لمواجهة “هضم الحقوق”.. ملء السجون وسيلة احتجاج جديدة في باكستان | سياسة
إسلام آباد- تستمر حملة “جيل برو تحريك” (حركة ملء السجون) التي ينظمها حزب “إنصاف” الباكستاني الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عمران خان، وبدأت الحملة الأربعاء الماضي في إقليمي البنجاب (شرق) وخيبر بختونخوا (شمال غرب).
وكان عمران خان أعلن في وقت سابق أن الحملة ستبدأ في المدن الرئيسية، وبدأت بالفعل في مدينة لاهور (عاصمة البنجاب)، وبيشاور (عاصمة خيبر بختونخوا) الأربعاء، ثم في روالبندي المحاذية للعاصمة إسلام آباد السبت الماضي.
ودخل عدد من قيادات الحزب في إقليم البنجاب السجن ضمن هذه الحملة، ومن أبرزهم وزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي، ووزير المالية والتخطيط السابق أسد عمر، وقيادات أخرى من الحزب على مستوى إقليم البنجاب، بالإضافة إلى عدد من أعضاء الحزب.
تحرك غريب
ويقضي هذا التحرك بأن تقوم قيادات وأعضاء من الحزب بتقييد وتسليم أنفسهم طواعية للشرطة لاعتقالهم من دون وجود أي دوافع لذلك.
وهذا ما قام به كل من شاه محمود قريشي وأسد عمر وعزام سواتي، إذ قيّدوا أنفسهم وركب بعض العاملين في الحزب على أظهر حافلات السجون وداخل سيارات الشرطة وسلّموا أنفسهم داخل مقرات الشرطة، وبسبب بعض الاحتكاكات تم اعتقالهم.
كما أن أحد الأسباب الأخرى التي تدعو الشرطة لاعتقال الأشخاص المشاركين في الحملة تتعلق بكسر حالة حظر التجمعات العامة التي قررتها الحكومة في بعض المدن الرئيسية.
واكتسبت الحملة بعض الزخم في لاهور وبعض مناطق البنجاب مثل روالبندي وجوجرانوالا، لكنها لم تبدُ ظاهرة في بيشاور عاصمة خيبر بختونخوا معقل حزب “إنصاف”، حيث لم يتم اعتقال أحد من قيادات الحزب أو أنصاره، وهو ما قلل من زخمها هناك.
الضغط على الحكومة
ودعا عمران خان لهذه الحملة كتحرّك مضاد لما يوصف باضطهاد الحكومة للمعارضة. وحسب ما قاله عمران خان في تغريدة، فإن الحملة “احتجاج غير عنيف يهدف إلى مواجهة هضم الحقوق الأساسية المكفولة دستوريا والانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه الحكومة الحالية”.
وكان الإعلان عن هذه الحملة جاء في أعقاب اعتقالات قامت بها الحكومة ضد عدد من قيادات حزب “إنصاف”.
وتأتي الحملة للضغط من أجل بدء التجهيز للانتخابات الإقليمية بكل من البنجاب وخيبر بختونخوا، حيث قال شاه محمود قريشي إنه “إذا بدأت العملية الانتخابية بناء على قرار الرئيس عارف علوي، فلن تكون هناك حاجة لحركة الاعتقال (حركة ملء السجون)”، وفقا لما ذكرته صحيفة “نيوز إنترناشونال” الباكستانية.
وحول أسباب إطلاق هذه الحملة، يقول الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا للجزيرة نت إن قائد الجيش الجديد صارم جدا وليس على علاقة جيدة مع عمران خان، وإنه في حال تنظيم “إنصاف” مسيرات طويلة سيكون الوضع أصعب والتصدي لها صارما، ولذلك لم يجد الحزب خيارا سوى هذه الطريقة (حملة ملء السجون).
