مسلسل “1000 حمد الله على السلامة”.. معالجة متواضعة لـ”ثيمة” العائد إلى الوطن | فن
في منزل على الطراز الكندي بمدينة تورنتو، تستمع الدكتورة سميحة (الفنانة يسرا) مع نجليها سامح وسماح إلى وصية زوجها الراحل، يتلوها عليها محامي العائلة، لتفاجأ بأن ما ظنّته ميراثا من الديون تركه لها زوجها تحوّل إلى ثروة تقدّر بملايين الدولارات، تنتظرها عند عودتها إلى مصر لمقابلة “الجدة سوسو”.
وهكذا بعد 25 سنة من الغياب عن مصر، تقرر الدكتورة سميحة العودة مع ابنيها إلى بلادهم للبحث عن ميراث زوجها الراحل، وتلتقي بشقيق المحامي وزوجته ويبدؤون رحلة البحث عن الميراث المزعوم.
هذه هي الفكرة الأساسية لمسلسل “1000 حمد الله ع السلامة”، المشارك في دراما رمضان 2023، وهو من تأليف محمد ذو الفقار وإخراج عمرو صلاح وإنتاج شركة العدل غروب، ومن بطولة يسرا، وشيماء سيف، ومحمد ثروت، ومايان السيد، وآدم الشرقاوي، ومطرب المهرجانات مصطفى عنبة.
زمن قصير
لا يستغرق المسلسل وقتا طويلا أبدا للدخول في القصة الأساسية، فمنذ المشهد الأولى نفهم الحكاية، لكن كل شيء يتعقد منذ الساعات الأولى للوصول إلى القاهرة. تفقد الأسرة حقائبها، بما فيها من مال وجوازات سفر كندية، ويكتشفون أن شقتهم في وسط القاهرة تم بيعها دون علمهم، كما تبيت الأم والابن ليلتهما الأولى في قسم الشرطة بينما تقضي الابنة ليلتها على كورنيش النيل صحبة شاب مصري تقابله للمرة الأولى.
يحسب لـ”1000 حمد الله ع السلامة” أنه استطاع أن يقدم حلقاته الأولى في زمن لا يزيد على 24 ساعة منذ وصول الأسرة إلى القاهرة، حيث تتوالى المصاعب واحدة تلو الأخرى، لكن الإيقاع تباطأ أحيانا وأصبحت المشاهد عبارة عن اسكتشات طويلة وإيفهات غير مضحكة لملء الحلقات.
أداء مميز
أفضل ما في المسلسل هو التوظيف الجيد جدا للشخصيات، وهنا يوظف الممثل الشاب آدم الشرقاوي في الدور المناسب، كمصري يحمل جنسية أجنبية وعاش حياته بأكملها في الخارج، ويمكن للمشاهد بسهولة تقبل لكنته غير الأصيلة على عكس التساؤلات التي طرحت على ذهن المشاهد عن دوره في مسلسل “مجنونة بيك” العام الماضي.
ونرى مطرب المهرجانات مصطفى عنبة في أول دور له كممثل في شخصية الشاب المصري ابن الطبقة الشعبية الجدع، الذي يبيع المشروبات على كورنيش النيل ويركب الدراجة ويشقى ويتعب طوال اليوم، ويتدخل لمساعدة الفتاة الكندية المصرية.
لا نقد
وقد اعتاد متابعو الدراما الرمضانية على مسلسل للفنانة يسرا لأكثر من 20 عاما، فهي الوحيدة من جيلها التي تحافظ على الحضور دائما، محاولة أن تجدد دماءها بين الدراما الاجتماعية والكوميدية.
وتقدم يسرا هذه المرة ثيمة تقليدية عن المهاجر العائد لأرض الوطن، ليفاجأ بما تغيّر في بلده أو يواجه تحديات جديدة ويُعامَل كأجنبي. الثيمة الشهيرة التي رأيناها مرارا في أفلام مصرية، من أشهرها فيلم “عسل أسود”، و”الدنيا على جناح يمامة”، ومسلسل “إمبراطورية مين”.
