“شرينكينغ”.. أطباء نفسيون يعالجون المرضى والجمهور بالصدمة | فن
المسلسل لا يتعامل إلا مع طبقة اجتماعية معينة، فكل من يظهر فيه تقريبا من الطبقة الوسطى العليا الأقرب للثراء، شخصيات متعلمة ومثقفة تمتلك كل الامتيازات التي يمكن تخيلها في إطار ما يُطلق عليه الحلم الأميركي.
بعض الأعمال التلفزيونية أو السينمائية تمتلك النجاح قبل عرضها، أحيانا بسبب وجود ممثل محبوب بين أفراد طاقمها، أو بسبب اقتباسها من رواية شهيرة أو كونها تمثل عودة لمخرج ذي اسم كبير.
مسلسل “شرينكينغ” (Shrinking) على “آبل تي في بلس” (+Apple Tv) أحد هذه الأعمال، بين طاقمه أوزة ذهبية ستجذب المشاهدين متمثلة في النجم هاريسون فورد الذي لم يقدم أي مسلسلات تلفزيونية على الإطلاق حتى العام الماضي على مدار مسيرته الممتدة لعدة أجيال.
“شرينكينغ” مسلسل تلفزيوني كوميدي درامي أميركي ابتكره بريت غولدشتاين وبيل لورانس وجيسون سيغل، الذين اشتركوا سابقا في مسلسل آخر ناجح للغاية هو “تيد لاسو” (Ted Lasso). وبدأ عرض “شرينكينغ” في 27 يناير/كانون الثاني 2023.
الصدمة بالصدمة
تبدأ أحداث مسلسل “شرينكينغ” بالطبيب النفسي جيمي (جيسون سيغل) في حفلة عربدة صاخبة تزعج جارته ليز (كريستا ميللر)، فتستيقظ لتوبخه على سلوكه هذا في ظل وجود ابنته المراهقة في المنزل ذاته، المشهد التالي يعرّف المشاهد بأن هذه التصرفات الشائنة هي الآليات الدفاعية التي يستخدمها جيمي لتجاوز حزنه على وفاة زوجته بشكل مفاجئ منذ عام بالضبط.
وبالتدريج نتعرف على بناء المسلسل، لدينا مجموعة من العلاقات التي تدور كلها في فلك جيمي بشكل أساسي، الابنة المراهقة المجروحة بسبب إهمال الأب، والجارة التي تشغل وقتها برعاية اليتيمة، وزملاء العمل بول (هاريسون فورد)، الطبيب المصاب بأولى مراحل الشلل الرعاش، وغابي (جيسيكا وليامز) طبيبة ناجحة، وصديقة سابقة لزوجة جيمي المتوفاة.
يبدأ جيمي في تحسين حياته ومحاولة استعادة علاقته بابنته والتأثير بشكل مختلف في حياة مرضاه كذلك، فبدلا من النصائح المستترة للأطباء النفسيين التي توجه المرضى برفق؛ قرر علاجهم بالصدمة، صارحهم بما يجب أن يعرفوه بشكل مباشر، وهو النهج غير الاعتيادي الذي يستنكره زملاؤه، ولكنه يقود الجميع إلى رحلة من المصالحة مع الذات، لها عثراتها الخاصة ولكن قد تصل إلى النجاح.
ورغم تركيز المسلسل بشكل أساسي على مسيرة بطله للتعافي، فإن كل شخصية فرعية لها رحلتها الخاصة؛ غابي الخارجة للتو من علاقة زواج فاشلة، وبول يحاول استعادة علاقته بابنته التي فقد الاتصال بها بعد طلاقه من والدتها، والجارة ليز تعاني من أزمة وجودية بعد ذهاب أولادها للجامعة فلا تمتلك هدفا في الحياة، ومن بين مرضى جيمي المختلفين نجد في دائرة الضوء شون ذا الأصول الأفريقية والجندي العائد من أفغانستان الذي يعاني من كرب ما بعد الصدمة.
