خيانة الجسد.. لماذا نشعر أننا تقدمنا في العمر فجأة؟ وهل يمكن فعل شيء حيال ذلك؟
مقدمة الترجمة:
في العالم المعاصر، لم تعد ممارسة الرياضة اختيارا ترفيهيا، بل ضرورة ملحّة، ليس فقط بسبب الكسل الذي أضيف إلى حياتنا فأصبحنا لا نبذل حتى أقل جهد ممكن، ولكن أيضا لأن الضغط العصبي الشديد القادم من العمل والمنزل وحتى وسائل التواصل الاجتماعي يدفع أجسامنا إلى الحافة تماما، وقد يتسبب في انهيارها يوما ما. “هايدي جودمان”، من جامعة هارفرد، تجمع لك نصائح بسيطة جدا، لا تأخذ الكثير من الوقت لتنفيذها، تساعد جسمك على استعادة صحته قدر الإمكان.
نص الترجمة:
مع عودة العديد من الأشخاص إلى أنشطتهم البدنية السابقة، استطعنا تجاوز بعض الآثار المباشرة التي أسفر عنها الوباء، ومع ذلك ما زال يجد البعض نفسه من الناحية الوظيفية أسوأ قليلا مما كان عليه قبل أن يغيِّر فيروس كوفيد-19 وجه العالم. تقول جانيس ماكغريل، أخصائية العلاج الطبيعي في مستشفى سبولدينغ لإعادة التأهيل التابع لجامعة هارفارد: “يشتكي بعض الناس حاليا من عدم قدرتهم على المشي بالمقدار الذي اعتادوا عليه سابقا، أو من خوفهم من أن تتعثر أقدامهم إذا خطوا على طرق متفاوتة أو غير مستوية، ويراودهم شعور بأنهم يبدون في اضطراب حركتهم كما لو أنهم تقدموا في العمر فجأة”، لذا يبقى السؤال الأهم هنا: هل هذه التغييرات التي تواصل سعيها متلمسة طريقها إليهم مجرد نتيجة للتقدم في العمر فعلا، أم أن شيئا ما حدث أثناء الوباء قلل من قدراتنا البدنية؟
إما أن تستعمله أو ستخسره
على مدار السنوات القليلة الماضية، تسبب ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 في إجبار العديد من الأشخاص على أخذ فترات استراحة من ممارسة الرياضة بانتظام، ويعود ذلك التوقف لعدة أسباب، منها إصابتهم بالعدوى، أو عدم تمكنهم من ممارسة التمارين في صالة الألعاب الرياضية في حين أنهم لم يعتادوا على ممارستها في المنزل ولا يعرفون حتى كيفية فعل ذلك، أو ربما داهمهم الحزن في ظل هذه الظروف فتخلوا عن أنشطتهم أو تعثروا بأذيال الفتور وانعدام الدافع.
لسوء الحظ، بمجرد توقفنا عن القيام بأي نشاط، تسوء وظائفنا الجسدية وتنخفض مستويات طاقتنا بسرعة، وتغدو العضلات أضعف وفي حاجة إلى استهلاك مزيد من الطاقة لأداء وظائفها، فضلا عن تدهور نظام توازن الجسم (الذي يؤدي دورا في التنسيق بين أعصابنا ومفاصلنا وحواسنا ودماغنا)، وفي الوقت ذاته يفقد الجهاز القلبي الوعائي (القلب والرئتين والأوعية الدموية) قدرته على توفير ما يكفي من الدم والأكسجين عندما يحتاج إليهما الجسم أثناء القيام بأي نشاط. ومن جانبها، تقول جانيس ماكغريل معلِّقة على ذلك: “في ظل ظروف كهذه، قد لا تفطن حتى إلى تدهور صحتك البدنية، وإن لم تبذل على الفور جهدا في سبيل استعادة قوتك أو ما فقده جسدك من وظائف فستخسر المزيد لا محال، وستنزلق إلى حلقة مفرغة من التدهور السريع”.
