Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

السعي للمكانة الدولية بين حجم الاقتصاد وعمق الثقافة | آراء


لا شك أن حركة أغلب دول الخليج العربية اليوم تتسم بالكثير من الحيوية على المستويين الإقليمي والدولي، بل إن الناظر لهذه الحركة لا يمكن أن يغفل جانبها التنافسي، وهذه المنافسة بالطبع ليست ولا ينبغي لها أن تنقلب إلى منافسة أمنية صراعية.

إنما هي منافسة ذات أوجه، كأنها سباق اقتصادي تنموي يحفزه السعي للمكانة السياسية والاجتماعية في البيئة الدولية. ورغم أغلب دول الخليج العربية صغيرة الحجم ومحافظة نسبيا، وهذه قد تكون أصعب انطلاقة للتسابق نحو المنافع الاقتصادية والسياسية في المنظومة الليبرالية الدولية؛ فإن هذه الدول قطعت شوطا لا بأس به -خاصة في السنوات الأخيرة- نحو تأمين تلك المنافع، على الأقل على المدى القصير.

والسعي للمكانة في السياسة الدولية اليوم -خاصة في حالة دول الخليج العربية- يتطلب إدارة مستمرة لتوازنات مختلفة، من أهمها: الموازنة بين حجم الاقتصاد وعمق الثقافة، أي أن تحافظ على معدل نمو اقتصادي مرتفع ومستدام من دون تضحيات كبيرة على مستوى القنوات القيمية والفكرية التي يعبر من خلالها الحس الجماعي بالتميز الثقافي وما يخلقه من اطمئنان هوياتي لأفراده. والحاجة لإدارة هذا التوازن ليست جديدة ولا تخص دول الخليج العربية فقط، إلا أن هذه الحاجة تكون أكثر شدة للدول الصغيرة ذات الثقافة المحافظة نسبيًا، خاصة عندما تعدل من أهدافها؛ من مجرد البقاء إلى المكانة في البيئة الدولية.

وهم المكانة شيء وممارستها وملاحظة منافعها من احترام مصالح الدولة والثقة في مؤسساتها للقيام بأدوار سياسية مختلفة إقليميا ودوليا وتقدير ثقافة مجتمعها ومنظومته القيمية التي تمكن مؤسساته من القيام بتلك الأدوار، والإعجاب بالمساهمات المستمرة لهذا المجتمع في المجالات المختلفة وروحه المشاريعية التي لا تهدأ شيء آخر

لفترة ليست قصيرة حاولت أغلب دول الخليج العربية إدارة هذا التوازن -جزئيًا- من خلال الاستثمارات الخارجية في الاقتصادات، والأسواق، والشركات العالمية التي أمنت لهذه الدول النفاذ إلى مكاسب الاقتصاد العالمي، بل ودرجة من التأثير السياسي على المستوى الدولي، مع الحفاظ على مسافة بين ثقافة المجتمع والمتطلبات الثقافية للسعي لتلك المكاسب وذاك التأثير.

رغم استمرار أهمية هذه السياسات فإن متطلبات المكانة أصبحت أكثر تطلبا لحضور الدولة في الاقتصاد العالمي وعدم الاكتفاء بحصد منافع الاستثمار وانتظار جمع المحصول الاستثماري من أرض بعيدة، بل المشاركة في تجهيز الأرض وإقامة قنوات مائية والتخلص من آثار المحصول القديم ونثر البذور وريها ورعايتها، أي أن تكون مركزا اقتصاديا عالميا تتقاطع فيه وتجتمع رؤوس الأموال بأنواعها، بما في ذلك رأس المال البشري لتنشئ واحة من واحات الاقتصاد العالمي.. واحة صغيرة لكن ممتلئة بالمشاريع الكبيرة.

هذا بدوره يفرض تحديات أصعب لإدارة توازن حجم الاقتصاد/عمق الثقافة نحو السعي للمكانة السياسية، فتلك المشاريع الكبيرة وما تحتاجه من خدمات تمويلية وتكنولوجية وقانونية تتطلب رأس مال بشري ضخما لا تستطيعه دول ذات عدد سكان صغير، مما يعني أن هناك حاجة دائمة للاعتماد على رأس مال بشري متعولم، أي على هؤلاء الذين يتحركون عبر السوق بشكل دائم من مشروع إلى آخر، لا يهم أين، فالاقتصاد العالمي يمثل الوطن الكبير لهم، ينتقلون من أرض إلى أرض، ينثرون بذور المشاريع الكبرى ويقومون برعايتها، ولكن بعد التخلص من الروح المشاريعية القديمة أو الأصيلة. حتى إذا أينعت ثمار المشاريع الكبرى احتاجت إلى من يستهلكها، ولكن مرة أخرى السوق صغير وهناك حاجة لاستيراد مستهلكين لما تنتجه تلك المشاريع الكبرى.

لا مشكلة في أن يكون المجتمع واحة يلتقي فيها المنتجون والمستهلكون، وأن يحتضن المواهب وأصحاب المهارات، بل وحتى من لا يملكونها، المشكلة في الإصرار على أن يتم هذا اللقاء بخلفيات وسياقات لا تحترم الأرضية الثقافية للمجتمع. فالسوق العالمي ليس مجرد تجمع لرؤوس الأموال أو حتى أنه مجاز أو استعارة لبنية تفسيرية لفهم مجموعة من العمليات، بل بنية اقتصادية، إجرائية، واجتماعية، تتجسد -ضمن أشياء أخرى- في أسلوب حياة وقيم إجرائية تتفاعل مع المجتمعات: تنظيميا وشبكيا تارة، وفكريا ووجدانيا تارة أخرى.

والتوازن الذي أقصده في هذا المقال هو محاولة تجنب الانغماس في تلك البنية حتى يختفي المجال العام كما تعرفه مجتمعات هذه الدول ويتحول إلى بنية تحتية إجرائية وتكنولوجية للمشاريع الكبرى من جهة، والعمل على تجنب الجمود والانغلاق الثقافي والاجتماعي من جهة أخرى، وما قد يتسبب فيه من فوات لمكاسب اقتصادية وقيود غير ضرورية على السعي للمكانة السياسية.

منذ عقود، والمنظومة العالمية الليبرالية تميل بنا نحو تغليب كفة الاعتبارات الاقتصادية وما تفتحه من مسارات نحو السعي للمكانة السياسية التي تتخللها دعوات الانغلاق والجمود، وفي الحالتين الضحية هي حيوية المجتمع إما من خلال عزله عن مخزونه الفكري والوجداني أو عبر عزله عن فرص التعبير عن هذا المخزون وتجسيده.

وهم المكانة شيء وممارستها وملاحظة منافعها من احترام مصالح الدولة والثقة في مؤسساتها للقيام بأدوار سياسية مختلفة إقليميا ودوليا وتقدير ثقافة مجتمعها ومنظومته القيمية التي تمكن مؤسساته من القيام بتلك الأدوار؛ والإعجاب بالمساهمات المستمرة لهذا المجتمع في المجالات المختلفة وروحه المشاريعية التي لا تهدأ شيء آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى