ولاية غوجارات الهندية.. تاريخ من التطهير العرقي ضد المسلمين | الموسوعة
غوجارات ولاية تاريخية تقع شمال غرب شبه القارة الهندية ومتاخمة لباكستان، تعد خامس أكبر ولاية هندية، عرفت بأنها أكثر الولايات تعصبا للهندوسية، لذا كانت على مدى عقود مسرحا لمذابح وتهجير واضطهاد ممنهج ضد من يدينون بالإسلام من سكانها.
في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 1969 وقعت في غوجارات أول أعمال الشغب الطائفية الكبرى ضد المسلمين منذ استقلال الهند، وأدت إلى مقتل أكثر من ألفي شخص وفقدان أكثر من 50 ألف شخص منازلهم وممتلكاتهم.
وألقت “لجنة ريدي” للعدالة -التي شكلتها الحكومة- مسؤولية العنف على المنظمات القومية الهندوسية، لكن المذنبين لم يعاقبوا، ولم تنفذ أي من التوصيات التي خرجت بها اللجنة للحد من تكرار العنف ضد المسلمين.
ومنذ ذلك التاريخ انخفض مستوى التسامح في غوجارات، واستمر القتل الجماعي بالارتفاع من خلال سلسلة موجات من العنف الديني التي شهدتها المنطقة.
وكانت أعمال الشغب الدينية التي وقعت عام 2002 وعرفت بـ”مذبحة غوجارات” أكثرها مأساوية، حيث قتل فيها أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين.
ولعبت “منظمة التطوع الوطنية” دورا مركزيا في تلك المذابح، وفيها بدأ الزعيم الهندوسي المتطرف ناريندرا مودي مسيرته، حيث كان حاكم ولاية غوجارات حينها.
وتشير إحصائيات الحكومة إلى أن أكثر من 98 ألف شخص -أغلبيتهم من المسلمين- يقيمون في ما يربو على 100 مخيم إغاثة في أنحاء الولاية.
وصنفت “لجنة خبراء دوليين مستقلة” المسلمين أكبر “أقلية مضطهدة” في الهند ذات الأغلبية الهندوسية التي تقدر بـ80%.
الموقع
غوجارات ولاية تقع في شمال غربي الهند مع حدود باكستان، ويطل جنوبها على بحر العرب، وتشترك في جزء صغير من حدودها الجنوبية الشرقية مع إقليم الاتحاد الهندي دادرا وناغار هافيلي.
عاصمتها هي غانديناغار التي سميت بذلك نسبة إلى المهاتما غاندي، وتقع في ضواحي شمال وسط مدينة أحمد آباد العاصمة السابقة وأكبر مدينة في الولاية وأحد أهم مراكز النسيج في الهند التي كانت لها صلات تجارية وثقافية في الماضي مع البلاد العربية.
تعد غوجارات خامس أكبر ولاية من حيث مساحتها التي تبلغ نحو 196 ألف كيلومتر مربع وتاسع أكبر ولاية من حيث عدد السكان البالغ نحو 60 مليون نسمة.
يعتنق 89.1% من سكان الولاية الهندوسية، ويمثل المسلمون نسبة 9.1%، والجيان 1.0%، والسيخ 0.1%، والمسيحية 0.01% من السكان.
التاريخ
تستمد ولاية غوجارات اسمها من “غجار-راترا”، وهي قبيلة فرعية من الهونا الذين حكموا المنطقة خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين.
كانت الولاية أحد المراكز الرئيسية في حضارة وادي السند القديمة (باكستان اليوم)، وما زالت تضم مواقع رئيسية منها، حيث اكتشف نحو 50 موقعا لمستوطنات قديمة.
ثم أصبحت غوجارات تحت الحكم الإسلامي لمدة 8 قرون ونصف القرن، وكانت مملكة منفصلة منذ العام 1401 ميلادي في عهد السلطان أحمد شاه الذي أسس مدينة أحمد آباد التي ظلت عاصمة للولاية حتى عام 1970 حين اعتمدت غانديناغار عاصمة بدلا منها.
وفي عام 1526 حكمها المغول، واستمرت سيطرتهم على المنطقة حتى منتصف القرن الـ18.
وفي عام 1818 صارت تحت السيطرة البريطانية، وبعد عام 1857 عُدّت مقاطعة تابعة للهند البريطانية حتى استقلالها في 15 أغسطس/آب 1947، وقد ضُمّ معظم ولاية غوجارات إلى ولاية بومباي.
اتخذت الولاية شكلها الحالي في الأول من مايو/أيار 1960 عندما قسمت ولاية بومباي على أساس اللغة إلى ولايتين هما ماهاراشترا وغوجارات.
وكان المسلمون قبل التقسيم يمثلون ربع إجمالي السكان الهنود حسب تعداد عام 1941 في الهند، ثم انخفض إلى 10%، ووصل عام 2022 إلى 13.4%.
