هل تتأثر مبيعات مصر بخطط إسرائيل لتسييل الغاز على سواحل البحر المتوسط؟ | اقتصاد
القاهرة – استبعد خبراء في مجال الطاقة أن يؤثر إنشاء إسرائيل محطة عائمة لتسييل الغاز المستخرج من حقل ليفياثان في البحر المتوسط على المصدرين الآخرين بالمنطقة -مثل مصر- في ظل تزايد الطلب العالمي.
ففي حين تضخ القاهرة الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله بمحطتي دمياط وإدكو، تخطط تل أبيب لتسييل الغاز وبيعه للأوروبيين مباشرة، أملا في الاستفادة من الطلب المتزايد بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وخصص مساهمو حقل غاز ليفياثان ما يبلغ 100 مليون دولار لإجراء توسعات تتضمن تدشين محطة غاز إسرائيلية عائمة لإنتاج الغاز المسال على ساحل البحر المتوسط؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كشفت شركة “نيوميد” (NewMed) الإسرائيلية -الشريكة في إدارة الحقل- عن خطط لبناء محطة عائمة لتسييل الغاز بعيدا عن المحطتين المصريتين، وضخه مباشرة إلى أوروبا.
وفي 21 فبراير/شباط الماضي، نقلت وكالة رويترز عن الرئيس التنفيذي للشركة الإسرائيلية يوسي آبو أن “كل الأطراف المحلية والعالمية تترقب تلك الخطوة، ونعمل باجتهاد لإنجازها”.
وفي تصريحات سابقة، قال آبو إن الشركة تستهدف إنتاج 21 مليار متر مكعب سنويا خلال هذا العقد.
وتشمل خطة التوسعات ضخ 45 مليون دولار مبدئيا، ثم إنفاق 51.5 مليون دولار لتدشين محطة الغاز المسال العائمة، ومن المتوقع أن تبلغ قدرة محطة الغاز المسال العائمة السنوية 4.6 ملايين طن، بحسب نيوميد.
خطة لتحجيم الجيران
يقول خبير الطاقة الدكتور محمد رؤوف حامد، للجزيرة نت، إن كافة الخطوات التي تتخذها إسرائيل تهدف في العموم إلى تعظيم مكانتها وإمكاناتها وتحجيم وربما تقزيم مكانة وإمكانات الجيران عموما، وليس بلدا بعينه.
حامد لم يتطرق لتفاصيل ما يمكن أن تتمخض عنه الخطط الإسرائيلية من تداعيات، لكنه يرى أن تل أبيب تتبع منهجا علميا لخدمة مصالحها وتأمين مستقبلها والتأثير على مصالح ومستقبل كل المحيطين بها.
في المقابل، يقول الخبير المصري الدكتور صلاح عرفة، للجزيرة نت، إن الخطط الإسرائيلية لن تؤثر على مبيعات الغاز المصري لأن تخلي تل أبيب عن التعاون مع الآخرين أمر صعب.
إلى جانب ذلك، يضيف عرفة، إسرائيل ليس لديها حاليا ما يكفي من الغاز للاستحواذ على المشترين الذين يحصلون على الغاز من مصر، لأن هؤلاء المشترين لا يبرمون عقودا إلا مع الموردين الذين يملكون كميات فعلية قابلة للتصدير، وليس كميات محتملة كون العقود غالبا ما تكون طويلة الأجل وليست مؤقتة.
استغلال الموارد
ويرى عرفة أن المخاوف المصرية ترتبط بما يتم إنجازه، لا بما يتم التخطيط له، مؤكدا أن الرهان مرتبط بقدرة كل بلد على استغلال موارده وترشيد استهلاكه وتقديم حوافز للأسواق المستهدفة.
ووفقا للخبير المصري، فإن الجانب الإسرائيلي يسير بطريقة صحيحة في هذه الأمور، في حين تتعامل بعض دول المنطقة بطريقة خاطئة؛ فلا هي تطوّر حقولها ولا تضع خططا مستقبلية للحفاظ على ما لديها من احتياطات والاستفادة منها، فضلا عن عدم الاستعانة برؤية جماعية للتعامل مع هذه التحديات، حسب قوله.
وخلص عرفة إلى أن هذه الأمور مرتبطة في النهاية بتفاهمات سياسية بين الدول والأطراف الفاعلة عالميا، ناهيك عما تحتاجه من تكلفة ووقت ورفض من جماعات حماية البيئة الإسرائيلية القوية.