ويقول الصحفي والمحلل السياسي ليق الرحمن في حديث للجزيرة نت إن حزب “إنصاف” يعتقد أنه بتنظيم هذه الحملة سيؤثر على الروتين اليومي للحياة المدنية ويخلق تحديات جديدة لحكومة إقليم البنجاب.
اعتقالات ومحاكمات “ساخرة”
في اليوم الأول من الحملة في مدينة لاهور، أصدر حزب “إنصاف” قائمة بـ48 شخصا بين قيادي وعامل في الحزب تم توقيفهم. في حين قالت شرطة لاهور إن عدد الموقوفين 80 شخصا.
وفي روالبندي أفادت الشرطة بأن أكثر من 150 شخصا اعتقلوا حتى وقت متأخر من ليلة الجمعة، كما أُعلن توقيف 70 شخصا في جوجرانوالا.
وفي تصريح لوزير الداخلية رانا ثناء الله، فإن أكثر من 100 شخص تم توقيفهم 30 يوما، وأنه سيتم احتجازهم بعيدا عن المدن الكبرى. وأضاف الوزير “سنملأ السجون البعيدة أولا، وبعد ذلك سجون لاهور وروالبندي”.
وقالت الشرطة إن أعضاء الحركة تم القبض عليهم بموجب المادة “3” من قانون الحفاظ على النظام العام في البنجاب.
ورغم “الاعتقالات الطوعية”، فإن التماسات قُدمت إلى محكمة لاهور العليا لإخراج بعض قيادات الحزب؛ مثل أسد عمر وشاه محمود قريشي وغيرهما.
كما أوردت صحيفة “إكسبرس تربيون” أن هذه الالتماسات قُدّمت “خشية نقل قادة وعمال الحزب المحتجزين إلى بعض الأماكن غير المعروفة من أجل تعذيبهم، ويتم توريطهم في قضايا كاذبة”.
وأفادت صحيفة “جيو نيوز” بأنه في إحدى جلسات المحكمة سادت حالة من الضحك والسخرية من ردود أحد المحامين على القاضي حينما سأله عن سبب اعتقال بعض قيادات الحزب، حيث رد المحامي بأن هذا الاعتقال “رمزي فقط”.
تحرك وسط احتقان سياسي
وتعليقا على حملة الحزب، قال وزير الداخلية رانا ثناء الله إن زعيم حزب “إنصاف” عمران خان قرر نشر الفوضى في جميع أنحاء البلاد عبر حركة “ملء السجون” التي تحوّلت إلى “حركة محرجة”. وأضاف أن خطة الحركة لتطويق إسلام آباد فشلت فشلا ذريعا.
ولا يعتقد الصحفي والمحلل السياسي ليق الرحمن أن هذه الحملة ستضيف شيئا على مسار الأزمة السياسية المحتدمة بين الائتلاف الحكومي من جهة وحزب “إنصاف” وحلفائه من جهة أخرى، وأن الحملة “فشلت في خلق أزمة حقيقية في باكستان”.
وهذا ما أكده جاويد رانا الذي قال إنه لا يتوقع أن يكون لها تأثير بارز على مسار الأزمة السياسية في البلاد، لأن الحكومة لن تقوم باعتقال أعداد كبيرة أكثر مما تريد. ويعتقد رانا أن تحركات حزب “إنصاف” ستقتصر على خلق إزعاج سياسي قبل عقد الانتخابات العامة والإقليمية متى تم عقدها.
وحول التفاعل الشعبي مع الحملة، يرى ليق الرحمن أن الإقبال على المشاركة في الحملة ضعيف، لأن الكثير من المناصرين أو حتى عمال الحزب لا يرغبون في دخول السجن.
بينما يرى جاويد رانا أن المشاركة والتفاعل في الحملة لم يكن كبيرا إلا أنه كاف. لكن النقطة الأساسية في أعداد المعتقلين أن الحكومة لا تريد أن تقوم باعتقال أعداد كبيرة من المشاركين، واقتصار ذلك على الشخصيات المهمة والعاملين المؤثرين في الحزب.