وفي ظل كل هذه الأزمات من السهل انجراف المسلسل إلى دائرة الميلودراما أو المأساة، ولكن رغم الحس الجدي الذي نجده في تناول المشاكل الاجتماعية والنفسية فإن روح الكوميديا تطغى من وقت لآخر، وتخرج على الأغلب من أداء الممثلين الذي يتميز بالتلقائية خاصة هاريسون فورد بشخصيته المرسومة ببراعة تتلاءم مع أسلوبه في التمثيل.
مسلسل شديد البياض والذكورية
في أحد مشاهد المسلسل تسخر غابي من زميليها في العمل جيمي وبول وتصفهما بـأنهما “اثنان من الرجال الأغنياء البيض” واصفة علاقتهما بأنها نادٍ مغلق في وجهها.
ما قالته البطلة حقيقي إلى حد كبير، لا ينطبق فقط على هذه العلاقة داخل العمل، ولكن على المسلسل بالكامل.
وقد حاول صناع المسلسل إرضاء الأجندات المختلفة، ووضعوا ضمن طاقمه اثنين من الممثلين من أصول أفريقية، وممثلة من أصول آسيوية، و3 شخصيات نسائية فرعية، ولكن الأهم من زرع شخصيات متنوعة من الناحية الجنسية والعرقية هو استخدام هذه الشخصيات والتوازن بين المساحات المفردة لها في الدراما، وهو ما لم يحدث هنا.
المسلسل بالفعل نادٍ مغلق للبيض والرجال الأغنياء، فالشخصيات الرئيسية التي تتحكم في الحبكة بشكل أساسي هما جيمي وبول، ورغم أن تحسين علاقة البنوة بين جيمي وابنته آليس من المفترض أن يكون محور الأحداث، إلا أن الدراما والكوميديا كل مرة يلتقيان عند نقطة علاقة جيمي وبول التي تجمع بين الصداقة مع غلاف من الأبوة.
المسلسل لا يتعامل إلا مع طبقة اجتماعية معينة، فكل من يظهر فيه تقريبا من الطبقة الوسطى العليا الأقرب للثراء، شخصيات متعلمة ومثقفة تمتلك كل الامتيازات التي يمكن تخيلها في إطار ما يُطلق عليه الحلم الأميركي، لدينا فقط شخصية المجند السابق “شون” الذي لا يبدو أنه يعاني بسبب بطالته، أو تم التركيز بأي شكل من الأشكال على معاناته كأحد أفراد المجتمع الأسود بالطبقة الأقل من الوسطى.
ولا تطالب الأعمال الدرامية بالتأكيد بإبراز كل الطبقات، ولكن خيارات صنّاع العمل هي التي تحدد وجهة النظر في تناول كل شخصية، فالمسلسل هنا اختار أن ينظر إلى شون كمجند، مع عدم الوضع في الحسبان طبقته أو لون بشرته، بالإضافة إلى المرور بشكل سريع على اشتراكه في حرب أفغانستان، الأمر الذي سبب اضطرابه النفسي.
وفي إحدى المشاهد يقول لطبيبه إنه يفزع لتذكره الجرائم التي قام بها خلال الحرب واعتداءه على المدنيين والنساء والأطفال فيجيبه الطبيب أن عليه مسامحة نفسه، بدون إبداء أي درجة من الوعي الاجتماعي بالمأساة التي سببها الجنود الأميركيين في أفغانستان والعراق، ما أظهر وجهة النظر شديدة الضيق التي يتسم بها صناع العمل.
وقد حصل مسلسل “شرينكينغ” على تقييمات مرتفعة نسبيا على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) بمعدل 84% من المشاهدين، و81% من النقاد، وهي تقييمات مستحقة، خاصة لو كان المشاهد يبحث عن مسلسل دافئ ومسلٍّ محكم الصنعة، ولكنه عمل لا يمكنه الصمود أمام النقد الاجتماعي أو الثقافي.