرشادات حول طرق الهروب ومعلومات لوجستية أخرى.
ونقلت واشنطن بوست، في تقرير لـ3 من كتابها، عن كريستوفر ماير مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة والحرب الخفيفة قوله إن وزارتي الخارجية والدفاع تعملان لمساعدة المواطنين الأميركيين الذين قد يرغبون في مغادرة السودان.
وأضاف ماير أن إحدى طرق المساعدة هي جعل الطرق البرية للخروج من السودان أكثر قابلية للاستخدام، لذا تفكر وزارة الدفاع في الوقت الحالي في الإجراءات التي قد تشمل استخدام إمكانات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لتكون قادرة على مراقبة الطرق واكتشاف التهديدات.
“أخذتم أقرباءكم وتركتمونا”
وأشار تقرير واشنطن بوست إلى غضب بعض المواطنين من عدم إجلائهم، ونقلت تغريدة من أحدهم وهي داليا محمد عبد المنعم، من سكان الخرطوم هربت من منزلها بعد سقوط قذيفة هاون عليه، تقول فيها: “إلى المفاوضين الغربيين.. وضعتمونا في هذه الفوضى وأنتم الآن تسرعون لتأخذوا أقرباءكم (من يهمكم أمرهم) وتخلفونا وراءكم تحت رحمة هذين المريضين النفيسيين -السيكوباتيين- القاتلين”.