لكنك قد تتساءل إن كنت مصابا حقا بمرحلة فتور أو تدهور في صحتك البدنية في حين لم تلاحظ أيّا منها حتى الآن، ولهذا تقترح ماكغريل أن تُعيد النظر في بعض عاداتك، فثمة بعض المؤشرات التي تدل على أنك رازح تحت وطأة هذه الحالة، منها تقلص المدة التي كنت تُخصصها للمشي سابقا من 30 دقيقة إلى مجرد 15 دقيقة فقط، أو شعورك بعدم امتلاك طاقة كافية للتسوق، فتلجأ لطلب مستلزماتك ومشتريات البقالة عبر الإنترنت واستلامها من أمام باب منزلك، أو توقفك عن قضاء بعض الوقت مع صديقك في نزهة قصيرة على الأقدام كما السابق، وبدلا من ذلك أصبحت تقابله لتجلسا معا في أي مكان لاحتساء بعض القهوة، وأخيرا أن تجد نفسك دائم القلق من أن خطواتك لم تعد تعرف موطئها معرفة جيدة فتخشى التعثر والسقوط، وتغدو أشد حذرا مع كل خطوة تخطوها. وعن ذلك، تعلِّق ماكغريل قائلة: “مع الوقت، تبدأ في تغيير عاداتك وأنماط حياتك وأنشطتك لاعتقادك بأنه لم يعد بإمكانك القيام بها، أو أنك لا تجد من حواسك ميلا إليها”.
كيف السبيل لاستعادة حيويتك؟
إذا لاحظت أن لياقتك البدنية لم تعد كما كانت قبل بضعة أشهر أو عام، فلست وحدك بالمناسبة، فقد مرّ العديد من الأشخاص بتغييرات مماثلة. ولإيجاد حل، عليك أولا ألا تنأى بنفسك عن تقبل حقيقة أن الوقت حان لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وخير وسيلة لتحقيق ذلك هي أن تضع هدفا كبيرا كما تقول ماكغريل: “اسأل نفسك عما خسرته جرّاء تراجع وظائفك الجسدية، وما الذي تريد استعادته حقا، هل هي رغبتك في البقاء مستقلا عن هذه الظروف التي غشيتك، أم مواصلة سعيك للتحرر من هذا الخمول متلمسا طريقك إلى محل البقالة؟ هل هي رغبتك في اللعب مع أبنائك أو أحفادك كما السابق، أم أن غايتك هي أن تعيش التجارب بملء جوارحك فتأخذ نفسك في نزهة مشيا على الأقدام للاستمتاع بمنظر جميل؟ كَوِّن صورة دقيقة عما ترغب في فعله حقا ثم ضعها هدفا أمامك”.
الخطوة التالية هي تتبع نشاطك. بالاستعانة بهاتفك الذكي، ستكون قادرا على تتبع خطواتك كل يوم، أو يمكنك الاستعانة بأجهزة تعقب اللياقة البدنية (المصنوعة على هيئة ساعات رياضية)، إذ يمكن لهذه الأجهزة حساب دقائق مشيك وعدد خطواتك كل يوم. بعد ذلك عليك التحرك والبدء في اتخاذ إجراءات حقيقية، وعن هذا تقول ماكغريل: “ادفع نفسك بعيدا عن منطقة راحتك، حتى لو كان الأمر كله بسيطا يتمحور حول نهوضك من على الأريكة. اشترك في صف للتمارين الرياضية على الإنترنت، أو اذهب للتمرن في الخارج، وابدأ في تخصيص وقت للمشي يوميا، وفي حالة كنت نشطا بالفعل، خصص وقتا أطول للتمشية. وحاول أن تجعل من نشاطاتك عادات تحبها وتناسب حياتك ليسهل عليك الإبقاء عليها والالتزام بها فيما بعد”.
لكن في حالة كنت تعاني من أمراض القلب أو آلام في الركبة، عليك استشارة طبيبك قبل البدء في ممارسة الرياضة. بعد ذلك، راجع أخصائي للعلاج الطبيعي يمكنه تقييم نقاط القوة والضعف في جسدك وتخصيص برنامج تدريبي وفقا لظروفك الصحية. بعد الأهداف الكبيرة، تأتي الأهداف الأصغر، وعن ذلك تقول ماكغريل: “تماما مثل أي رياضي قبل بداية الموسم الجديد، ستحتاج إلى بناء مستوى نشاطك تدريجيا حتى لا تتعرض للإصابة، فمثلا إذا كنت تقطع ألف خطوة فقط في اليوم، فزِد عليها 500 أو 1000 خطوة أخرى، وإذا كنت تمارس نشاطا معينا لمدة 10 دقائق يوميا، فحاول أن تزيد المدة إلى 15 دقيقة. استمر في إضافة زيادات صغيرة كل أسبوع إلى نشاطاتك”. لا بد أن يتمحور هدفك النهائي حول أن تقطع نحو 7500 خطوة في اليوم، وتخصص 22 دقيقة على الأقل يوميا لممارسة نشاط بدني معتدل الشدة (على غرار المشي السريع).