أسوأ عنف طائفي
خلال الفترة بين عامي 1961 و1971 حصلت أعمال عنف طائفية في 16 مقاطعة بولاية غوجارات سجل منها 685 داخل المناطق الحضرية و114 في المناطق الريفية، وقع منها 578 حادثا في عام 1969 وحده.
وكان العنف الطائفي خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 1969 في غوجارات أكثر أعمال الشغب دموية بعد استقلال الهند عام 1947، حيث نفّذ متطرفون هندوس -معظمهم من خارج الولاية- هجمات على المسلمين في أحمد آباد، ثم امتدت إلى مدن أخرى من الولاية، منها فادودارا ومهسانا ونادياد وأناند وغوندال.
وأشارت تقديرات رسمية إلى أن 660 شخصا لقوا حتفهم وأصيب 1074 آخرون جراء الهجمات، وكانت المنطقة الأكثر تضررا مدينة أحمد آباد التي سجلت 512 قتيلا، أغلبيتهم مسلمون ينتمون إلى الطبقة العاملة.
كما دمرت ممتلكات بقيمة 42 مليون روبية، ضمنها ممتلكات للمسلمين بلغت قيمتها 32 مليون روبية، ودمر 37 مسجدا و50 ضريحا و6 مقابر خاصة بالمسلمين و3 معابد.
أبرز الوقائع
- في العاشر من مارس/آذار 1969 اندلعت احتجاجات إسلامية في أحمد آباد أصيب فيها عدد من رجال الشرطة بعد أن قام شرطي هندوسي بإهانة القرآن خلال مشاجرة مع سائق عربة مسلم.
- في 21 أغسطس/آب تظاهر مسلمون ضد حريق المسجد الأقصى في القدس.
- في الرابع من سبتمبر/أيلول زُعم أن شرطيا مسلما ركل الكتاب المقدس الهندوسي لـ”رامايانا” أثناء البحث عن خبير هندوسي خلال حفل ديني.
- في الخامس والسادس من سبتمبر/أيلول شُكلت لجنة “دارما راكشا ساميتي” للدفاع عن الدين الهندوسي.
- في 15 سبتمبر/أيلول نظمت نقابة الصحفيين موكب نصر للاحتفال بمعاقبة ضابط الشرطة المسلم.
- في 14 و16 سبتمبر/أيلول ألقى بالراج مادوك زعيم حزب “بهاراتيا جانا سانغ” سلسلة من الخطب التحريضية سميت محاضرات موداك، ورافق ذلك اعتداء على بعض الزعماء والدعاة المسلمين الذين كانوا يحاولون بناء مسجد في قرية أودهاف بالقرب من أحمد آباد.
- في 18 سبتمبر/أيلول قامت حشود هندوسية كبيرة بنهب وإضرام النار في ممتلكات المسلمين والأماكن الدينية، ورفضت الشرطة التدخل.
- في 19 سبتمبر/أيلول فرض حظر التجول لمدة 10 أيام، مما تسبب بخسائر مالية كبيرة.
- في ظهيرة 20 سبتمبر/أيلول أحرِق شاب مسلم حتى الموت لرفضه ترديد “جاي جاغاناث” (إله يعبد في الديانة الهندوسية الإقليمية باعتباره جزءا من ثالوث مع شقيقه بالابهادرا وأخته سوبهادرا).
- في 22 سبتمبر/أيلول أُجّلت انتخابات البلدية الفرعية.
- في 23 سبتمبر/أيلول أدى تخفيف الحظر إلى سقوط 30 قتيلا في غضون الساعات الثلاث الأولى.
- في 26 سبتمبر/أيلول تمت السيطرة على أعمال العنف.
- بين 18 و28 أكتوبر/تشرين الأول وقعت أحداث أكثر عنفا، وكان زعيم المؤتمر الوطني الهندي ورئيس الوزراء آنذاك حاضرين عندما وقعت أعمال الشغب.
لجان قضائية
قامت إدارة الشؤون الداخلية لولاية غوجارات بقيادة رئيس الوزراء آنذاك بتعيين لجنة تحقيق في الأحداث الدموية برئاسة القاضي جاغ موهان ريدي.
في عام 1971 أعلنت لجنة “ريدي” تورط المنظمات القومية الهندوسية والجمعية العمومية للهندوس بالهند وحزب “بهارتيا جانا سانغ”، وكانت الشعارات الانتقامية في الشوارع التي رددها الحزب قد وصفت أعمال العنف بأنها انتقام لعام 1946.
وذكرت اللجنة أنه في “فادودارا” حددت المحال التجارية الخاصة بالمسلمين ووضعت عليها علامات، ثم دمرت بشكل منظم، مما يدل على أن العنف كان مخططا له مسبقا في هذه المنطقة.
وشككت اللجنة في دور الشرطة خلال أعمال الشغب، فقد لاحظت أنها ظلت صامتة عندما تعرضت أماكن المسلمين الدينية للهجوم.
ولم تظهر الحكومات المتعاقبة على السلطة أي اهتمام بمعاقبة المذنبين أو حتى الشروع في التغييرات المنهجية الموصى بها للتحقق من تكرار أعمال العنف الممنهجة.
وفي عام 1986 عينت “لجنة ديف” التي قدمت توصيات لحل الأزمة، لكن حكومة الكونغرس “الأولى” برئاسة شيمانباي باتيل وجدت توصياتها غير ملائمة سياسيا، ولم تقبل النتائج التي توصلت إليها.
وحققت “لجنة كوتوال” أيضا في موجات العنف الطائفي في مدينة أحمد آباد، ومرة أخرى لم تنفذ نتائج التقرير التي خلصت إليها.
وفي عام 1992 أنشئت “لجنة تشوهان” بعد أعمال عنف وحشية في مدينة سورات غرب الولاية تعرضت خلالها النساء للاغتصاب الجماعي، وكانت اللجنة بحاجة إلى تمديد لمدة 15 يوما لوضع اللمسات الأخيرة على الوثيقة، لكن حكومة فاجيلا -التي يدعمها الكونغرس- حلتها، ونتيجة لذلك لم يعلن عن نتائجها ولا نفذّت توصياتها.
مذابح وتهجير واضطهاد
شكّل أول أعمال شغب طائفية كبرى عام 1969 نقطة تحول في العلاقات بين الهندوس والمسلمين في ولاية غوجارات، حيث انتقل كثير من المسلمين من الأحياء المختلطة في المدينة المسورة إلى المناطق التي تهيمن عليها الأقليات في الضواحي الصناعية والمناطق الواقعة على الأطراف الجنوبية لمدينة أحمد آباد.
كما أدت الأحداث إلى انخفاض مستوى التسامح والتعايش السلمي، وكان ذلك واضحا في أعمال الشغب التي حدثت بعد ذلك، ففي عام 1980 لقي 2500 شخص مصرعهم في مدينة مراد آباد، وقتل 59 شخصا عام 1986، وفي عام 1989 قتل أكثر من ألف شخص في مدينة بهاغالبور، بسبب عمليات استعراض القوة التي قام بها نشطاء من حركة “في إتش بي” الهندوسية تخويفا للأقليات المسلمة.
وبين عامي 1987 و1991 وقعت 106 حوادث عنف طائفي، وفي الفترة من عام 1950 إلى 1995 وقع 244 حادث عنف راح ضحيتها 1601 قتيل، منهم 1071 في مدينة أحمد آباد.
وفي أواخر فبراير/شباط 2002 وقع ثاني أكبر أعمال العنف الطائفي وعرف باسم “مذبحة غوجارات” بعد أسبوع من “مذبحة غودهرا” التي قتل فيها 59 حاجا هندوسيا في حريق قطار نُسب إلى مسلمين رغم أن أدلة المعمل الجنائي كانت تشير إلى أن الحريق نشأ في أسطوانة غاز أو موقد كيروسين على سبيل الخطأ.
رد الهندوس بقتل أكثر من ألف شخص، إما بإطلاق نار أو ضرب أو حرق، وأصبح 20 ألفا بلا مأوى في أحمد آباد وحدها، معظمهم من الهنود المسلمين، ولا يزال حوالي 25 ألفا منهم يقبعون في معسكرات الإغاثة، واعتبر كثيرون في عداد المفقودين.
وتشير التقديرات الرسمية إلى تدمير ممتلكات تبلغ قيمتها حوالي 60 مليون دولار تضم حوالي 20 ألف مسكن ومتجر وما يقارب 360 مكانا للعبادة.
وعلى الرغم من تصنيفها رسميا أعمال شغب طائفية فإن العديد من الباحثين وصفوا أحداث عام 2002 بـ”المذبحة المدبرة”، واعتبروها توافق “التعريف القانوني للإبادة الجماعية”، حيث شكلت نوعا من التطهير العرقي، حتى قيل إن حكومة الولاية وسلطات إنفاذ القانون كانتا متواطئتين في أعمال العنف.
وكان سانجيف بهات الضابط السابق في شرطة غوجارات قد تقدم بدعوى قضائية إلى المحكمة الدستورية عام 2011 اتهم فيها مودي حاكم ولاية غوجارات حينها بالتقاعس في محاسبة المتورطين، قبل أن يُبرّأ عام 2012.
واختارت الولاية -التي ما زال يحكمها الحزب القومي الهندوسي- الإعلان عن إطلاق مغتصبي “بانون” تزامنا مع احتفالات البلاد بالذكرى الـ75 لاستقلالها.
وتصاعدت وتيرة العنف ضد المسلمين منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى الحكم في 2014 بقيادة مودي.
وأعلنت جمعية حقوقية مسيحية في مارس/آذار 2016 أنها منذ تولي مودي السلطة سجلت 600 اعتداء على الأقل، منها 451 ضد مسلمين بتحريض من جماعات ضغط متطرفة، أهمها “منظمة التطوع الوطنية”.
وفي عام 2019 أفاد أحد مواقع التحقق من الوقائع -الذي يحصي “جرائم الكراهية” في الهند- بأن أكثر من 90% من الضحايا في السنوات العشر الماضية كانوا من المسلمين.