بعد 70 عاما من الرعب.. فيلم “الأمل الذري” يجدد الدعوة للطاقة النووية | فن
ربما لم يخطر ببال ألفي عالِم اجتمعوا بمقر الكونغرس الأميركي في يونيو/ حزيران 1957، لإطلاق حركة “مناهضة الطاقة النووية” أن حركة عالمية “مؤيدة للطاقة النووية ” تبدو صغيرة لكنها ستصبح مهمة مستقبلا، ستنطلق نفس الشهر أيضا لكن بعد 56 عاما، أي عام 2013؛ وتدعو لاستغلال هذه الطاقة.
والأغرب أن يكون مصدر الدعوة هو السينما، من خلال الفيلم الوثائقي الأميركي “وعد باندورا” (Pandora’s Promise) الذي عرضته شبكة “نتفليكس” (Netflix) وأحدث ضجة هائلة بمطالبته عدم الخوف من الطاقة النووية.
“وعد باندورا” فاز بجائزة مهرجان شيفيلد الدولي للأفلام الوثائقية لعام 2013، وحقق أرباحا تفوق 65 ضعف ميزانيته (حصد أكثر من 66 مليون دولار، ثلثها أول يوم عرض، مقابل ميزانية قدرت بحوالي مليون دولار فقط).
وقبل مرور عقد من الزمان على هذه الدعوة الجريئة، وبالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها التي أدت إلى تصاعد الدعوات لحث الحكومة الألمانية على “التراجع عن إغلاق آخر 3 محطات للطاقة النووية” وشعور فرنسا بالرضا لاحتفاظها بمفاعلاتها التي توفر لها حوالي 70% من الكهرباء، ظهر تحديث لدعوة “وعد باندورا” في شكل عمل وثائقي إيرلندي هذه المرة، هو فيلم “الأمل الذري” (Atomic Hope) الذي عرضته “نتفليكس” أيضا في 17 فبراير/شباط الماضي، لكن بعد إنتاجه بميزانية لا تتعدى 150 ألف يورو.
المحاولة الأولى للدفاع عن الطاقة النووية
من وجهة نظر المهندسة النووية الأميركية، لينكا كولار، فإن “وعد باندورا” -للمخرج روبرت ستون- قدم دعوة فريدة للطاقة النووية، تهدف لتغيير الطريقة التي يفكر بها الناس بشأنها، وجعلهم يتساءلون عن سبب معارضتهم لها في المقام الأول.
فقد كان ستون نفسه من دعاة حماية البيئة ومناهضة الطاقة النووية طوال حياته، قبل أن يغير موقفه ويحشد في فيلمه العديد من دعاة حماية البيئة البارزين الذين غيروا وجهات نظرهم حول الطاقة النووية، بعد أن كانوا يحتجون عليها في السبعينيات والثمانينيات، وأصبحوا يتحدثون الآن لصالحها كمصدر “أخضر” للكهرباء.
من بين هؤلاء الكاتب والناشط البيئي البريطاني مارك ليناس، الذي غير موقفه من الطاقة النووية عام 2005، عندما علم في أحد المؤتمرات أنها توفر سدس كهرباء العالم دون انبعاث الكربون، مقابل توفير الرياح والطاقة الشمسية لجزء صغير فقط.
وبافتتاحية الفيلم، نرى ليناس وهو يتجول في محيط محطة فوكوشيما دايتشي النووية في اليابان، بالقرب من ثاني أسوأ كارثة نووية بالتاريخ. ثم يتنقل وسط مشاهد للدمار المخيف الذي خَلّفه تسونامي عام 2011، ويسأل كل من يلقاه “هل ما زلت مؤيدا للطاقة النووية؟”.
وبعد أقل من 10 دقائق، تتوالى أحاديث الخبراء المؤيدين للطاقة النووية، وسط مشاهد احتجاجات ضدها، يرتدي فيها المتظاهرون زي الهياكل العظمية.
