عرفوا التطعيم واشتهروا بالحمامات والقصور.. هذا ما رأته الليدي ماري مونتاغيو في رحلتها إلى الدولة العثمانية
خلال القرن السادس عشر بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها، واتساع جغرافيتها في قارات العالم الثلاث، فقد تمكنت من الوصول إلى حدود الإمبراطورية النمساوية في قلب أوروبا، وباتت تسيطر على شمال أفريقيا من غزة شرقا وحتى وهران على حدود المغرب الأقصى، ومن الأناضول والعراق والبلقان شمالا إلى اليمن وبحر العرب جنوبا، وضمت قوميات وأعراقا ولغات مختلفة في ظل سيادة الإسلام.
وبهذه القوة التي مكنتها من السيطرة على أهم البحار العالمية ووضعتها في قلب العالم أجمع بين آسيا الغنية بمواردها الزراعية والتجارية، وأوروبا المتعطشة للتقدم والنهضة؛ أصبحت الدولة العثمانية رقما صعبا، ولذا كان طبيعيا أن تترامى دول الأعداء والأصدقاء إلى إسطنبول من خلال سفرائها وتُجّارها ورحّاليها لاستكشاف البنية الداخلية لهذه الدولة، أو للتوسط من أجل عقد اتفاقيات سياسية واقتصادية وغيرها من الشؤون الأخرى.
السفير الإنجليزي مونتاغيو وزوجته ماري إلى إسطنبول
في مطلع القرن الثامن عشر، تزايدت أعداد الأوروبيين القادمين لزيارة الدولة العثمانية، ونظرا لهذه الزيادة، فضَّلوا العيش في مدينة مستقلة في العاصمة إسطنبول ضمَّت ثلاث ضواحي صغيرة، هي “بيرا” و”غلطة” و”طوبخانه”. وفي الفترة ما بين عامي 1716 و1718، خرج السفير الإنجليزي “إدوارد وورتلي مونتاغيو” من لندن حاملا سفارة إلى السلطان العثماني أحمد الثالث. وقد بلغت الرحلة عامين ذهابا وإيابا في ظل ظروف دولية خطرة، وصراعات لا تنتهي بين الدولة العثمانية وخصومها في النمسا وبولندا وألمانيا وروسيا، ولذا كان السفر خطرا في ظل ذلك الصراع الشَرِس، فضلا عن قُطَّاع الطرق الذين اعتاشوا على انتهاب القوافل والرحلات الأوروبية من الدولة العثمانية إلى أوروبا الوسطى والغربية والعكس.
ونظرا لهذه الأحداث والحروب وانقطاع السُّبل، وفي وقت كانت وسائل الاتصال بين البلدان المتجاورة شديدة البطء وعالية التكلفة، كان الإنجليز القابعون في أقصى الغرب الأوروبي آنذاك على معرفة ضئيلة بالواقع العثماني، وانتشرت معلومات مغلوطة عن العثمانيين بين عامة الإنجليز عن طريق خيال ودجل بعض رحَّالتهم، ولهذا السبب كانت رسائل الليدي “ماري وورتلي مونتاغيو” (1689-1762م)، زوجة السفير الإنجليز الموجَّه إلى إسطنبول، على قدر كبير من الأهمية التاريخية.
ونرى من رسائل ماري التي جُمعت وطُبعت في أواخر القرن الثامن عشر في كتاب عنوانه “رسائل من تركيا 1716-1718م” قدرا من ثقافتها وتعليمها الجيد، إذ إنها كتبت عن حقائق غابت عن عموم أبناء وطنها آنذاك، حيث تناولت حال المساجد والميادين الجميلة وحمّامات النساء في مدن العثمانيين الشهيرة مثل أدِرنة وإسطنبول، وتعرّفت فيها إلى نساء الطبقات العالية، وتكلمت عنهن بشيء من الاحترام والتقدير، وأدركت بصورة واضحة الفارق بين الطبقة العسكرية والطبقة العِلمية.
