في ظل الأزمات العالمية المتتالية.. هل يمكن لكل دول العالم إنتاج طعامها محليا؟ | علوم
الاكتفاء الذاتي المطلق لكل دول العالم هو أمر مستحيل حاليا، لكن الباحثين يستهدفون الوصول على الأقل لمرحلة وسطى، يمكن لكل البلدان خلالها استكشاف المسارات الممكنة للتحول نحو الاستقلالية من منظومة الغذاء العالمية.
توصّل فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة لايدن الهولندية إلى أنه من الممكن لكل دول العالم أن تصل في مرحلة ما إلى مستوى يتيح لها إنتاج غذائها محليا، وبالتالي لن تحتاج إلى خطوط الإمداد التي أصبحت حاليا مهددة بسبب تصاعد عدد من الأزمات العالمية.
وللتوصل إلى تلك النتائج التي نشرت في دورية “ون إيرث” (One Earth)، حصل الباحثون على بيانات إنتاج واستيراد الأغذية من 104 دول حول العالم، ثم حللوا تلك البيانات في ضوء مشكلات إنتاج الحبوب والحميات الغذائية وهدر الطعام.
وبحسب الدراسة، فإن نصف سكان العالم قادرون حاليا على تجنب استيراد الغذاء، بينما يمكن أن يصل النصف الآخر لتلك النقطة مع الاعتماد على تحسين غلة المحاصيل، وخفض هدر الطعام، وإجراء تغييرات في أنماط الاستهلاك.
عالم مهتز
تأتي هذه الدراسة في عدة سياقات مهمة، بدأت مع جائحة “كوفيد-19” عام 2020 ثم تطورت مع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 التي تسببت في إيقاف خطوط الإمداد الدولية، مع بلبلة شديدة في توصيل أغذية مثل الأرز، مما تسبب بدوره في أزمات واسعة.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك مشكلات جوهرية كانت تواجه عالمنا قبل الجائحة والحرب. فعلى الرغم من إنتاج الغذاء الهائل، يعاني 77% من سكان العالم من نقص في السعرات الحرارية، ويعاني مليارا شخص من نقص في المغذيات الدقيقة، بينما يعاني 2.2 مليار شخص من زيادة الوزن.
إلى جانب ذلك، فإن نقل الغذاء يكلف البيئة، حيث ينفث الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وفي سياق انخفاض غير مسبوق في التنوع البيولوجي العالمي، تشير الدراسة الجديدة إلى أن نظام الغذاء العالمي يوزع الغذاء بشكل غير كاف، بل ضار في كثير من الأحيان، ويفرض عبئا ثقيلا على البيئة.
حلول نيّرة
وتركز الدراسة الجديدة بشكل خاص على تطوير خطة عالمية لبناء نظم غذائية مستدامة. ففي الوقت الحالي، تساعد وجباتنا الغذائية على خلق كوكب مريض، حيث يؤدي تزايد استهلاك اللحوم الحمراء والأغذية الفائقة المعالجة بكثافة إلى تحويل الأراضي الخصبة لزراعة غذاء المواشي، مما يؤدي إلى الإضرار بالنظم البيئية وتقليل التنوع البيولوجي والمساهمة في تغير المناخ.
إلى جانب ذلك، يُفقد ثلث طعامنا أو يُهدر، مما يولد 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بتكلفة تقدر بحوالي تريليون دولار أميركي سنويا.
ولذلك تشدد الدراسة الجديدة على ضرورة التحول إلى نظم غذائية مستدامة، لا تساعد فقط في ضبط إنتاج الغذاء داخل الدول فلا تحتاج لاستيراد الطعام، بل في حماية صحة الناس والبيئة كذلك.
وفقا للجنة “إيت لانسيت” (EAT-Lancet) التي تشارك فيها دورية “لانسيت” المرموقة مع عدة هيئات منها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يجب أن تتكون حميات التغذية المستدامة بشكل كبير من الخضر والفواكه، إلى جانب الحبوب الكاملة ومصادر البروتين النباتي والزيوت النباتية غير المشبعة، مع كميات أقلّ من اللحوم أو الأسماك.
حالة وسط على الأقل
وبحسب الدراسة الجديدة، فإن هولندا مثلا هي واحدة من هذه البلدان التي لا يمكن بالمعايير الحالية أن تستغني عن استيراد الغذاء، كونها دولة صغيرة ذات مساحة محدودة. لكن لو تم تقليل استهلاك اللحوم ليوم واحد في الأسبوع فقط، مع التحكم بشكل أكبر في عملية هدر الطعام، فإن ذلك يمكن على الأقل أن يقرّبها حاليا من مستوى الاكتفاء الذاتي.
ويقترح الباحثون، بحسب بيان صحفي نشرته جامعة لايدن في 7 مارس/آذار الجاري، أن الاكتفاء الذاتي المطلق لكل دول العالم أمر مستحيل حاليا، لكنهم يستهدفون الوصول على الأقل لمرحلة وسطى، يجب على كل البلدان خلالها استكشاف المسارات الممكنة للتحول أكثر نحو الاستقلالية من منظومة الغذاء العالمية.