عالقون بين السجن والحرية.. لماذا لا يُسمح للمفرج عنهم من سجون مصر باستخراج أوراق رسمية؟ | حريات
القاهرة- أسابيع من النقاهة مرت على يحيى عقب خروجه من السجن لم يكن يدرك فيها ما سيواجهه عما قريب، مما يجعله سجينا من نوع آخر.
فما إن شعر بأنه قادر على التنقل ومواجهة المجتمع بعد 3 سنوات من السجن احتياطيا على ذمة قضية سياسية حتى وجد أمامه كومة من المهام المطلوب لها استخراج أوراق رسمية تعتمد كلها على بطاقة إثبات شخصية التي تحتاج بدورها إلى تجديد إثر انتهاء صلاحيتها.
أمام موظف السجل المدني فوجئ يحيى -وهو اسم مستعار لمعتقل سياسي سابق-بأن هناك حظرا على التعامل معه، سأله الموظف -الذي بدا أنه معتاد على استقبال أمثال يحيى- عما إذا كان اسمه مدرجا في قوائم التحفظ على الأموال، فربما كان هذا هو السبب؟ نفى يحيى بثقة، فنصحه الموظف بالذهاب إلى الجهة التي ترسل الحظر على الأسماء للجهات الرسمية، وهي جهاز الأمن الوطني.
هي المهمة الأثقل على يحيى، والتي ستستدعي لوجدانه أقسى ذكريات الفترة التي سبقت وتلت سجنه، وهي فترة احتجازه في مقر الأمن الوطني، لكنه مضطر للذهاب، ورغم أن الرد من ضابط الأمن الوطني جاء لطيفا مع أنه كان سلبيا بأنهم “لا دخل لهم في حظره” فإنه مضى سعيدا أنه خرج على قدميه حرا سليما.
اتجه يحيى إلى محام معروف بالدفاع عن المتهمين في قضايا سياسية، وفوجئ بأن هناك عشرات الحالات المماثلة لحالته التي عجز المحامون عن حلها، لأن أيديهم “مغلولة” عن التحرك لمقاضاة الجهات الممتنعة عن تجديد بطاقة هويته، ذلك لأن تحركهم لا بد أن يكون بتوكيل من المدعي، والتوكيل يتطلب إثبات شخصية سارية المفعول.
الحل المقلق
سقط يحيى في دائرة مفرغة فاستسلم، وهو “خائف من العودة للسجن” كما اعترف في حديثه للجزيرة نت، إذ لم يكن بالشجاعة التي تحلت بها المحامية والناشطة ماهينور المصري التي تعترف في حديثها للجزيرة نت بأنها “محظوظة” بنجاحها في استعادة جواز سفرها بعد سحبه مرتين.
وهناك آخرون تتشابه حكاياتهم مع قصة ماهينور حد التطابق، مثل حكاية الناشط باتريك زكي الذي فوجئ منتصف العام الماضي بمنع تسليمه جواز سفره بسبب وضعه على ذمة قضية جديدة، فيما تتباين تفاصيل حكايات آخرين، منهم أستاذ الجامعة محمد محيي الدين عثمان.
عانى عثمان عقب خروجه من السجن في سبيل استخراج بطاقة الرقم القومي، فقد ظل 3 أشهر عقب الإفراج عنه يحاول مع جهة عمله بجامعة بني سويف (جنوب) ختم الأوراق اللازمة، لكن دون جدوى، حتى وافقت في النهاية، وفق تقارير حقوقية.
سيناريو مشابه لذلك جرى في المرة الأولى لسحب جواز سفر ماهينور حين تمكنت من استعادته بعد بلاغ رسمي، لكن المرة الثانية كانت الأصعب، إذ قال لها مسؤول الجوازات “إن حظر تسليمها الجواز معلق بقضية باسمها”، حيث استعلمت الحقوقية المعروفة عبر السجلات الرسمية لتكتشف أن هناك بالفعل قضية تخص فتاة أخرى بنفس اسمها، فنقلت التفاصيل إلى إدارة الجوازات وطلبت ما يفيد خلو سجلها الجنائي.