في فيلم “عسل أسود” الذي طُرح في صالات العرض عام 2010، تتولد الكوميديا من طريقة تعامل المصريين السلبية مع الشاب المصري الأميركي الذي اسمه “مصري” (أحمد حلمي)، على غرار محاولات سائق التاكسي خداعه واستغلاله ماديا، أو كيف تختلف معاملته تماما بعد أن يفقد جواز سفره الأميركي ويصبح مواطنا مصريا عاديا بلا هوية أميركية، وما يواجهه من بيروقراطية المصالح الحكومية، وبعد كل هذه الانتقادات يركز الفيلم على الروح المصرية الجميلة وأن هناك دائما شيئا ما جميلا، و”فيها حاجة حلوة”.
وعلى النقيض هنا، يبتعد صناع المسلسل عن توجيه انتقادات مباشرة للمجتمع المصري، كما يتبعد عن فارق المعاملة التي يلقاها المواطن ذو الجنسية الأجنبية والمصرية، بما يتناسب مع جهة الإنتاج الرسمية والتوجهات السياسية، ويحاول المسلسل انتزاع الكوميديا من طريقة تفكير الأبطال القادمين من عالم آخر إلى مصر، سواء بطريقة تفكيرهم الساذجة القاصرة أو المواقف الكوميدية في بيت محمد ثروت وشيماء سيف.
مسلسل هزلي
لا يمكن أن نتعامل مع الأحداث بجدية، كل شيء يبدو هزليا ساخرا، بداية من قطعات المونتاج الركيكة التي يستخدمها المخرج للانتقال من مكان لآخر، ولا تنتهي باستخدام صناع المسلسل وسادة بسيطة كناية عن الرضيع “أوزو” ابن أكرم (محمد ثروت) وفوقية (شيماء سيف)، مع الاستعانة بصوت بكاء طفل، ليقنعنا أننا أمام طفل حقيقي.
فهل حقا يعجز صناع المسلسل -ونحن في عام 2023- عن الاستعانة برضيع حقيقي، أم أن الأمر مقصود لإقناع المشاهد أنه أمام مسلسل هزلي فعلا؟
شخصيات كاريكاتيرية
كذلك تبدو كل الشخصيات كاريكاتيرية بسيطة للغاية. الأم سميحة الحاصلة على شهادة الدكتوراه، لكنها تظن أن جميع من حولها يحاولون خداعها، وابنتها التي تريد أن تصبح مخرجة سينمائية شهيرة تتسلم جائزة مهرجان كان مثل “يوسف شاهين”، بينما كل ما تعرفه عن المجتمع المصري استوحته من الأفلام المصرية.
كذلك نرى شخصية ضابط الشرطة حسام (أحمد عبد الوهاب) المثالية أكثر من اللازم، الضابط الهادئ الذي يحترم المتهمين لأقصى درجة، ويسمح لهم بإجراء مكالماتهم من هاتفه المحمول، ويصطحبهم في سيارته إلى النيابة. لكن من يهتم لكل هذه التفاصيل؟! فنحن أمام مسلسل كوميدي هزلي، لا يمكن أن نأخذه أبدا على محمل الجد.
لا يحظى المسلسل الكوميدي “1000 حمد الله على السلامة” للمخرج عمرو صلاح بمعدلات مشاهدة جيدة أو تفاعل ملحوظ على مواقع التواصل، لكنه لا يزال يحتفظ للفنانة يسرا بالحضور الهادئ في موسم الدراما الرمضانية، الذي لا يبالي كثيرا بأن يثير جدلا أو يهتم بالمنافسة على الأفضل، فقط بتقديم عمل فني للجمهور قد يحقق أحيانا نجاحا كبيرا على غرار “فوق مستوى الشبهات”، أو قد يمر مرور الكرام.