قرصنة جديدة.. شركة إسرائيلية تستثمر مليارات الدولارات من أموال العمال الفلسطينيين | اقتصاد
غزة- رفضت السلطة الفلسطينية وهيئات عمالية، إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب ووصفتها بـ”السرقة والقرصنة”، تقوم بإرساء عطاء تشغيل واستثمار أموال خاصة بالعمال الفلسطينيين على شركة إسرائيلية خاصة تدعى “عمتيم”.
هذه الأموال التي تقدر بمليارات الدولارات كانت متراكمة لدى “دائرة المدفوعات” التي أسستها إسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1994، وتعود لصالح مئات آلاف العمال الذين عملوا في الداخل المحتل منذ عام 1970.
وندد وزير العمل في السلطة الفلسطينية نصري أبو جيش بالإجراءات الإسرائيلية، وقال للجزيرة نت “إسرائيل تشرعن سرقة أموال عمالنا، في مخالفة صارخة وواضحة لاتفاق باريس الاقتصادي”.
ويختص بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بتنظيم العلاقة الاقتصادية والمالية بين الجانبين، ودأبت السلطة على اتهام إسرائيل بتكرار خرقه، عبر استيلائها على أموال المقاصة (الضرائب)، وأخيرا أموال العمال.
قرصنة وسرقة
وتتذرع إسرائيل بأنه لا توجد مؤسسة فلسطينية مختصة بتحويل أموال العمال الفلسطينيين إليها، غير أن وزير العمل الفلسطيني يرد هذا الاتهام إليها، بالقول إن إسرائيل “شريكة في إحباط تأسيس مؤسسة ضمان وطني اجتماعي فلسطينية في عام 2018”.
وقال الوزير أبو جيش “تفاوضنا مع الجانب الإسرائيلي منذ سنين، لتأسيس مؤسسة الضمان، واستثمار أموال عمالنا، لكن إسرائيل كانت شريكة في إحباط الفكرة، واليوم تختبئ خلف ذرائع واهية لسرقة أموالنا”.
ولدحض هذه الذرائع، كشف أبو جيش عن تعديل 43 مادة كانت محل خلاف في القانون الخاص بالضمان الاجتماعي، وقال “قريبا ستكون لدينا مؤسسة خاصة، ومن حق عمالنا استثمار أموالهم داخل أراضينا وليس لدى الاحتلال”.
ولا يعرف على وجه الدقة حجم هذه الأموال المتراكمة لدى الاحتلال منذ 1970، إلا أن التقديرات الفلسطينية تشير إلى أنها تزيد على 16 مليار دولار، من شأنها أن تحدث انتعاشة في الاقتصاد الوطني.
وقال وزير العمل الفلسطيني “هذه حقوق فردية للعمال الفلسطينيين، وليس من حق إسرائيل التصرف بها والتفرد باستثمارها”، كاشفا عن توجه رسمي فلسطيني لملاحقة إسرائيل قضائيا لدى منظمة العمل الدولية وكل الهيئات الدولية ذات العلاقة، لوقف هذه السرقة والاستغلال لحقوق العامل الفلسطيني.
عنصرية وتمييز
وتقدر وزارة العمل الفلسطينية أن 1.5 مليون عامل فلسطيني خاضوا تجربة العمل في قطاعات مختلفة داخل إسرائيل منذ 1970، من بينهم 400 عامل فقط هم من يتلقون حاليا رواتب تقاعدية، بحسب ما ينص عليه قانون العمل الإسرائيلي.
هذا العدد القليل من العمال هم من لم يستجيبوا لإغراءات وتشجيع إسرائيل لهم بسحب مستحقاتهم المالية مبكرا، وقال أبو جيش إن 90% ممن يتلقون مساعدات إغاثية من السلطة الفلسطينية منذ 1994 هم بالأصل عمال سابقون عملوا داخل إسرائيل وسحبوا مستحقاتهم المالية مبكرا.
وأضاف أن إسرائيل لا تريد للعامل الفلسطيني أن يستفيد هو أو عائلته من راتب تقاعدي في حال وصوله إلى سن التقاعد (60 عاما)، أو وفاته، أو تعرضه لحوادث إصابات العمل.
