إضرابات ومظاهرات وغضب في الشوارع والميادين.. إلى أين تذهب أوروبا؟ | البرامج

قال الدكتور زياد ماجد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بباريس، إن ما تشهده عواصم ومدن أوروبية من غضب وتظاهرات يعكس تزايد شعور الأوروبيين بتراجع مسألة العدالة الاجتماعية في سلم أولويات حكوماتهم، لافتا في ذات الوقت إلى أن هذه التطورات (التظاهرات) تأتي كذلك كأثر لاتجاه الخريطة السياسية الأوروبية ناحية اليمين.
وأوضح -في حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر” (2023/3/28)- أن التطورات الأخيرة في الشارع الأوروبي تأتي في ظل ما يجري من تقليص للموازنات وتراجع عن المكتسبات الشعبية، التي خاضت نقابات مختلفة نضالات طويلة تاريخيا لانتزاعها، وما يشهده العالم -ومنه دول أوروبا- من أزمة اقتصادية.
وجاء ذلك على خلفية ما تشهده مدن فرنسية من موجة إضرابات ومظاهرات حاشدة، رفضا لقانون رفع سن التقاعد الذي تحاول الحكومة فرضه، وتزامن ذلك مع إضراب واسع في قطاع النقل العام والمطارات بألمانيا للمطالبة بتحسين الأجور، إلى جانب احتجاجات مطلبية في إسبانيا، وأخرى في بريطانيا والبرتغال.
وأشار إلى أنه إلى جانب الأسباب العامة، فإن لكل دولة خصوصية، ومن ذلك ما تشهده فرنسا بسبب قانون رفع سن التقاعد الذي تحاول الحكومة تمريره من دون موافقة البرلمان، لافتا إلى أن هذه القضايا تنفجر في الشارع وتتفاعل معها النقابات التي لديها حضور أساسي وقدرة على حشد المظاهرات.
ويرى أنه مما يميز هذه المظاهرات في جميع المدن الأوروبية هو المشاركة الواسعة والكثيفة لشباب المدارس والجامعات، وهو مؤشر على مزاج يرتبط بجيلهم وتطلعاتهم.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس أن ما يحدث الآن يأتي كأثر لتوجه الخريطة السياسية الأوروبية بشكل عام ناحية اليمين، وهو ما يظهر بشكل واضح من خلال اتساع الهواة بين الطبقات وتركز الثروة في يد أقلية، في حين لم يكن الوضع على هذا النحو قبل 10 أو 15 سنة في القارة الأوروبية.
وأقرّ ماجد أن آثار الحرب في أوكرانيا تضاعف من التحديات التي تواجهها الدول الأوروبية وتدفع نحو المزيد من التوترات، لكنه أشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يتحجج بذلك عادة، كانت خطته لرفع سن التقاعد قبل الحرب، وتراجع عنها في ولايته الأولى حرصا على فرصه الانتخابية، إلا أنه عاد للإصرار عليها، حيث إنه الآن غير معني بإعادة انتخابه.
وفي هذا السياق، لا يرى أستاذ العلوم السياسية أن الموازنات العسكرية لها دور في هذه التداعيات، فآثارها لن تظهر إلا بعد عدة أعوام، كما أن فرنسا على سبيل المثال لم تنفق الكثير لمساعدة أوكرانيا في الحرب.
وتوقع أن تشهد القارة الأوروبية المزيد من التحركات الاجتماعية، بسبب تشكل ثقافة سياسية جديدة، لم تعد الأحزاب التقليدية مصدرها الوحيد، وإنما تتشكل من خلال حركات اجتماعية مختلفة.
عوامل مختلفة
بدوره، يرى الدكتور حسني عبيدي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، أن غضب الشارع الأوروبي يأتي نتاجا للعديد من العوامل، ومنها تراكم أسباب اقتصادية على المستوى المحلي والدولي، ومن ذلك حجم مديونية عدد من تلك الدول، وانخفاض القدرة الشرائية، وآثار الخصخصة.
ولفت في هذا السياق إلى أن العمال يشعرون أن الوقت مناسب والظروف مواتية للمطالبة بشروط تحسين أوضاعهم المعيشية في ظل تلك الصعوبات الاقتصادية، وذلك على خلفية انخفاض البطالة في أوروبا بشكل عام.
ووافق عبيدي، ماجد، في أن العبء المالي للحرب في أوكرانيا، إضافة لآثار جائحة كورونا، لها أثر بدرجات متفاوتة على الاقتصاديات الأوروبية، وهو الأمر الذي لا ينفصل عن التداعيات الحاصلة في الشارع.
لكنه يرى أن من أسباب استمرار تدهور الأوضاع وعدم القدرة على معالجة تلك الأسباب وإدارة الأزمة بشكل فاعل: افتقاد أغلب دول أوروبا لقيادات سياسية مؤثرة لصالح كوادر ذات أداء إداري.
ويرى عبيدي أن تجاوب الحكومات مع الشارع سيكون مختلفا، فلدى ألمانيا هامش حركة أكبر بكثير مما تتمتع به فرنسا، حيث إن القرار فيها غير مركزي والحكومة فدرالية، ومن ثم يتوقع أن تتم الموافقة على قدر مقبول من مطالب الشارع، بينما يختلف الأمر في فرنسا، حيث يتعامل ماكرون باستعلاء مع مواطنيه.
ويرى أن فرنسا لن تتحمل بقاء الوضع على هذه الحال حتى الأسبوع المقبل، وفي حال استمرت المظاهرات فإن “شيئا ما سيحدث”.