الجزائر.. جهود وآفاق واعدة لقطاع الصيرفة الإسلامية | اقتصاد
الجزائر– راهنت الحكومة الجزائرية منذ 2020 على تفعيل قطاع الصيرفة الإسلامية للمساهمة في احتواء السوق الموازية، وبحثا عن مصادر تمويل بنكية جديدة لتعزيز موارد الخزينة العمومية، على خلفية تراجع أسعار النفط حينها، إضافة إلى آثار الانكماش الاقتصادي لجائحة كورونا.
وفي غضون 30 شهرا، أظهرت النتائج حصيلة إيجابية فاقت التوقعات، وفق تصريحات المسؤولين، حيث بلغت قيمة ودائع الصيرفة الإسلامية بالبنوك والمؤسسات المالية العمومية والخاصة 500 مليار دينار جزائري، (3.7 مليارات دولار) منذ إطلاقها في أبريل/نيسان 2020 إلى نهاية أغسطس/آب 2022، وفق ما نقلته الإذاعة الجزائرية.
وكشف مؤخرا المدير العام للقرض والتنظيم المصرفي بالبنك المركزي، عبد الحميد بوالدنين، أن قيمة التمويلات خلال الفترة نفسها بلغت 400 مليار دينار جزائري (2.98 مليار دولار) لدى جميع البنوك والمؤسسات المالية الناشطة بالجزائر.
وتغطي هذه الحصيلة نشاط 6 بنوك عمومية وبنوك خاصة ومصارف متخصصة في الخدمات الإسلامية، عبر503 نوافذ إسلامية و64 وكالة مخصصة حصريا للمعاملات المالية الشرعية، بأكثر من 600 ألف حساب بنكي، حسب ذات المسؤول.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة المالية مؤخرا عن التحضير لإطلاق الإطار القانوني والتنظيمي المنظم لسوق الصكوك الإسلامية خلال 2023، بينما كشف بنك الجزائر عن تلقيه 20 طلبا جديدا من 11 بنكا (الرقم مرشح للارتفاع) للترخيص بعرض المنتجات المالية الإسلامية.
الاستحواذ على 16% من الحصة السوقية
وقال فوزي محيريق، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة محافظة وادي سوف، إن توجه الجهاز المصرفي بالجزائر نحو التوسع في فتح النوافذ للصيرفة الإسلامية على مستوى البنوك التقليدية العمومية، يمكن قراءته من ناحيتين.
وأكد في تصريح للجزيرة نت أن فتح النوافذ الإسلامية فرضتها ظروف اقتصادية متعلقة بعسر حركية الأموال في الجزائر، الناتج عن طبيعة النظام المصرفي، وتسرب الأموال خارج الجهاز البنكي للسوق الموازية، وما صاحب ذلك من مشاكل توفر السيولة.
واعتبر كذلك أن “فتح النافذة الإسلامية للصيرفة في بنك عمومي في ظل نظام مصرفي تقليدي ممركز، يعكس التوجه الجدي للسلطة النقدية لصالح الصيرفة الإسلامية”.
ومن جهته، قال أحمد شريفي، أستاذ الاقتصاد بجامعة “الجزائر 3″، إن المنتجات الإسلامية تمكنت من الاستحواذ على 16% من الحصة السوقية، والمتمثلة في المرابحة العقارية، والمرابحة للسيارات والمرابحة للتجهيزات والإيجار المنتهي بالتمليك، وهي معاملات توفرها مختلف البنوك الجزائرية العمومية منذ إطلاق خدمات الصيرفة الإسلامية في الجزائر.
وأكد في تصريح للجزيرة نت أن هذه المعاملات أثبتت مكانتها ونجاعتها في السوق المالية والنقدية الدولية والوطنية، من خلال تنوع منتجاتها في توفير صيغ تمويل ملائمة للأفراد والمؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، والتي تلعب دورا مهما في التنمية واستحداث مناصب الشغل والابتكار.
غير أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر لا تزال فتية، وتحتاج إلى تطوير بيئتها التشريعية على مستوى قانون القرض والنقد، فيما يتعلق بالاحتياطي الإلزامي المدر للفائدة، وإلزام شركات التأمين بدفع أقساط احتياطية بفائدة، وكذا القانون التجاري وقانون الضرائب، بحسب الخبير شريفي.
الامتصاص التدريجي للسوق الموازية
وبدوره، شدد فوزي محيريق على أن حجم المدخرات المالية المحققة في النوافذ والمصارف الإسلامية تراكميا خلال 3 سنوات، يعكس أثرها الإيجابي، من خلال الامتصاص التدريجي للأموال النقدية الموظفة في السوق الموازية.
وتشير تقديرات حجم الأموال خارج الجهاز المصرفي، إلى تداول 70 مليار دولار، مما يشكل 42.93% من حجم إجمالي الناتج المحلي لسنة 2021، بحسب الخبير محيريق.
ومع اعتماد فروع مصارف إسلامية متخصصة بوتيرة تصاعدية، يتوقع المتحدث نفسه تزايدا للمدخرات المالية من خارج الجهاز المصرفي إلى حسابات المنتجات المصرفية الإسلامية.
ويشير إلى قدرة النوافذ والمصارف الإسلامية على حسن توظيف المدخرات، وتحدي منافسة المنتجات البنكية التقليدية، لا سيما ما تعلق بهوامش الأرباح على تمويلات البيوع المختلفة، والإجارة التشغيلية والمنتهية بالتمليك.