وقد كتبت ماري كذلك عن النظام المنزلي لقصر السفارة الذي كانت تعيش فيه، وعن خبرتها مع البيوت التركية وسكانها من الداخل، كما كتبت إلى أميرة ويلز عن فقر رعايا الملوك الأجانب، وعن الصعوبات التي واجهتها بسبب حماس زوجها في خدمة ملك بريطانيا، وعن الأسواق والحمامات ومجوهرات نساء الطبقة الأرستقراطية العثمانية، وحين كتبت إلى بعض أساتذتها، مثل الأب “كونتي”، نراها تتناول عادات الأتراك وحتى شؤونهم السياسية والدينية [1].
ملاحظات مهمة عن تمرُّد الإنكشارية
ضمن ملاحظاتها، رصدت ماري تسلط الجنود الإنكشارية، وهم القوة الضاربة للجيش العثماني منذ القرن الخامس عشر الميلادي، فقد رأت ازدياد نفوذهم وطغيانهم منذ وطئت قدماها أراضي العثمانيين في المجر وصربيا ورومانيا واليونان وحتى إسطنبول ذاتها، إلى درجة أنهم قتلوا الباشا العثماني والي المجر قُبيل نزول الليدي ماري وزوجها السفير لأنه حاول منعهم من التعدي على الألمان المجاورين لهم، ويبدو أن الباشا حال دون وقوع مشكلة كانت الدولة العثمانية في غنى عنها آنذاك في ظل صراعها مع الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر، إذ كتبت ماري: “احتشدوا بطريقة هائجة، وجرُّوا الباشا الذي يحكمهم أمام القاضي والمفتي وطلبوا إقامة العدل بطريقة متمردة…، وصرعوه في الحال بسيوفهم المعقوفة، دون انتظار لحُكم القضاء، وفي غضون دقائق قليلة قطعوه إربا إربا”[2].
وسنجد هذا الوصف من ماري في تعامل الجنود السباهية والإنكشارية العثمانيين مع الفلاحين من أهالي البلقان يتوافق مع سلوكهم في إسطنبول والقاهرة ودمشق ومناطق أخرى من الدولة العثمانية، فقد أصبحوا في أوقات كثيرة خارج سيطرة الدولة، ومنذ أواخر القرن السادس عشر ولمدة قرنين ونصف تاليَيْن تسبَّب الإنكشارية في مقتل وخلع العديد من السلاطين والصدور العظام والولاة والباشوات وحتى الفلاحين وعامة الناس، وكذلك كانوا عاملا أساسيا في تأخر مكانة الدولة العثمانية العالمية حتى أبادهم السلطان محمود الثاني في عام 1826م في مذبحة الإنكشارية على غرار المذبحة التي أوقعها محمد علي باشا في القاهرة ضد المماليك في عام 1811م.
ولذلك تقرر ماري أن الجنود “الجراكسة لا تأخذهم بهم (بالفلاحين) رحمة لفقرهم، فهم يذبحون كل ما تقع عليه عيونهم من طيور داجنة وأغنام دون سؤال عن صاحبها…، وعندما يسافر الباشوات تصير الأمور إلى الأسوأ…، هذا هو حال الفساد الطبيعي للحكومة العسكرية، رغم أن دينهم لا يسمح بهذا السلوك البربري…، والحكومة كلها هنا في يد الجيش، والخليفة بكل سلطاته يرتعش مثل أي واحد من رعاياه إذا عبس أحد الجراكسة (الإنكشارية) في وجهه، هذه حقيقة، فلديهم الكثير من مظاهر الخضوع”. ونلاحظ هنا كيف فرَّقت بموضوعية ونزاهة بين سلوك الإنكشارية وظلمهم، وما يأمر به الإسلام من عدل وإنصاف.
ولئن وصفت ماري الإنكشارية في أغلب المدن التي مرَّت بها بالتمرد والقلاقل وخلع السلاطين والثورات، فقد وصفت في المقابل أوقات التزامهم وصرامتهم والقوة المفرطة والطاعة العمياء التي تمتعوا بها. ولعل هذه الصرامة والطاعة في أوقات الهدوء والحروب هي التي دفعت الدولة العثمانية إلى تحقيق العديد من الانتصارات زمن السلطان أحمد الثالث ضد الروس والسويديين، فـ”أولئك الحراس يمتلكون الكثير من الخصال الحميدة، فهم شديدو الحماسة والإيمان بما يخدمونه، ويأخذون على عاتقهم القتال في سبيله في كل المناسبات مُعتبرين ذلك عملهم وواجبهم”[3].
