قرية حوارة الفلسطينية.. بلدة الثورات التي يسعى الاحتلال لمحوها | الموسوعة
بلدة “حوارة” الفلسطينية، واحدة من 56 قرية وبلدة تتبع مدينة نابلس، إحدى أكبر محافظات شمال الضفة الغربية. ويعني اسمها باللغة السريانية “البياض” أو “الأرض البيضاء”، وسُميَّت بذلك لبياض تربتها المعروفة باللهجة الفلسطينية بـ”الحُوَّر”.
تأزَّمت أوضاع البلدة يوم 26 فبراير/شباط 2023 أكثر من ذي قبل، لا سيما بعد تنفيذ مقاومين فلسطينيين عملية فدائية وقتل مستوطنين اثنين في وسط الشارع الرئيسي لبلدة “شارع حوارة” الواصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
عقب العملية، احتشد أكثر من مستوطن إسرائيلي قدموا من المستوطنات المحيطة بالبلدة والجاثمة على أراضيها، وخاصة من مستوطنتي “يتسهار” و”هار براخا”، ومع دخول ساعات المساء هاجموا البلدة وأحرقوا ممتلكاتها ومنازل مواطنيها ومركباتهم، في مشهد مكرر ذكّر الفلسطينيين بمآسي أيام النكبة عام 1948 وما ارتكبته العصابات الصهيونية آنذاك من مجازر بحقهم.
خرجت دعوات لمحو بلدة حوارة أطلقها غلاة المستوطنين المتطرفين، مثل وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش، وهو ما طالب به أيضا دافيدي بن تسيون نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، وأيده في ذلك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
الموقع والتقسيم الإداري
تقع حوارة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وتبعد عن مركز المدينة 9 كيلومترات، ويقسمها “شارع حوارة” (طريق “نابلس – القدس” كما عرف قديما) بين شرق وغرب.
تتبع البلدة إداريا لمحافظة نابلس، وحسب اتفاق أوسلو عام 1993 صنفت أراضي حوارة بين مناطق “ب” الخاضعة إداريا وأمنيا للسلطة الفلسطينية، والمنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.
وأُسس أول مجلس قروي في البلدة عام 1965، وتحولت لاحقا -بعد زيادة سكانها- إلى مجلس بلدي عام 1998، يتكون من “11” عضوا بمن فيهم الرئيس، وينتخبون عبر ما تُقره لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية.
الجغرافية والطقس
ترتفع حوارة 520 مترا عن سطح البحر، وتتأثر بطقس حار جاف صيفا ومعتدل ماطر شتاء، وتتوزع تضاريسها بين الجبل والسهل، ويعلوها شمالا جبل سلمان (الذي ينسب للصحابي سلمان الفارسي) وجنوبا جبال رأس زيد والصبَّات وتلة النَجَمي شرقا، وفيها وادٍ وحيد يعرف بواد “عينابوس”.
وتحيطها من الشرق قريتا أودلا وبيتا، ومن الغرب بلدة عينابوس وجماعين، ومن الشمال بورين، ومن الشرق عورتا.
المساحة
تقدر المساحة التي تشغلها البنايات في البلدة بحوالي ألف دونم (الدونم= ألف متر مربع) بينما تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 10 آلاف دونم، ويزرع سهلها بالحنطة والحبوب، ويعد ثاني أكبر سهل بعد “مرج بن عامر” شمال الضفة الغربية.
السكان
بلغ عدد سكان حوارة عام 2017 وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 6659 نسمة، وارتفع عام 2022 إلى حوالي 7 آلاف نسمة، إضافة إلى 9 آلاف يعيشون خارج الوطن، معظمهم في الأردن وأميركا.
ويتوزع سكانها بين 3 عائلات كبيرة: عودة والضميدي والخموس، ومنها تتفرع عوائل أخرى، وتقول عائلة عودة (التي تشكل ثلثي البلدة) إنهم حجازيون، وعائلة “الضميدات” يعود أصلها إلى “غور دامية” في الأردن، والعائلة الثالثة هي “خموس” وأصلها من بلدة “مخماس” شمال شرق القدس.
واشتهر سكان البلدة بهجرتهم إلى أميركا التماسا للرزق، وقد عاد بعضهم ومعهم زوجاتهم الأميركيات وأولادهم، وعام 1944 أسلمت 20 سيدة منهن، وعام 1966 كان في البلدة 13 مسيحيا، لكن إحصاءات عام 2022 لا تظهر وجود مسيحيين.
التاريخ
أصل بلدة حوارة -وفق ما يتداوله أهلها- يمتد لأكثر من 700 عام، وموطنها “خربة قوزة” القريبة، ويعد “بئر قوزة” مصدرا أساسيا لمياه البلدة.
خضعت البلدة كغيرها من المناطق الفلسطينية لحقب زمنية مختلفة قديما وحديثا، فقد خضعت للحكم العثماني حتى مطلع عشرينيات القرن الماضي، ومن ثم الانتداب البريطاني حتى عام 1948.
وأعقب ذلك فترة الحكم الأردني الممتد حتى عام 1967، وهو تاريخ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وخضعت حوارة بعدها للسيطرة الإسرائيلية، إلى أن آلت لحكم السلطة الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993.