منطق أحادي الجانب
أما مانوهلا دارغيس، الناقدة الرئيسية بصحيفة “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركية، فترى أن الفيلم “ترويج لمنطق أحادي الجانب” حاول فيه ستون، على مدى 87 دقيقة، حشد مقابلات حقيقية ومواد أرشيفية وحتى مقاطع من مسلسل “عائلة سمبسون” لإثبات أن “كل ما يعتقده النشطاء المناهضون للطاقة النووية خطأ، وأن عقودا من الترويج للخوف والمعلومات المضللة المدفوعة سياسيا وأيديولوجيا أدت إلى إضفاء الطابع الشيطاني على هذه الطاقة، كلما حاولنا أن نلتمس فيها خلاصنا” وذلك دون أن يترك مجالا للمعارضة، مُكتفيا بترديد مقولة أن “من يناهض الطاقة النووية لا بد وأن يكون بالضرورة مؤيدا لحرق الوقود الأحفوري”.
وأضافت الناقدة: بالتأكيد هناك قضية بيئية يجب طرحها للاستفادة من الطاقة النووية، كبديل للوقود الأحفوري “لكن هذا لن يتحقق باكتفاء المتحمسين للطاقة النووية بالقول إن كل شيء سيكون على ما يرام إذا استخدمناها، فلابد من حجة تقنع الناس بذلك”.
“الأمل الذري” بين الحجة والتحدي
في الوقت الذي يرى فيه الناقد دينيس هارفي أن فيلم “الأمل الذري لم يقدم حجة شاملة لتبني الطاقة النووية” واكتفى بطرح وجهة نظر مثيرة للفضول لكنها لا تحظى بشعبية، وتستحق شرحا ونقاشا واضحين “وهو ما لم يوفره الفيلم في النهاية”.
كما لم يسمع للمعارضين على الإطلاق، واكتفى بالتأكيد على أن “الطاقة النووية أسرع طريقة للقضاء على انبعاثات الكربون الناتجة عن أنظمة الطاقة الأخرى، في الوقت المناسب لمكافحة تغير المناخ”.
كما يرى الناقد بيتر برادشو أن هذا الفيلم “نجح في تقديم حجة مُقْنِعة لصالح الطاقة النووية” حيث اختار الكاتب والمخرج الإيرلندي فرانكي فينتون أن يخوض تحديا صعبا، يحاول فيه على مدى 82 دقيقة، إقناع أجيال نشأت على فكرة أن “الطاقة النووية تعني نهاية العالم” بينما لا يفرق معظمهم بين الطاقة النووية والأسلحة النووية، بعكس ذلك رغم علمه أن “هذا لن يكون سهلا”.
ويضيف برادشو أن الفيلم استطاع أن يُعيدنا إلى موضوع شائك بالنسبة لدعاة حماية البيئة حول العالم، ليذكرهم بأن “الأمل الواقعي الأخير لتجنب كارثة المناخ هو التوقف عن القلق، وتعلم حب الطاقة النووية باعتبارها مصدرا نظيفا وفعالا للغاية، وطاقة صديقة نحتاجها للمناخ”.
سباحة ضد التيار
لا ينكر فيلم “الأمل الذري” أهمية مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، لكنه يرى أن التقدم فيها بطيء للغاية، وأن الوقت ينفد. كما لا ينكر أيضا أن مخاطر الطاقة النووية حقيقية، مثلما هناك مخاطر وضرر عالمي واضح من الوقود الأحفوري.
لكنه يركز على أن مخاطر الطاقة النووية يتم تضخيمها وإساءة فهمها بعد تكريس أسطورة من الرعب نُسجت حولها، فأعاقت النقاش والتفكير، ولم تعد تتناسب مع “تطور تدابير السلامة اليوم”.
لذلك تصفه الناقدة تارا برادي بأنه “سباحة ضد التيار” تروج لأنظف مصادر الطاقة وأكثرها خضرة، لكنها مخيفة للغاية.
واعتمادا على مجموعة من علماء البيئة والناشطين المؤيدين للطاقة النووية، يُصرون على أن “المخاوف المتجذرة منها يجب ألا تطغى على المخاوف المناخية الحالية”.