وتضخ تل أبيب كميات قليلة من الغاز إلى الأردن، في حين تمثل مصر السوق الرئيسية لهذا الغاز الذي تستغله في توليد الكهرباء وتصدر غازها بأسعار أفضل.
ولا يبدو المخطط الإسرائيلي مقلقا للصادرات المصرية، إذ إن الطلب الأوروبي يبلغ 400 مليار متر مكعب سنويا، بينما الزيادة التي تريد إضافتها إسرائيل من خلال المشروع تدور في حدود 9 مليارات متر مكعب فقط، كما يقول سايمون هندرسون زميل بيكر ومدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
وفي تحليل نشره مؤخرا، قال هندرسون إن مشغلي حقل ليفياثان يحاولون تحسين شروط التعاقد مع مصر من خلال دفع رسوم لتسييل الغاز فقط ثم تصديره لأوروبا وليس بيعه لمصر، مشيرا إلى أن واشنطن سبق لها أن تخلت عن فكرة تسييل الغاز في إسرائيل لأسباب تتعلق بالتكلفة والتطبيق العملي.
ولم تعقب الحكومة المصرية على هذه الأنباء.
اتفاقات مصرية إسرائيلية
وكان التعامل المباشر بين مصر وإسرائيل بدأ في العام 2001 عندما اتفقت شركة البحر المتوسط للغاز -التي كانت مملوكة جزئيا لرجل الأعمال المصري الراحل حسين سالم- على بيع 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي بموجب عقد مدته 10 سنوات، بلغت قيمته 3 مليارات دولار.
وفي العام 2005، اتفقت شركة الغاز الحكومية المصرية على بيع 1.7 مليار متر مكعب من الغاز لتل أبيب سنويا ولمدة 20 عاما، بسعر يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، في حين كانت تكلفة إنتاج الكمية نفسها تبلغ 2.65 دولار، هذا إضافة لإعفاء ضريبي لأول 3 سنوات.
وأثارت الاتفاقية احتجاجات وحملات شعبية رافضة ووصلت إلى قاعات المحاكم، وجرى وقف العمل بها من جانب مصر في العام 2012.
وأُبرم الاتفاق بين شركة ديليك الإسرائيلية، المالكة لحقوق التنقيب في حقلي تمار وليفياثان في إسرائيل، وبين شركة “دولفينوس هولدينغ” في مصر في فبراير/شباط 2018، وهو الاتفاق المعمول به اليوم.
وفي العام 2020، عاد ضخ الغاز بين الجانبين مجددا لكن مع تغيير الاتجاهات، حيث بدأت تل أبيب تصدير الغاز لمصر بناء على اتفاق تم توقيعه عام 2018، ويقضي بشراء الجانب المصري 64 مليار متر مكعب سنويا من حقلي تمار وليفياثان، شرقي البحر المتوسط، لمدة 10 سنوات، وبما يبلغ 15 مليار دولار.
وكان الاتفاق جزءا من تفاهمات منها اتفاق مصر في يونيو/حزيران 2019 على نصف مليار دولار للجانب الإسرائيلي كتعويض عن وقف العمل باتفاق العام 2005، وذلك بعد أن حكمت محكمة دولية في العام 2015 بتغريم القاهرة 760 مليون دولار لصالح تل أبيب.
وكانت مصر أعلنت في العام 2018 الاكتفاء الذاتي من الغاز، وقالت إنها ستقوم بتسييل واردات الغاز الإسرائيلي وبيعه للدول الأوروبية والاستفادة من فارق السعر كجزء من خطة طويلة الأمد للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز المسال.
وفي مطلع العام 2021، اتفق الجانبان على ربط حقل ليفاثيان بوحدات الإسالة المصرية عن طريق خط أنابيب بحري بهدف تعظيم موارد الغاز الطبيعي واحتياطاته في المنطقة.
وفي العام الماضي، وقعت إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله في مصر، وقال السفير الأوروبي لدى القاهرة كريستيان برغر، على هامش قمة المناخ كوب 27، إن الاتفاق يضع الإطار للتعاقدات بين الشركات سواء خاصة أو حكومية.
والشهر الماضي، نقلت وكالة رويترز عن مصادر أن هذا الاتفاق يتطلب نحو 3 سنوات ليدخل حيز التنفيذ.