وحتى يظهر الأثر الاقتصادي الإيجابي في المؤشرات والمتغيرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الجزائري الناتج عن فعالية وكفاءة منتجات الصيرفة الإسلامية، فإن الجهاز المصرفي الجزائري يحتاج إلى عصرنة أكثر وفق مفاهيم الشمول المالي، يضيف الخبير محيريق.
وأشار إلى ضرورة اعتماد جودة الخدمات الشاملة، وصولا إلى آليات للدفع الإلكتروني عبر الموزعات والمنصات الرقمية، وإلا ستكون منتجات الصيرفة الإسلامية قطعة غيار جديدة في جسم محرك متهالك، على حدّ وصفه.
استقطاب 20 مليار دولار
وشدد محيريق على أن المصارف الإسلامية يتعزز دورها ضمن بيئة مالية متجانسة للتمويل الإسلامي، يرافقها التأمين التكافلي (الإسلامي) للتوسع في منح التمويلات وإقبال الزبائن الذين يرفضون التعامل مع التأمين التجاري، وسوق مالي (بورصة) للصكوك الإسلامية، مع تفعيل الدور المؤسسي للأوقاف والزكاة.
وبهذا الصدد، ذكر بصدور مرسوم تنفيذي بتاريخ 23 فبراير/شباط 2021 يحدد شروط وكيفية ممارسة التأمين التكافلي بالجزائر، وفي ضوئه اعتمدت وزارة المالية شركتين عموميتين لأول مرة، بينما بلغ عدد شركات التأمين التقليدي بالجزائر 26 شركة تقليدية عامة وخاصة، يستحوذ فيها القطاع العمومي على 74%.
وبخصوص “بورصة الجزائر” فيرى أنها لا تؤدي دورها التمويلي غير المباشر للنشاط الاقتصادي، لأسباب تتعلق بالنظام المالي، لا سيما الجبائي والضريبي، وأخرى تتصل بحوكمة المؤسسات والشفافية في إعداد القوائم المالية، إلا أن اعتماد الصكوك وتوسعها يمكن أن يحرك عمليات الاكتتاب والتداول لصكوك المصارف المالية الإسلامية، بحسب الخبير ذاته.
وتجدر الإشارة إلى أن بنكين عموميين يحضران لفتح رأس مالهما للخواص عبر البورصة، مما يمكن من تمويل رأس مال النوافذ والفروع الإسلامية، عن طريق الصكوك الإسلامية، ويساهم في إدماج نسب معتبرة من الاقتصاد غير الرسمي في النظام المالي عبر سوق الأوراق المالية.
وتوقع محيريق على المدى المتوسط (في أقل من 6 سنوات) توجه السلطة النقدية إلى تأسيس بنوك عمومية للصيرفة الإسلامية متخصصة في التمويل والاستثمار، كما أن المصارف والنوافذ الإسلامية ستكون قادرة على استقطاب 20 مليار دولار، يمكن توظيفها تمويلا واستثمارا، بما يكون له الأثر في سوق السلع والخدمات والسوق النقدية والمالية بالجزائر، على حد تعبيره.
بنك التمويل التشاركي
ولتحقيق تطلعات الحكومة وتوقعات الخبراء المتفائلة، يقترح فارس مسدور، خبير الصيرفة الإسلامية، إنشاء “بنك التمويل التشاركي”، المبني على صيغ التمويل الإسلامي المتخصص، خاصة صيغ تمويل الاستثمار، على غرار المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك أو المضاربة المتناقصة، بالإضافة للإجارة الإسلامية التي تسمح بتمويل اقتناء التجهيزات والعقارات الصناعية والإدارية العامرة عبر الإيجار المنتهي بالتمليك.
ويرى الخبير مسدور الصكوك الإسلامية حلا فعالا للمشاريع الكبرى، مثل صكوك المشاركة طويلة الأجل والاستصناع والإجارة التشغيلية، وكلها تصلح لتمويلات مشاريع الطاقات المتجددة والمناطق الحرة والمطارات والطرق السريعة وغيرها.
يُضاف إلى ذلك، صيغ التمويل الفلاحي، خاصة أن الحكومة تتجه نحو دعم واسع لمشاريع القطاع، حيث يمكن اعتماد صيغة المزارعة التي تخص زراعات القمح والشعير والذرة، وكل ما ليس له أصل ثابت في الأرض.
ويقترح مسدور اعتماد صيغة المغارسة في تمويل غرس الأشجار المثمرة وتوسيع مساحاتها، في ظل توجه السلطات نحو دعم غرس أشجار الزيتون.
كما يمكن إقرار صيغ تمويل التجارة المحلية والدولية، من خلال صيغتي المرابحة والسلم، لتسهيل تموين الاقتصاد الوطني بحاجاته من المواد ذات الاستهلاكات الوسيطية، مثل قطع الغيار والمنتجات الأولية أو النهائية.
ولكي تنجح تلك الآليات، يشدد مسدور على تمكين الصيرفة الإسلامية بشكل عام في الجزائر من الامتيازات نفسها المقدمة لنظريتها الكلاسيكية، على غرار المعدلات المدعومة من الدولة، لتكون هوامش الربح أيضا مدعومة.