بعد أكثر من 5 قرون.. لماذا يحنّ الإسبان إلى أمجاد الأندلس وتراثها؟ | البرامج

تناول برنامج “للقصة بقية” في حلقته بتاريخ 2023/4/10 حنينا يتزايد بشكل ملحوظ مؤخرا من قبل الإسبان، لحضارة الأندلس -التي عاشت قرونا في شبه الجزيرة الإيبيرية- للبحث عن جذورهم وتعلم اللغة العربية والغوص في تاريخ هذه الفترة من حياة أجدادهم وأجداد العرب.
ويرى كثيرون أنه قد يكون من الطبيعي حنين العرب والمسلمين لتلك الحضارة التي شيدوا أمجادها ولم تزل آثارها قائمة إلى اليوم، لكن من غير المألوف حنين الإسبان لهذ الحقبة، حيث بنى أجداد العرب والمسلمين عاصمة بلادهم مجريط التي تعني مجرى المياه الوفيرة، التي عرفت لاحقا باسم مدريد.
وسعت حلقة البرنامج إلى فهم أبعاد هذا الشغف في البحث عن الجذور الإسلامية في إسبانيا، ومعرفة كيف تطور التعامل مع هذا الإرث العربي الإسلامي في إسبانيا؟ وإلى أي حد ما زال حاضرا في هذا البلد وفي حياة شعبه، وما إذا كان هذا الميراث يمثل فرصة للتقارب بين الثقافتين العربية والغربية.
ورصد فيلم وثائقي أعدّه البرنامج دراسات وأبحاثا ومبادرات مختلفة، سعت لإعادة الإرث العربي والإسلامي الذي أسهم في مختلف مجالات الثقافة والمعرفة في إسبانيا، وأبرز كذلك نماذج لمدن إسبانية مختلفة يسعى مواطنوها لاكتشاف الأثر الإسلامي فيها، والذي لا يزال حاضرا في حياتهم حتى اليوم.
شغف متزايد
ومن ضمن هؤلاء: رافاييل مارتينيز، وهو باحث إسباني نذر نفسه للتعريف بتاريخ مدريد العربية، وأسس مشروعا لهذا الغرض، وهو يعبّر عن شغف متزايد لدى قطاعات من الشعب الإسباني، بالبحث عن الجذور العربية والإسلامية في هذا البلد، حيث ذكر أنه ينظم جولات منتظمة للمواطنين الإسبان والسواح للحديث عن التاريخ العربي لمدريد.
كما أكّد الباحث في التاريخ الإسباني فيليبي غونزاليس في حديثه للبرنامج أن التأثر بالهوية الأندلسية لا متناه في الثقافة الإسبانية، مشيرا إلى أن السلام الوطني الإسباني أندلسي الأصل، لافتا إلى أن تتبع البحث من قبل الإسبان عن الأصل الإسلامي في حياتهم بات متزايدا بشكل ملحوظ.
فيما يؤكد المؤرخ الإسباني والباحث والمنسق لمركز الدراسات الإسلامية بمدريد دانييل خيل بني أمية على أن مدريد لديها تاريخ إسلامي يبلغ 750 سنة، و”يمكن القول إن هذه الفترة من التراث الإسلامي المخفي”.
ومن غرناطة، يشير رافئيل غوردو مدير السواقي في المناطق المحيطة بنهر موناتشيل في المدينة، إلى وجود أكثر من 500 منطقة تستخدم شبكة أنظمة قنوات ري مركزي تعود للعصر العربي منذ أكثر من ألف عام.
الفن المدجّن
وإثر سقوط الأندلس، أطلق مصطلح “الفن المدجّن القديم” على الفن المعماري الإسلامي الذي واصل المسلمون بناءه تحت الحكم القشتالي المسيحي، وحوله يقول الباحث غونزاليس إنه تم اختراع هذا المصطلح باعتباره تعايشا بين العناصر الإسلامية والمسيحية بشكل يسمح لإسبانيا بعدم الاعتراف بالتأثير الإسلامي الهائل على الثقافة المسيحية واليهودية.
وفي قرطبة، تتواصل جهود إحياء المزيد من العلوم والفنون الإسلامية، ومن ذلك ما تقوم به مؤسسة البيت العربي في أحد بيوت قرطبة العتيقة التي يعود بناؤها للقرن الرابع عشر، حيث تعقد ورشا حرفية تهدف إلى إعادة إحياء المهن وفنون العمارة التي كانت سائدة في عهد الخلافة الأموية.
كما ينظم المركز دورات لتعليم العربية للأطفال والكبار، وهناك عائلات إسبانية بأكملها تسعى لتعلم العربية، كما ذكرت سعيدة شيرميتي مسؤولة المركز العربي في البيت العربي، والتي لفتت إلى وجود “اهتمام كبير” لتعلم العربية في الآونة الأخيرة.
ورصد الفيلم -الذي تتضمنه حلقة “للقصة بقية”- رحلة المحامي الإسباني ميغبل المدور، وهو من أصل مورسكي، للبحث عن جذوره العربية، وما اكتشفه عن أصوله المسلمة وانتمائه للعائلة المالكة العربية التي حكمت إسبانيا، وقد دفع تاريخ العائلة ابنة المدور للعودة إلى الإسلام والارتباط بأحد المسلمين.
ارتباطات متعددة
وفي حديثه للبرنامج، قال الدكتور خوسيه ميغيل بويرتا فليشيت الأكاديمي الإسباني والأستاذ بجامعة غرناطة، إنه توجد الكثير من الأمور التي تغذي شعور الإسبان تجاه تاريخ بلادهم الأندلسي، ومن ذلك العمارة المنتشرة، إضافة إلى الناحية الأدبية والفكرية، “فهناك ماض ثقافي وفكري أندلسي غني جدا”.
وأشار إلى ازدهار الاستعراب في الجامعات الإسبانية والمعاهد العلمية، وجميع ما يخص الدراسات الأندلسية، كما ازدهر الاهتمام بالحضارة العربية على المستوى الشعبي، إلا أنه لفت كذلك إلى الحاجة إلى المزيد من الدعم لتلبية اهتمام الإسبان بتراث الأندلس، وخاصة ما يتعلق بدراسة اللغة العربية، كون اللغة هي الطريقة الأكثر جدية في هذا المسار.
ولفت إلى أن الاهتمام لا يتشكل لدى الإسبان ذوي الأصول العربية فقط، بل يشمل كذلك جميع الأعراق في بلاده، فالجميع يعتبر نفسه امتدادا للثقافة الأندلسية إنسانيا وفكريا.
بدوره، قال الدكتور عامر ممدوح خيرو أستاذ التاريخ الأندلسي بالجامعة العراقية، إن هذا الحنين المشترك بين العرب والإسبان والذي برز مؤخرا، يرتبط بما تحتله الأندلس من مكانة في الذهنية العربية، والتي عرفت باسم الفردوس المفقود، وما حملته من مجد وحضارة.
ولفت إلى وجود تغير نوعي في الآونة الأخيرة، فالأجيال الأولى التي سادت إسبانيا عقب سقوط الأندلس، سادتها حالة من التعصب ومحاولة طمس تراث الأندلس، لكن الأجيال الجديدة تحررت من هذه النظرة السلبية، وأصبحت تعتبر هذه المنجزات التي تذكرهم بالتاريخ الاندلسي، محطة لا يمكن القفز عليها.