إعجاب ماري بعلماء الدولة العثمانية
ثمة ملاحظات مهمة كتبتها الليدي ماري عن عادات الرجال وعن السياسة والدين في الدولة العثمانية، وهي ملاحظات على قدر كبير من الأهمية، إذ أقرَّت في إحدى رسائلها بجهل الإنجليز والغربيين بحقيقة العثمانيين والأتراك بسبب قلة عدد الزائرين والرحّالة المُنصفين، فقالت: “إن ما نعرفه عن أخلاقيات هؤلاء القوم ودينهم قليل جدا، فهذا الجزء من العالم من النادر أن يزوره أحد سوى التجّار الذين لا يهتمون إلا بما يتعلق بشؤون تجارتهم، أو الرحّالة الذين يمكثون هناك بعض الوقت لا يُمكِّنهم من الحصول على أي معلومات دقيقة بأنفسهم. الأتراك على قدر عالٍ من الكبرياء، فهم لا يتبسَّطون في الحديث مع العامة أو التجّار، ولذلك كل ما يمكن لأولئك التجار أن يلتقطوه مجرد معلومات مُشوَّشة، وهي عموما غير صادقة”[4].
في مدينة بِلغراد العثمانية (عاصمة صربيا اليوم) التقت ماري بأحد رجالات الإدارة العثمانية ومُثقَّفيها من الفقهاء الكبار، قالت إن اسمه “أحمد أفندي”، وكان هذا الرجل يملك مكتبة كبيرة وضخمة، ووصفته ماري بالباحث الكبير الذي عرف مع التركية الفارسية والعربية، وكان مُولعا بالأدب والشعر العربي حيث قالت: “شرح لي كثيرا من نصوص الشعر العربية، وقد لاحظتُ أنها من حيث الوزن تختلف عن أشعارنا، وهي بشكل عام مكتوبة في أبيات متناوبة، وموسيقاها شديدة الوضوح”. وقد أعجب الشعر العربي ماري الإنجليزية، لذلك قالت: “أعتقد أنني يجب أن أتعلَّم قراءة اللغة العربية إذا بقيتُ هنا بضعة شهور”[5].
ويبدو أن ماري التقت بأحد الفقهاء الحنفية الكبار في بلغراد، وكان للعلماء والفقهاء وللطبقة العلمية والقضائية عموما مكانة محترمة في أراضي الدولة العثمانية، وقد قرَّرت ماري هذه الحقيقة حين قالت: “إنه أستاذ باحث، أمثال هذا الرجل مؤهلون لارتقاء المناصب سواء في مجال القانون أو الرتب الدينية…، وهم الرجال الوحيدون في الإمبراطورية الذين يحظون باحترام شديد، ويجمعون تحت أيديهم كل الوظائف المربحة بالإضافة للسلطة الدينية”[6]. أدركت ماري فيما يبدو قوة طبقة العلماء الاجتماعية والمالية مقارنة بمغامرات رجال السياسة والحُكم والعسكر، فإذا ظل الفقيه محافظا على لقب “أفندي”، بعيدا عن الانخراط في الوظائف السياسية، بقي محترما بين النخبة السياسية والعسكرية.
وتابعت ماري وصفها للعلماء قائلة: “على الرغم من أن الخليفة هو الوريث العام لشعبه، فإنه لا يمس إطلاقا أرضهم أو نقودهم…، إنهم يفقدون تميزهم إذا قبلوا مكانا في القصر أو مُنحوا لقب باشا…، من السهل إدراك مدى قوة أولئك الرجال الذين يحتكرون كل العلوم، وتقريبا كل ثروات الإمبراطورية”. هنا أقرَّت ماري بقوة طبقة العلماء في بنية الدولة العثمانية، ولكن لأنها لم تُدرك طبيعة نظام الأوقاف الإسلامية وإشراف العلماء والقُضاة المباشر عليها، وأنها كانت مستقلة عن سيطرة السلطان والنخبة العسكرية؛ ظنت أن العلماء يملكون هذه الثروات. ولا شك أن إشرافهم القضائي والإداري على هذه الأوقاف الطائلة كان أحد الأسباب التي أدت إلى نفوذ كلمتهم حتى على السلاطين والإنكشارية، ولهذا السبب عادت ماري فقالت: “في الواقع هم الملاك الحقيقيون رغم أن العسكر هم الذين يظهرون على السطح، ويقومون بالثورات، وهم الذين قاموا بخلع السلطان الأخير مصطفى (الثاني)، وقوتهم معروفة جيدا”[7].
