القنبلة السكانية.. هل هي حقيقية أم مبالغ فيها؟ | أسلوب حياة
وصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، وكان فقط 2.5 مليار شخص في عام 1950، أي أن عدد سكان العالم أصبح أكبر بـ3 مرات مما كان عليه في منتصف القرن الـ20.
ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بنحو ملياري شخص في الأعوام الـ30 القادمة ليصل إلى 9.7 مليارات في عام 2050. أما الذروة المتوقعة في عدد سكان الكرة الأرضية من البشر فيمكن أن تصل إلى 10.4 مليارات شخص في منتصف ثمانينيات القرن الحالي، وذلك حسب ما ذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها العام الماضي.
وعلى أرض الواقع فقد شهد العالم نموا هائلا في حجم السكان خلال العقود الماضية، إذا زاد عدد سكان الأرض بنحو مليار شخص منذ عام 2010، وملياري شخص منذ عام 1998.
وكان هذا النمو الهائل مدفوعا إلى حد كبير بزيادة أعداد البشر الذين بقوا على قيد الحياة حتى سن الإنجاب، وزيادة معدل عمر الإنسان بفضل التقدم الطبي وتحسن أنظمة الرعاية الصحية في مختلف الدول.
كما صاحبت هذا النمو تغييرات كبيرة في معدل الخصوبة لدى البشر، وبالذات في الدول الأكثر فقرا، حيث أصبح النمو السكاني العالمي يتركز بشكل متزايد في أفقر بلدان العالم، ومعظمها يقع في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وسيكون لهذه الاتجاهات آثار بعيدة المدى للأجيال القادمة حسب ما ذكرت الأمم المتحدة في تقريرها.
الهند تتفوق على الصين
أما في الهند والصين، وهما أكثر دولتين اكتظاظا بالسكان في العالم، فسوف تتفوق الهند على الصين هذا العام 2023 لتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حسب ما ذكرت شبكة “سي إن إن” (CNN) في تقرير لها مؤخرا.
وارتفع احتمال تجاوز الهند للصين في غضون بضعة أشهر، عندما أفادت الصين بأن عدد سكانها تقلص في عام 2022 لأول مرة منذ أكثر من 60 عامًا. وسيكون لهذا التحول تداعيات اقتصادية كبيرة على كلا العملاقين الآسيويين اللذين يبلغ عدد سكان كل منهما أكثر من 1.4 مليار نسمة.
ويتحدث المراقبون عما يسمونه “قنبلة سكانية حقيقية” ستؤثر بشكل كبير على كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والغذائية والبيئية.
هل القنبلة السكانية حتمية أم أنها مبالغ فيها؟
حسب دراسة علمية جديدة صدرت عن “نادي روما” مؤخرا ونشرت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية أهم ما ورد فيها، فإن هذه القنبلة قد لا تنفجر أبدا، حيث توصلت الدراسة إلى أن البشرية ستصل ذروتها بوقت أقل وأسرع مما كان متوقعا.
و”نادي روما” هو مركز أبحاث غير حكومي مقره في سويسرا يضم اقتصاديين وعلماء وسياسيين من دول مختلفة لديهم اهتمامات مشتركة حول التحديات العالمية مثل الزيادة السكانية و الاحتباس الحراري.
وتتوقع الدراسة أن عدد سكان العالم سيصل إلى 8.8 مليارات قبل منتصف القرن، ثم ينخفض بسرعة، ويمكن أن تأتي الذروة في وقت أبكر إذا اتخذت الحكومات خطوات ملموسة لرفع متوسط الدخل ومستويات التعليم.
وتحمل هذه التوقعات الجديدة أخبارا جيدة للبيئة العالمية على كافة الصعد، فبمجرد التغلب على التضخم الديمغرافي سيتراجع الضغط على الطبيعة والمناخ، وكذا التوترات الاجتماعية والسياسية المرتبطة به.
خطر الاستهلاك المفرط على الكوكب
وحذرت الدراسة من أن انخفاض معدلات المواليد وحده لن يحل المشاكل البيئية التي تواجه الكوكب وسكانه، وهي مشاكل حقيقية وخطيرة تنتج في المقام الأول عن الاستهلاك المفرط لأقلية ثرية، إذ يمكن أن يؤدي انخفاض عدد السكان إلى خلق مشاكل جديدة، مثل تقلص القوى العاملة وزيادة الضغط على الرعاية الصحية المرتبطة بالشيخوخة، وهو ما تعاني منه بالفعل الآن دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
وقال بن كاليجاري أحد الباحثين المشاركين في الدراسة “إن النتائج كانت مدعاة للتفاؤل، لكننا ما زلنا نواجه تحديات كبيرة من منظور بيئي. نحن بحاجة إلى الكثير من الجهد لمعالجة نموذج التنمية الحالي للاستهلاك المبالغ فيه والإفراط في الإنتاج، والتي تمثل مشاكل أكبر من زيادة عدد سكان الأرض”.
وأجرت الدراسة الجديدة مجموعة “الأرض للجميع” (Earth4All) التي تضم عددا من المؤسسات الرائدة في مجال العلوم البيئية والاقتصادية بما في ذلك مؤسسة “بوتسدام لأبحاث المناخ” (Potsdam Institute for Climate Impact)، و”مركز ستوكهولم للصمود” (Stockholm Resilience Centre)، و”كلية الأعمال النرويجية بي آي” (BI Norwegian Business School) التي تم تكليفها من قبل نادي روما لمتابعة دراسة النمو السكاني في العالم منذ أكثر من 50 عاما.
وتتوقع الدراسة أن تكون السياسات الحالية كافية للحد من النمو السكاني العالمي إلى أقل من 9 مليارات شخص في عام 2046 ثم تنخفض إلى 7.3 مليارات في عام 2100، ولكنها تحذر من أن هذا “متأخر جدا، فرغم أن هذا السيناريو لن يؤدي إلى انهيار بيئي أو مناخي كلي على مستوى العالم، فإن احتمالية الانهيارات المجتمعية الإقليمية ترتفع على مدار العقود وحتى عام 2050، وذلك نتيجة تعمق الانقسامات الاجتماعية داخل الدول والمجتمعات، وكذلك فيما بينها”.
وهناك سيناريو آخر ذكرته الدراسة وهو أكثر تفاؤلا، وذلك مع قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم برفع الضرائب على الأثرياء للاستثمار في التعليم والخدمات الاجتماعية وتحسين المساواة الاجتماعية بين السكان، حيث يقدر أن عدد سكان الكوكب سيصل إلى 8.5 مليارات في وقت مبكر من عام 2040 ثم ينخفض إلى حوالي 6 مليارات في عام 2100.
وفي ظل هذا المسار، يتوقع الباحثون مكاسب كبيرة للبشرية والبيئة معا بحلول منتصف القرن، حيث ستنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 90% تقريبا مما كانت عليه في عام 2020، وهو الشيء الذي سيؤدي لخفض درجة الحرارة العالمية بنحو درجتين من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية للصناعة العالمية.