وتقدر جمعية “عنوان العامل” ومقرها تل أبيب، وتختص بالدفاع عن العمال الفلسطينيين ودعم حقوقهم داخل إسرائيل، قيمة الأموال التي يشملها إجراء ترسية عطاء إدارتها واستثمارها على الشركة الإسرائيلية الخاصة بنحو 7 إلى 8 مليارات شيكل (نحو ملياري دولار).
وقال ممثل الجمعية في الضفة الغربية عرفات عمرو إن دائرة المدفوعات الإسرائيلية لم تدر هذه الأموال بطريقة صحيحة، منذ تأسيسها عقب اتفاق أوسلو، وقد حوّلتها من أموال لأغراض التقاعد إلى أموال توفيرات، وهناك فرق كبير بينهما، وفيه “عنصرية وتفرقة ضد العامل الفلسطيني، بحيث لا يستفيد من استثمار أمواله”.
ويضيف عمرو -في حديثه للجزيرة نت- أن أموال التوفيرات لا تحقق نموا، والتعامل مع أموال العمال الفلسطينيين بهذه الطريقة ينسجم مع القوانين التي أقرتها إسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وتميز ضد العمال الفلسطينيين بشكل عنصري مقارنة بالعمال الإسرائيليين.
وأحد أوجه التمييز ضد العمال الفلسطينيين -بحسب عمرو- تشجيع إسرائيل لهم لسحب أموالهم مبكرا وأولا بأول، كي تتهرب من التزاماتها القانونية بصرف رواتب تقاعدية لهم، مثلما تتهرب من الحقوق الأساسية المتعلقة بإصابات العمل، وإفلاس المشغل، والمرأة العاملة الحامل.
وقال عمرو إن إسرائيل غير مؤتمنة على إدارة واستثمار أموال العمال الفلسطينيين، ولا تتمتع بالشفافية المطلوبة، والأصل في ذلك أن يعرف العامل أين سيتم استثمار أمواله، وألا يتم استثمارها في مجالات غير آمنة وخطرة، كالاستيطان والأسلحة.
وتدير شركة “عمتيم” الإسرائيلية الخاصة أموال العمال في إسرائيل من مختلف الجنسيات باستثناء أموال العمال الفلسطينيين، التي كانت تديرها “دائرة المدفوعات” حتى حلها الشهر الماضي، ويقول عمرو “المصلحة الفلسطينية على النقيض تماما من مصلحة إسرائيل التي تعمل على عدم تحويل أموال العمال لصندوق فلسطيني يستثمرها فلسطينيا وتعود بالنفع على الاقتصاد الوطني الفلسطيني”.
مسؤولية فلسطينية
من جانبه، انتقد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة سامي العمصي، عدم وجود صندوق ضمان اجتماعي يتمتع بالشفافية في إدارة أموال وحقوق العمال بعد سنوات طويلة من تأسيس السلطة الفلسطينية.
وقال العمصي للجزيرة نت إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءا من المسؤولية عن “القرصنة الإسرائيلية لأموال عمالنا وقرار إدارتها واستثمارها من شركة إسرائيلية خاصة في مجالات مجهولة”، وتساءل “كيف ستدير هذه الشركة الأموال؟ وفي أي المجالات؟ وكيف يستفيد العامل من أمواله؟”.
وفي عام 2019، تراجع الرئيس محمود عباس عن قرار بقانون خاص بالضمان الاجتماعي صدر في عام 2016، إثر معارضة شعبية ونقابية واسعة.
ويعمل في إسرائيل نحو 220 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، تزيد مستحقاتهم الشهرية على مليار و350 مليون شيكل (نحو 280 مليون دولار)، فيما يعمل 17 ألف عامل من غزة تحت بند “احتياجات اقتصادية” الذي يحرمهم من حقوقهم ومستحقاتهم باستثناء ما يتلقونه من أجرة يومية.
وقال العمصي إن أموال العمال ومستحقاتهم المختلفة هي “حقوق فردية”، فيما دولة الاحتلال تمارس إجراءات من شأنها حرمانهم من الاستفادة من المنافع التقاعدية المستقبلية، سواء عبر تشجيعهم على سحب مدخراتهم مبكرًا وتحميلهم أعباء مالية وضرائب مجحفة، أو عبر الإجراء بترسية إدارتها واستثمارها على شركة خاصة وفي مجالات مجهولة.