تطعيم ضد الجدري وقصور فخمة وطلاء للأظافر
بعد ذلك، انتقلت ماري وزوجها السفير الإنجليزي من بلغراد إلى صوفيا (عاصمة بلغاريا اليوم) بعد إذن السلطات العثمانية، وقد أعجبت بمدينة صوفيا العثمانية لجمال طبيعتها ونقاء هوائها واتساعها، “فهي واحدة من أجمل بلدان الإمبراطورية التركية” على حد وصفها. وفي هذه المدينة أُعجبت بالحمّامات العامة التي كانت مُعدَّة للاستحمام والتدليك والحجامة وغيرها، وكانت منقسمة إلى حمّامات خاصة بالنساء وأخرى للرجال. ورغم أن ماري ظلت محتفظة بسمت بملابسها المختلف عن الأخريات من التركيات والبلغاريات، فإنها لاحظت قائلة: “لم أرَ ابتسامة واحدة تنمُّ عن الازدراء أو حتى سمعتُ همسة سُخرية، مما لا تخلو منها مجتمعاتنا عندما يظهر شخص لا يرتدي ما يرتدونه، بل رُحن يكررن على مسامعي المرة تلوة الأخرى [غوزال كي غوزال] التي تعني لطيفة لطيفة جدا”[8].
وبوصفها امرأة في المقام الأول، أثارت الألوان والأزياء العثمانية انتباه ماري، لا سيما ملابس السلطان وجنوده ونساء البلاط العثماني، ومواكبهم في الاحتفالات ووقت الذهاب إلى الصلوات والجُمعات في مجموعات من الأزياء الملوَّنة والزاهية كلٌّ حسب جماعته وطائفته ورُتبته، فالإنكشارية على رؤوسهم الريش الأبيض، وجنود السباهية والبوستانجية وجنود الصدر الأعظم رئيس الوزراء باللون الأخضر والأحمر، وجنود حرس الحريم باللون الأصفر الداكن، وإذا سار كل هؤلاء في موكب واحد على التوالي “يبدون من بعيد كَرَوْض من زهور التوليب” حسبما وصفتهم ماري[9].
دوَّنت زوجة السفير الإنجليزي أيضا ملاحظاتها حول أشكال الزينة والتأنُّق التي اتخذتها نساء الدولة العثمانية مثل التركيات واليونانيات، تلك العادات التي نلحظ في كلامها أنها كانت مُفتقَدة في إنجلترا بل ولدى نساء الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية، حيث قالت: “لديهن أجمل بشرة طبيعية في العالم، وعيونهن غالبا سوداء وواسعة…، أؤكد لك أن بلاط إنجلترا لا يمكنه أن يضم مثل هذا العدد من الحسناوات اللاتي يعشن هنا…، التركيات واليونانيات لديهن عادة رسم العيون بقلم أسود، وذلك يضيف من بعيد أو تحت ضوء الشموع جمالا لسوادها، أتصور أن الكثيرات من سيداتنا سيبتهجن لو أتيح لهن معرفة هذا السر، والنساء يصبغن أظافرهن بلون وردي”[10]. ومن كلام ماري هذا نستشف أن نساء إنجلترا حتى الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي لربما لم يكن قد عرفنَ بعدُ طلاء الأظافر وأقلام الكُحل، بينما وُجدت وانتشرت في أراضي العثمانيين.
