8 آلاف محكوم بالإعدام في العراق.. ما خطورة التنفيذ؟ | سياسة
السليمانية- بين فترة وأخرى، تُثير قضية أحكام الإعدام الجدل في العراق، لا سيما مع الحديث عن وجود محكومين أدينوا عبر انتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب أو عبر وشاية المخبر السرّي، وفق ما يؤكده مراقبون.
ومع وصول أعداد المحكومين بالإعدام إلى 8 آلاف، يزداد التساؤل عن أسباب عدم مصادقة رئيس الجمهورية على أحكام التنفيذ وإصدار مراسيم جمهورية بذلك، الأمر الذي يزيد من الشكوك حول وجود تدخلات للتسويات السياسية في حسم وتحديد مصير هؤلاء.
ومؤخرا، أثار حديث وزير العدل العراقي خالد شواني الجدل بكشفه عن وجود 8 آلاف محكوم بالإعدام من مجموع 20 ألفا من المدانين بقضايا تتعلق بما يسمى “الإرهاب” داخل سجون وزارته، موضحًا أن السجون العراقية تضم حاليا أكثر من 60 ألف نزيل بقضايا جنائية ومدنية، موزعين على 28 سجنا في عموم العراق.
وكان قد تم إيقاف العمل بعقوبة الإعدام في البلاد عقب الغزو الأميركي عام 2003، إلا أن السلطات القضائية أعادت العمل بها عام 2004، ليبلغ مجموع من نُفذت بحقهم هذه العقوبة نحو 340 مدانا بين عامي 2014 وحتى نهاية 2020، حسب تقارير سابقة.
وعادةً ما تجري محاكمة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بموجب المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب الذي ينص على الحكم بإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلا أصليا أو شريكا أيا من الأعمال الإرهابية التي تهدف لقلب نظام الحكم والدولة وكل ما من شأنه تهديد الوحدة الوطنية وسلامة المجتمع، كما يُعاقب المحرِّض والمخطِّط والمموِّل وكل من مكّن الإرهابيين من القيام بالجريمة كفاعل أصلي، وفق ما جاء بالقانون رقم 13 لعام 2005.
إجراءات تنفيذ الإعدام
وفي العراق، تمرّ أحكام الإعدام بسلسلة من الإجراءات القانونية، أبرزها مصادقة رئاسة الجمهورية عليها لتكتسب الصفة القانونية، ومن ثم يقع تنفيذ الحكم على عاتق وزارة العدل بعد تسلم المرسوم الجمهوري.
من جهته، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن تنفيذ عقوبة الإعدام في القانون العراقي نصّ عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية من المادة 58 إلى المادة 293، وإن القانون نص على عدم تنفيذ الحكم إلا بعد صدور مرسوم جمهوري، وهذا ما أكدته المادة 93 من الدستور العراقي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير التميمي إلى أن تنفيذ عقوبة الإعدام يكون شنقا وفق المادة 288 من قانون الأصول الجزائية، شريطة حضور هيئة تنفيذ أحكام الإعدام وأحد القضاة والمدعي العام أو نائبه، بالإضافة إلى مندوب عن وزارة الداخلية ومدير السجن وطبيبه، فضلا عن أن القانون العراقي ينص على أن لا تنفذ عقوبة الإعدام في أيام العطل الرسمية والأعياد الخاصة بالمحكوم عليه.
من جانبه، يصف رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي النائب أرشد الصالحي قضية تنفيذ أحكام الإعدام بـ”المحرجة جدًا”، مؤكدًا -في حديثه للجزيرة نت- أن لجنته سجلت مطالبات وضغوطات عديدة على الحكومة من قبل عوائل شهداء ضحايا العمليات التي وصفها بـ”الإرهابية”، وذلك بغية تنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين بتلك الجرائم التي أدت لسقوط المئات من الضحايا.
ضغط سياسي
وتطرح تساؤلات عديدة عن انعكاسات كل هذه الأعداد من المحكومين بالإعدام على الواقعين السياسي والاجتماعي في حال تمّ تنفيذها، فضلا عن استخدام هذه القضية كأوراق ضغط أو تفاوض في أثناء الأزمات والانتخابات.
ولا ينكر الباحث السياسي علي البيدر استخدام ملف المحكومين بالإعدام كورقة سياسية، متسائلا “هل ستتم التضحية بهؤلاء المحكومين من قبل طرف سياسي مقابل ما سيحصل عليه من مغانم، أم سيبقى الأمر في زاوية التعنت في التعامل مع هذا الأمر، لا سيما أن غالبية المحكومين من المكوّن العربي السُني”.
وفي رده على سؤالٍ عن مخاطر تنفيذ أحكام الإعدام سياسيًا واجتماعيًا، يحذر البيدر من أن الإقدام على هذه الخطوة سيربك المشهد السياسي قاطبةً، لا سيما أن التحالف الذي يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يصرّ على عدم تنفيذ هذه الأحكام إلا بعد صدور قانون العفو العام ليتم التأكد من براءة هؤلاء أو إثبات إدانتهم، وفق البيدر.
ويصف الباحث السياسي تنفيذ أحكام الإعدام بحق 8 آلاف سجين بأنه “أمر مرعب”، وأنه سينعكس سلبا على وضع ملف حقوق الإنسان بالعراق في التقييمات الدولية، موضحًا أنه “لا توجد شخصية في الجانب التنفيذي -رئيس الجمهورية الحالي والذين سبقوه- تريد أن تتحمل مسؤولية إصدار مراسيم جمهورية لكل هؤلاء المحكومين، ليس تهرّبًا من المسؤولية وإنما لوجود شكوك حول دوافع اعتقالهم ومحاكمتهم، مع حديث الشارع عن براءة كثير منهم”، على حد قوله.
أحكام قطعية
وعلى خلاف رأي البيدر، يرى المحلل السياسي أسامة السعيدي أن أحكام الإعدام الصادرة تمّت بناءً على أدلة وشهود وتصديق أقوالهم، مع كسب هذه الأحكام الدرجة القطعية، وبالتالي، تعد واجبة النفاذ والتنفيذ.
وبالنسبة للسعيدي، فإن تعطيل تلك الأحكام وعدم تنفيذها يثيران كثيرا من علامات الاستفهام، لا سيما إذا كان ذلك بسبب عدم مصادقة رئيس الجمهورية عليها، وهو ما يوجب على رئاسة الجمهورية مراجعة موقفها، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن من صدرت بحقهم أحكام الإعدام -بسبب جرائم إرهابية- غير مشمولين بقانون العفو العام حتى وإن تم تشريعه، على حد قوله.
وبشيءٍ من الاستغراب والنقد، يقول السعيدي في حديث خاص للجزيرة نت “إذا كانت حجج عدم تنفيذ تلك الأحكام أسبابا سياسية، فإن ذلك يعدّ تجاوزًا وتطاولاً على استقلالية القضاء، وأشبه ما يكون بالاستهانة بدماء الأبرياء والشهداء الذين راحوا ضحايا لجرائم الأعمال الإرهابية التي نفذها هؤلاء المدانون”.
ومن الجدير بالذكر أن البرلمان العراقي يسعى منذ سنواتٍ عديدة لتشريع قانون العفو العام، إلا أن الجدل والخلافات بين الكتل السياسية السنية والشيعية لا تزال تحول دون إقراره، لا سيما أن السنة يطالبون بتضمين قانون العفو العام إعادة محاكمة كثير من المدانين الذين انتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب، في حين ترفض الكتل الشيعية شمول قانون العفو إطلاق سراح المدانين بما يسمى “الإرهاب”.