وتؤكد ماهينور المصري أن خبرتها بالمسألة تقول إنها لا تتعلق بوجود تشابه في الأسماء في بعض القضايا أو حتى قضايا حقيقية، بل بـ”التعنت الأمني”، وغالبا ما تكون الجهات المتصدرة في الواجهة بالمنع “لا تملك من الأمر شيئا”، فـ”القرار الحقيقي” بيد الأجهزة الأمنية.
النشر على فيسبوك والتهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد مصلحة الجوازات كانا “مغامرة بفقدان الحرية” بدلا من استعادة جواز السفر، وقد كسبت فيها ماهينور الرهان وتسلمت جواز السفر.
وتشدد الناشطة الحقوقية على أن الحل الوحيد هو اللجوء إلى القضاء كما كانت ستفعل بإقامة دعوى في مجلس الدولة بشأن امتناع الجهة الإدارية عن إصدار أوراق رسمية، لكن معظم السجناء المفرج عنهم يحجمون عن تلك الإجراءات “خشية العودة للسجن”، خصوصا أن معظمهم يكونون قد جرى إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى.
هذا الإجراء الذي تنصح به المصري لا يعيقه الخوف فحسب، بل يعرقله كذلك انعدام وجود أوراق رسمية تقتضيها إقامة الدعوى، كما يشير المحامي والحقوقي أحمد حلمي.
وأوضح حلمي في حديثه للجزيرة نت أن الشروع في الإجراء يستدعي وجود أوراق ثبوتية ربما تكون هي المطلوب استخراجها، حيث يُتحفظ على أوراق المفرج عنه كافة بالسجن، ثم يُضرب على اسمه حظر تعامل في الجهات الحكومية، ليجد نفسه دون أوراق يعجز في الوقت ذاته عن استخراجها.
ويذكر أن مثل تلك المعاناة كانت تقتصر في البداية على المشمولين بقرارات التحفظ على الأموال من قبل لجنة مختصة بهذا الشأن، ثم توسع الحظر لاحقا ليشمل المفرج عنهم.
ويصف حلمي مشكلة العجز عن استخراج أوراق رسمية بأنها “أم الأزمات” بالنسبة للمفرج عنهم، سواء من صدرت بحقهم قرارات تحفظ على الأموال أم لا، كما توسع الأمر من التحفظ على الأموال إلى حظر التعامل عموما مع الجهات والمصالح الحكومية، ثم أخذ يشمل كل المفرج عنهم ليجمد حياتهم ويعجزهم عن قيد أبنائهم، وتجديد رخصة السيارة مثلا.
ورأى المتحدث أن الحل الوحيد للخروج من تلك الدائرة “الجهنمية” المغلقة هو أن يذهب صاحب المشكلة مع المحامي الخاص به إلى المحكمة، وهناك يطرح أمام القاضي مشكلته، محاولا إثبات أنه هو نفسه الشخص المعني بها، و”الأمر متروك لتقدير القاضي وقناعته”.
تعليقات رسمية
بدورها، قالت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب للجزيرة نت تعليقا على تلك الحالات إن دور المجلس يقتصر على تلقي الشكاوى حالة بحالة، ويتدخل نيابة عن المحبوسين للإفراج عنهم مقدما المبررات وإرسالها إلى الجهات المعنية، لافتة إلى وجود دور آخر مهم في هذا الصدد للجنة العفو الرئاسي التي تدرس الحالات وتتخذ إجراءات الإفراج وما يليه.
أما اللجنة فهي في حالة “موات سريري” بتعبير عضو اللجنة كمال أبو عيطة، مضيفا في حديثه المقتضب للجزيرة نت “حينما تصحو ربما يكون هناك معنى للكلام”.
بريق أمل انبثق من تلك العتمة حينما أرسل النائب العام قائمة إلى مصلحة الأحوال المدنية تتضمن أكثر من ألف شخص لرفع أسمائهم من حظر التعامل مع الجهات الحكومية.
سارع العشرات إلى استخراج أوراقهم الثبوتية وتيقنوا من صحة الخبر، فتسلموا أوراقهم غير مصدقين أنهم أخيرا بات لديهم ما يثبتون به هوياتهم.
لكن هناك آخرين لا يزالون عالقين وليس أمامهم إلا الانتظار لورود قائمة أخرى من النائب العام أو اللجوء إلى القضاء لعل حظهم يكون مع قاض “متفهم” للظروف.