أضف تمارين القوة إلى أهدافك
حسنا، الآن عليك أن تتذكر أنك في حاجة إلى امتلاك عضلات قوية حتى تكون قادرا على القيام حتى بأبسط الأنشطة اليومية الأساسية، مثل صعود السلالم، أو حمل المشتريات من البقالة، أو الوقوف أمام الموقد لإعداد العشاء، أو الصعود والنزول من السيارة. كما يتطلب الأمر عضلات أقوى لتتبع نمط حياة صحي ونشيط. تعليقا على ذلك، تقول ماكغريل: “بعد أسبوع أو نحو ذلك من زيادة مستويات نشاطك، عليك أن تبدأ في تحسين قوة عضلاتك. يمكنك تخصيص بعض الوقت لتدريب عضلاتك في مدة لا تزيد عن 5 أو 10 دقائق يوميا، أو لمدة 20 دقيقة كل يومين أو 3 أيام في الأسبوع”.
يمكنك خلال هذه التمارين استخدام الأوزان “الدمبلز”، أو حبال المقاومة (وهي واحدة من أفضل الأدوات الرياضية التي تعمل بصورة ممتازة على بناء العضلات، و تُستخدم حبال المقاومة بشد الحبال المطاطية بوضعيات معينة تتطلب جهدا أكبر، ما يُسهم في حرق الدهون وبناء العضلات)، أو يمكنك الاستعانة بآلات الوزن، أو ممارسة تمارين بسيطة (بدون أوزان وبدون آلات) مثل السكوات أو القرفصاء (وهي تمارين تستهدف عضلات الساقين، وتقوية هذه العضلات يساعد على حماية ركبتيك وتعزيز أدائك في العديد من الأنشطة الرياضية)، أو تمرين عضلة الذراع (أو ما تُعرَف بعضلة البايسبس “Biceps”)، أو ممارسة تمرين البلانك (Plank) (وهو تمرين من تمارين القوة يلعب دورا في تقوية عضلات البطن عن طريق الاستلقاء على بطنك ومن ثم رفع البطن عن الأرض والارتكاز على أصابع الرجلين وراحتي اليدين أو المرفقين مع الحفاظ على استقامة الجسم).
ممارسة هذه التمارين مع صديق لك قد يحفزك ويُبقيك على المسار الصحيح، فضلا عن أن هذا الأمر يغدو أكثر متعة مع وجود صحبة. والأهم من ذلك كله، عليك ألا تستسلم سريعا. تقول ماكغريل: “بمجرد زيادة نشاطك، ستلاحظ فرقا في مستويات طاقتك على الفور جراء الجهد الذي تكبدته من أجل ذلك، لكن الأمر قد يستغرق من 4 إلى 6 أسابيع قبل أن تلمس تغييرا حقيقيا في قوة عضلاتك. لذا، كل ما عليك فعله هو تذكير نفسك كل يوم بالسبب الذي يجعلك تعمل بجد وما الهدف من وراء ذلك”. ثمة بعض التمارين المفيدة والبسيطة للصدر، يمكنك من خلالها الاستعانة بأشرطة المقاومة التي سبق أن تحدثنا عنها. ضع رباط المقاومة حول ظهرك وتحت إبطيك، وأمسك كل طرف بإحدى يديك، ثم مد ذراعك اليمنى إلى الأمام بصورة مائلة ميلا طفيفا، ثم كرر العملية ذاتها بذراعك اليسرى، واستمر في تكرار هذا التمرين 10 مرات.
وأخيرا، هناك التمرين المعروف بـ”سحب السيف (Sword pull)”، من خلال إمساك طرفي شريط المقاومة، ثبت يدك اليسرى على فخذك اليسرى، ثم قرب يدك اليمنى منها، وارفع ذراعك اليمنى لأعلى ولأسفل، وكرر ذلك 10 مرات، ثم بدّل ذراعيك وقم بالتمرين 10 مرات أخرى. في نهاية المطاف، تؤدي الرياضة دورا مرشدا نحو طريقة في الحياة أحفل بالمغزى. ومهما يكن من أمر، فقد عرفت لحياتك هدفا على الأقل، ومن خلال هذه الإرشادات البسيطة يمكن أن يُنفض عنك غبار الخمول وتُبعث فيك الحياة واليقظة من جديد.
———————————————————————————–
هذا المقال مترجم عن Harvard Health ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: سمية زاهر.