في المقابل، وعلى عكس الصورة الشائعة والمغلوطة التي نقلها بعض الرحالة الإنجليز عن نظام الحرملك العثماني المنفلت المنغمس في الشهوات والعربدة، فإن ماري تؤكد أنه كان يسير وفق نظام صارم، فلم يكن للرجال غير المحارم أن يتدخلوا في نظامه بأي صورة كانت، وهي تُفنِّد هذه الصورة الشائعة التي كتبها الرحالة الأجانب: “فأغلبهم مولعون بالكلام عما لا يعرفونه…، ربما تندهشين لهذا الوصف شديد الاختلاف عن كل ما سمعته…، حُجرات الحرملك لا يدخلها غريب، حيث لا يظهرنَ عليه ولا يراهُن، وغرف النساء كلها مبنية في الخلف بعيدة عن الأنظار”[11].
أكدت ماري هذه الحقيقة حين التقت بزوجة رئيس الوزراء العثماني “الصدر الأعظم” في قصرها، وكانت امرأة في الخمسين من عمرها، ولاحظت أن “أثاث البيت متواضع للغاية، فيما عدا مظهرها الشخصي وعدد جواريها، لا شيء يبدو باهظا، وقد خمَّنَت ما أفكر فيه، وقالت لي إنها لم تعُد في السن التي تجعلها تُنفق وقتها أو مالها على المظاهر، ذلك أن كل نفقاتها تروح على البر والإحسان، وكل ما يشغلها الصلاة والدعاء لله”[12]، ويبدو لنا أن هذه المرأة كانت زوجة الصدر الأعظم “خليل باشا الأرناؤوطي” الذي عُرف في المصادر العثمانية بالأخلاق العالية والتقوى والورع، ما يؤكد لنا صحة شهادة الليدي ماري.
وإذا ما أردنا أن نطّلع على النظام الصحي للعثمانيين، نجد أن ماري أكدت أن أكثر ما تمتع به الأتراك هو نظافة بيوتهم واتساعها، واهتمامهم بالروائح العطرية الجميلة، والحدائق المحيطة بهم، وكذلك الوصفات الطبية المتقدمة لديهم مقارنة بالبريطانيين. على سبيل المثال، قالت ماري إن العثمانيين استطاعوا كشف بعض التطعيمات التي أدت إلى مكافحة مرض الجُدري، وقد أخذت ماري تُطمئن أختها في إحدى رسائلها بالأوضاع الصحية في مدينة أدِرنة التي تقيم فيها (عام 1717م) فقالت لها: “تعرفين أن مرض الجُدري لا فرار منه، وهو منتشر جدا بيننا (في بريطانيا)، أما هنا فهو لا يؤذي بالمرة بسبب اختراعهم لنوع من التطعيم ضده يتعاطونه باعتباره دواءً”. وتوضح ماري أن هذا التطعيم السنوي للجدري يكون عادة في بداية كل خريف في شهر سبتمبر، وتعترف لأختها أنها “مقتنعة تماما بأمان هذه التجربة لأنني أنوي تجربة هذا المصل مع ابني العزيز. لدي من الإحساس الوطني ما يدفعني أن آخذ على عاتقي نشر هذا الاختراع المفيد في إنجلترا”[13].
هذا بعض ما رأته الليدي ماري وورتلي مونتاغيو، زوجة السفير الإنجليزي إدوارد وورتلي مونتاغيو الذي أرسله ملك إنجلترا إلى بلاط الدولة العثمانية حيث حطَّ في قصورهم في شهور عام 1717م. وقد رأينا أن شهادة ماري وملاحظاتها كانت على قدر كبير من الأهمية والدقة، ومع ذلك سنُكمل معها في مقالاتنا القادمة حديثها الماتع عن طبيعة الأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية التي قلما تناولتها مصادر التاريخ في بلاطات وقصور إسطنبول العثمانية في الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي.
_________________________________________________
المصادر:
- [1] رسائل من تركيا، مقدمة الدكتورة فاطمة موسى ص9، 10.
- [2] رسائل ص66.
- [3] رسائل من تركيا ص85.
- [4] رسائل من تركيا ص77.
- [5] رسائل من تركيا ص67.
- [6] السابق ص78.
- [7] رسائل ص78، 79.
- [8] رسائل ص74.
- [9] رسائل من تركيا ص83.
- [10] رسائل ص89.
- [11] رسائل ص112.
- [12] رسائل من تركيا ص116.
- [13] رسائل من تركيا ص106، 107.