معضلة الكهرباء في غزة.. هل تشكل الطاقة المتجددة حلا؟ | آراء
لا تكاد تهدأ مشكلة نقص الكهرباء في قطاع غزة حتى تعود للواجهة من جديد، فالكهرباء تمثل حاجة ماسة لجميع القطاعات، وأي نقص فيها يسبب مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية. يحتاج القطاع حوالي 600 ميغاوات من الطاقة الكهربائية لتغطية احتياجاته الأساسية، بينما لا يكاد يصله 250 ميغاوات منها، مما يعني عجزا يعادل ثلثي الاحتياج تقريبا.
أغلب ما يتم توفيره للقطاع هو من مصادر خارجية وليست محلية، حيث توجد 10 خطوط كهرباء من جانب الاحتلال الإسرائيلي توفر 120 ميغاوات، كما تنتج محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع ما يصل إلى 60 ميغاوات، هذه المحطة تعمل عبر الوقود الوارد للقطاع عبر دولة مصر والممول عبر دولة قطر. بالإضافة لهذين المصدرين، انتشرت منظومات الطاقة الشمسية والتي غطت من 25 إلى 50 ميغاوات من احتياج القطاع، كما تغطي مشاريع المولدات الشخصية من 15 إلى 25 ميغاوات من الكهرباء، بحسب دراسات متعددة.
تعقيدات المشهد وتشابك المصالح
كما يظهر من المقدمة، فمشهد الطاقة الكهربائية معقد جدا في القطاع، فهناك سلطة الطاقة، وشبكة التوزيع، ومُلاك محطة الطاقة الرئيسية، ولوبي أصحاب المولدات الشخصية، وموردو الوقود، والشبكة الإسرائيلية، كما دخل على الخط حديثا شركات تركيب منظومات الطاقة الشمسية، والتي بدأت بالعمل ببيع الكهرباء بدل بيع المنظومات. وجود كل هذه الأطراف المختلفة جعل المشهد شديد التعقيد، ويتضمن في كثير من الأحيان تعارضا بين مصالح هذه الأطراف.
تبيع الشركة الإسرائيلية الكهرباء لغزة بـ0.108 دولار لكل كيلووات ساعة، أما متوسط تكلفة إنتاج الكهرباء من محطة غزة الرئيسية فهو 0.29-0.46 دولار لكل كيلووات ساعة، ومع هذا فسعر بيع الكهرباء للقطاع السكني في غزة 0.147 دولار لكل كيلووات ساعة، أي أقل بكثير من تكلفة إنتاج المحطة، وأكثر بقليل من سعر الكهرباء من الشركة الإسرائيلية.
كما أن نسبة تحصيل رسوم الكهرباء من المواطنين ليست مرتفعة نتيجة صعوبة الأوضاع المعيشية، والفقد في الشبكة مرتفع نتيجة لتهالكها، مما يعني إثقال كاهل شبكة توزيع الكهرباء التي تُدفع -ولو شكليا- للحصول على الكهرباء بالمتوسط أعلى من سعر بيعها للقطاع السكني، وتضيف عليها الكثير من مصاريف التشغيل والصيانة، مما يجعل آلية عملها غير مستدامة وتخضع دائما للارتهان لتقديرات عدم الجدوى الاقتصادية، ولإحسان المحسنين وتبرع المتبرعين.
وبالرغم من أن قطاع المولدات الشخصية ساهم في حل جزء من المشكلة، لكنه بالنسبة لسلطة الطاقة وشبكة توزيع الكهرباء طرف غير مرحب به، فهو غير رسمي ويتعدى على حقوقهم الحصرية في إنتاج وبيع الكهرباء في القطاع.
يضاف لهذا التشابك تشابك آخر، فعند دخول أنظمة الطاقة الشمسية إلى الحلبة -وخصوصا منتجات الطاقة منها- شكل هذا تهديدا لكل من أصحاب المولدات الشخصية ولشبكة التوزيع، فأصحاب المولدات ينظرون للطاقة الشمسية أنها تهديد ستأكل من حصتهم السوقية، حيث توفر الطاقة الشمسية سعرا منخفضا وطاقة نظيفة دون إزعاج أو تلوث، وأما شبكة التوزيع فترى أن مشاريع الطاقة الشمسية المفصولة عن الشبكة ستقلل استخدام الشبكة، وبالتالي عوائد شركة التوزيع، والمشاريع الموصولة على الشبكة ستتطلب تعاقدات بضمان البيع أولا، وهذه يصعب الالتزام بها خصوصا عند طلب أسعار بيع منافسة عالميا، وثانيا منظومات الطاقة الشمسية المربوطة على الشبكة تسبب أضرارا عالية على شبكة التوزيع قد تؤدي لخروجها عن الخدمة، وبالتالي أضرار أكثر من الفائدة المرجوة.
