حقيقة أم أسطورة؟.. قصة أغنوديس التي تنكرت بزي الرجال لتكون أول طبيبة في التاريخ | مرأة
يُنسب الفضل لسيدة تُدعى أغنوديس لكونها “أول قابلة” وممارسة للطب في العصور القديمة، ويتم تقدير مواجهتها لمجال سيطر عليه الرجال، إذ تحدت المجتمع آنذاك حتى وإن كلفها الأمر أن تتنكر في هيئة رجل لتحقيق حلمها.
أول طبيبة في التاريخ
ولدت أغنوديس لأسرة ثرية في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت أول امرأة تعمل طبيبة من أثينا. نبع سعيها لتصبح طبيبة بسبب العدد المتزايد من النساء اللواتي رأت أنهن كن يعانين من الآلام والتعقيدات أثناء الوضع، وكذلك بسبب الأعداد الكبيرة من الولادات المميتة التي كانت تودي بحياة المرأة أو جنينها.
في تلك الفترة وقبل ظهور طب أبقراط، كان يتم الإشراف على الولادة من قبل قريبات أو صديقات الأم الحامل، واللاتي كن جميعهن قد خضن تجربة الولادة، وبالتالي كن يستفدن من تجربتهن الخاصة أثناء تدريب نساء أخريات على العملية، فأصبحت النساء اللواتي لديهن موهبة خاصة لهذا المنصب يعرفن باسم مايا أو القابلات.
تم قبول هذه الممارسة على نطاق واسع لعدة سنوات آنذاك، ومع مرور الوقت ازدهرت، فبدأت القابلات في تجميع قدر كبير من المعرفة والموهبة، حيث تعلمن ما يكفي لإجراء عمليات الإجهاض، وتعليم النساء وسائل منع الحمل.
لكن عندما بدأ الرجال يدركون قدرات القابلات، بدؤوا يشعرون بالقلق بسبب الخوف على النسب والوراثة، لذا سعوا للسيطرة على المجال الطبي، وهو هدف أصبح بحلول نهاية القرن الخامس قبل الميلاد أكثر قابلية للتحقيق بمساعدة أبقراط الذي يعرف بـ”أبو الطب” ومرافقه التعليمية التي حصرت الاعتماد على الرجال الممارسين للطب فقط.
وفي تلك الفترة، كان من غير القانوني أن تصبح النساء طبيبات أو يقدمن العلاج، وهو ما دفع أغنوديس إلى التنكُّر في هيئة رجل لكي تتمكن من دراسة الطب على يد الطبيب اليوناني هيروفيلوس، ثم عادت لاحقا إلى أثينا لتطبيق ما تعلمته.
رغبة السيدات في الحصول على مساعدة نسائية
بعد عودتها، قابلت أغنوديس أول مريضة لها أثناء المخاض وعرضت المساعدة في عملية التوليد مثلما كان معتادا في ذلك الوقت، لكن المرأة -لأنها كانت تشعر بالإحراج والتعب الشديد- رفضت تلقي مساعدة من رجل يعمل كقابلة، وما لم تكن تعرفه أن هذا الرجل هو امرأة متنكرة.
وكشفت أغنوديس هويتها الحقيقية وأثبت للسيدة أنها امرأة قبل أن تحصل على موافقتها بالخضوع للعلاج.
منذ هذا الموقف بدأت أغنوديس في رعاية النساء بهذه الطريقة. لكن بالنسبة للأطباء الآخرين، بدؤوا يشعرون بالريبة أن النساء المقبلات على الولادة كن يطلبن المساعدة من هذا “الطبيب” بالتحديد.
لذلك فقد تناقشوا حول ما إذا كانت أغنوديس طبيبا فاسدا يقوم بإغراء السيدات بشكل ما وكان السبب في حملهن بصورة غير شرعية، وأرجعن هذا لطلب السيدات من أغنوديس توليدهن، وقد تداولوا تلك الاتهامات إلى أن قدموها أمام هيئة المحلفين لمحاكمتها على أفعالها المفترضة.
ولكي تثبت براءتها، يُعتقد بحسب معظم الروايات والمصادر التاريخية، أنها أثبتت للمحكمة هويتها أنها امرأة، وأن السيدات لم يطلبن مساعدتها إلا لشعورهن بالراحة أن تشرف قابلة وطبيبة امرأة على ولادتهن.
لكن الرجال الذين قدموها إلى المحكمة غضبوا لأنها انتهكت القانون الأثيني بممارستها الطب كامرأة، لذلك حُكم عليها بالإعدام.
ردا على ذلك القرار الصادم، اقتحم عدد من السيدات، بما في ذلك زوجات العديد من الرجال البارزين في أثينا، قاعة المحكمة لمنع هذا القرار. وهتفن “أنتم لستم أزواجا بل أعداء لأنكم تدينونها بسبب حرصها على صحتنا ورعايتنا”.
نتيجة لهذا الاحتجاج، تم إلغاء حكم الإعدام على أغنوديس، وتم تعديل القانون بسبب تلك الواقعة، بحيث بات من الممكن للمرأة دراسة الطب بحرية وممارسته بشكل قانوني في أثينا.
وعلى مدى القرون التالية، استخدمت النساء قصة الطبيبة أغنوديس للدفاع عن أنفسهن في مهنة الطب التي غالبا ما يهيمن عليها الذكور.
ولكن نظرا لعدم وجود روايات معاصرة عن هذه الطبيبة، يُعتقد أن القصة قد تكون أسطورة مختلقة تم ابتكارها لمساعدة الإغريق القدماء على تبرير الحاجة إلى طبيبات من النساء في وقت كان السائد فيه هيمنة الرجال على المجال.
كذلك ما قد يرجح الاعتقاد بأنها رواية أسطورية، أن اسم أغنوديس يعني في اللاتينية القديمة “العفة قبل العدالة”، في إشارة إلى كونها بريئة من تهمة إغواء مرضاها أو التورط في علاقات غير شرعية مع النساء.
وقد كان من الشائع أن يتم إعطاء الشخصيات في الأساطير اليونانية أسماء مرتبطة مباشرة بظروفهم وتفاصيل قصتهم والعبرة منها، وأغنوديس لم تكن استثناءً.
وهي القصة التي تم تناقلها منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا لكي تتمكن النساء المعاصرات من الفوز بنضالهن من أجل العمل في مختلف المجالات، خاصة الطب.