ثورات
شاركت حوارة في النضال الفلسطيني ضد الغزاة خلال مختلف المراحل التاريخية، وفي العصر الحديث يذكر لأبنائها مشاركتهم في ثورة عام 1936 ضد الإنجليز، واستشهاد 3 منهم وهم محمود الحمور وماجد سعادة والسنوسي الحواري.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي للبلدة عام 1967 وحتى مطلع عام 2023، سُجلت أكثر من 800 حالة اعتقال بين أبنائها الذين تراوحت أحكامهم بين 18 يوما و16 عاما، بالإضافة إلى 25 شهيدا، بينهم 5 خلال انتفاضة الأقصى الثانية.
وشكَّل موقع حوارة على الشارع الرئيسي الذي يسلكه المستوطنون صيدا ثمينا لمقاوميها، وخاصة في الانتفاضة الأولى حين شنوا فرادى وجماعات هجمات ضد المستوطنين.
وفيها مقاومون شكلوا خلايا لمقاومة الاحتلال منهم نجم عوده، الذي ارتقى شهيدا مع 15 مقاوما آخرين في “ملحمة عين البيضاء” بالأغوار الفلسطينية الشمالية عام 1970، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامينهم بمقابر الأرقام.
الاحتلال وأدواته
يعتبر الاستيطان أكثر العوامل الطاردة والقاهرة لأهالي حوارة، فقد نهشت مستوطنة “يتسهار” 1500 دونم من شمال البلدة وآلاف الدونمات من القرى المجاورة، بالإضافة إلى مستوطنة “جفعات رونين” الاستيطانية التي تفرعت منذ سنوات عن المستوطنة الأم “هار براخا”.
وإلى جانب المستوطنتين استولى الاحتلال على المعسكر الأردني القديم “معسكر حوارة” الذي أقيم قبل عام 1967 على أراضي عورتا وحوارة، فحوَّله مقرا لجيشه، ومركزا للتوقيف والتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، مع مقرات للشرطة والمخابرات الإسرائيلية والارتباط العسكري، وأضاف مهبطا للطائرات العمودية، ثم تحوَّل جزء من المعسكر لإدارة مدنية من أجل “إدارة شؤون الفلسطينيين”.
وقرب المعسكر أقام الاحتلال حاجز حوارة العسكري عام 2000 ليشكل مع حاجز زعترة جنوبا على بعد 5 كيلومترات فكي كماشة لشارع حوارة بأكمله.
وصادر الاحتلال 1100 دونم من أراضي البلدة لمصلحة الشارع الاستيطاني الالتفافي الجديد، الذي بدأ بشقه بداية عام 2021 ليكون بديلا عن شارع حوارة الرئيسي، الذي حوَّله الاحتلال لثكنة عسكرية عبر إقامته 15 برجا عسكريا للمراقبة، وحواجز متحركة وثابتة بين طرفي شارع حوارة.
الاقتصاد
عرفت البلدة قديما بنشاطها الزراعي، خاصة الحبوب والزيتون، واعتمدت تجارة المواشي ومنها الأبقار والأغنام عام 1941 التي كانوا يجلبونها من إيران وسوريا والعراق.
ومن ثم اشتهر أهلها بتجارة الذهب، وإنشاء المحال التجارية على طول شارع “حوارة” الممتد على 3 كيلو مترات، وتزايد عدد المنشآت الاقتصادية حتى وصل مطلع عام 2022 إلى 400 منشأة، بين مطاعم ومخابز وملاحم ومواد بقالة ومعارض سيارات ومراكز لتصليحها، فضلا عن 7 مصانع، منها مصنع للطحينية والأعلاف.
معالم
بحكم موقعها الإستراتيجي المهم وبفعل التضييق الإسرائيلي على قرى جنوب نابلس عبر الحواجز العسكرية، افتتحت في البلدة مكاتب لوزارة التربية والتعليم والداخلية وأخرى للتنمية الاجتماعية بالإضافة إلى محكمة شرعية، وكلية ابن سينا للعلوم الصحية، ومركز أمومة وقسم للطوارئ إلى جانب عيادة حكومية.
في البلدة غرفة قديمة وبها محراب يقال إنه مقام لنبي اسمه “صاهين”، ومقام آخر ينسب لصحابي اسمه “عكاشة بن الصامت”.
ومن معالمها أيضا “باب بيت الخربة” التي تحوي بركة ومغارات مبنية ومحفورة بالصخر، وتعود للحقبة البيزنطية.
وهناك أيضا خربة عطارود، ويضاف لها خربة الطيرة وخربة مطر، وبها كذلك مقام الشيخ بشارة وخربة قوزة ومقام الصحابي سلمان الفارسي.
بُنيت أولى مدارس البلدة في العهد العثماني عام 1888، ومطلع عام 2023 تضم البلدة 5 مدارس، إحداها للتعليم المهني، وبها نحو ألفي طالب وطالبة، فضلا عن مراكز لرياض الأطفال.
وفي البلدة أيضا 5 مساجد، أقدمها مسجد “بيعة الرضوان”.