الطاقة الشمسية.. تشكل حلا أم تصنع مشكلة؟
كما أوضحت، فإن منظومات الطاقة الشمسية قد تسبب مشاكل للشبكة تؤدي لانقطاعها بشكل كامل، لأنها تخل بالتوازن المطلوب بين الطاقة المنتجة والطاقة المستهلكة، وهو ما قد يؤدي للمشكلة المعروفة علميا بـ”بلاك أوت” (Blackout). ولذلك تم تحديد سقف لنسبة محطات الطاقة الشمسية المسموح بها في أغلب الشبكات العالمية بـ30% من السعة الكلية للشبكة، حتى لا تؤدي لتفاقم مشكلة عدم استقرار الشبكة.
وبما أن أغلب المنشآت في القطاع تصلها الكهرباء لمدة 8 ساعات ثم تقطع عنها 8 ساعات أخرى، وحيث إن منظومات الطاقة الشمسية تحتاج لمصدر طاقة من الشبكة مستمر وثابت لاستخدامها كمرجع (Reference point)؛ كان لزاما على شبكة توزيع الكهرباء في غزة توفير خط كهرباء مستمر دون انقطاع لكل من يرغب بتركيب منظومة طاقة شمسية. وعليه أطلقت شبكة الكهرباء مشروع خط 24، وهو الذي توفر فيه كهرباء لمدة 24 ساعة للمنشأة، وفي المقابل ترفع سعر الكهرباء إلى 0.47 دولار لكل كيلووات ساعة.
حاليا تجاوزت منظومات الطاقة الشمسية في القطاع النسبة المسموح بها، وأصبح من غير المتاح إضافة منظومات جديدة إلا عبر وجود منظومات تخزين الطاقة (بطاريات)، حيث إنه مع وجود البطاريات المدمجة مع مشروع الطاقة الشمسية، يستقر إنتاج المنظومة ولا تسبب اضطرابا للشبكة، وبالتالي يمكن إضافة كميات أكبر من منظومات الطاقة الشمسية للشبكة.
محلية الحلول وعالمية الدعم
حاليا، بدأت سلطة الطاقة وشبكة توزيع الكهرباء في القطاع بقبول فقط العروض التي تتضمن منظومات تخزن ضمن مشاريع الطاقة الشمسية، لكن التحدي هنا أن أنظمة التخزين مكلفة وتزيد مبلغ رأس المال المستثمر دون تحقيق عوائد إضافية للمستثمر، كما أن بيئة قطاع غزة غير المستقرة واعتداءات الاحتلال المتكررة تجعل الاستثمار في هذا المجال عالي المخاطرة.
هنا تبرز أهمية الحلول المتكاملة والمستدامة، فمشاريع الطاقة تحتاج لقوانين وتشريعات، تمويلا واستثمارات، شبكة تستوعب الطاقة الناتجة، وتأمينا لوصول الأجهزة والمعدات للقطاع، وضمانا لاستمرار المشاريع ونجاحها.
ففي إطار التشريعات، يتوجب على سلطة الطاقة الالتزام بشراء الطاقة الناتجة محليا بما لا يقل عن متوسط تكلفة الكهرباء الواردة، والتي تأتي من مصدرين رئيسين: الشركة الإسرائيلية والمحطة الرئيسية، حيث يبلغ المتوسط 0.19 دولار لكل كيلووات ساعة. هذه التعريفة لو تم اعتمادها للشراء من المنتجين، فستجعل مشاريع الطاقة الشمسية مجدية حتى مع تركيب البطاريات المرتفعة التكلفة، وستحفز المستثمرين على الاستثمار فيها.
بعد تأمين جانب الجدوى الاقتصادية الذي سيجذب المستثمرين، يجب أن يتم العمل على زيادة خطوط 24 التي توفر كهرباء مستمرة للمنشآت، وهو أمر مرغوب فيه من كثير من أصحاب الأعمال والقادرين على دفع تكلفته، مما يعني تحقق هامش ربح بقيمة 0.28 دولار لكل كيلووات ساعة، وهو أكثر من كافٍ لتغطية كامل التكاليف التشغيلية، مع هامش ربح جيد لتمويل تطوير شبكة التوزيع وجعلها قابلة لاستقبال المزيد من المشاريع.
كما يجب العمل بالتوازي مع الشركات المحلية والعالمية التي توفر حاليا خدماتها التأمينية على المشاريع في القطاع، والتنسيق معها للعمل على التأمين على مشاريع الطاقة نتيجة جميع الأضرار، بما فيها الأضرار الناتجة عن الأعمال العسكرية. في ظل هذي الرؤية المستدامة للحل، يجب دخول كبار الممولين من بنوك وحكومات لدعم هذه المنظومة، إما عبر تمويل مشاريع محطات الإنتاج أو تطوير شبكة التوزيع أو تطوير أنظمة تحصيل رسوم الكهرباء من المستفيدين عبر العدادات الذكية.
ولدعم هذه الحلول المستدامة عمليا، يجب استبدال الدعم عبر دفع تكلفة الديزل، وتوجيه الدعم ليتحول تدريجيا للاستثمار في المنظومة أعلاه، عبر تنفيذ محطات ضمن صيغة العمل المستدامة، بما يساهم في حل مشكلة كهرباء قطاع غزة بشكل جذري خلال بضعة سنوات.