أول دليل يرجح أن تكون الثقوب السوداء فائقة الكتلة مصدر الطاقة المظلمة | علوم
من أبرز نتائج الدراسة افتراض أن الثقوب السوداء هي مصدر الطاقة المظلمة، التي تنتج عندما يتم ضغط المادة العادية في أثناء موت النجوم الكبيرة وانهيارها
الطاقة المظلمة من الألغاز الكونية المحيرة، وهي -حسب علم الكونيات- أحد الأشكال الافتراضية للطاقة التي تملأ الفضاء، فتدفع الفضاء الكوني نفسه للتوسع، ويتسبب ذلك في أن تندفع المجرات مبتعدة.
ومؤخرا، قام 17 باحثا من 9 دول، بقيادة جامعتي “هاواي” (University of Hawai’i) و”إمبريال كوليدج لندن” (Imperial College London)، بدراسة معدلات نمو الثقوب السوداء فائقة الكتلة (Supermassive black hole)، التي توجد في مراكز مجموعة محددة من المجرات القديمة خلال 9 مليارات سنة، بحثا عن دليل على أن الثقوب السوداء هي مصدر محتمل للطاقة المظلمة.
رصد نمو الثقوب السوداء
وحسب البيان الصحفي الصادر عن جامعة “إمبريال كوليدج لندن” يوم 15 فبراير/شباط الجاري، فقد أظهرت القياسات المأخوذة من تلك المجرات أن الثقوب السوداء تنمو أكثر من المتوقع، أضف لذلك أن معدل نموها يتوافق مع ما يسمى “الثابت الكوني”.
والثابت الكوني هو رقم أضافه ألبرت أينشتاين لمعادلاته كي يمنع الكون من التوسع، لأن الرجل لم يكن يصدق أن الكون يتمدد، وحينما أظهر الفلكي الأميركي إدوين هابل أن الفضاء الكوني يتوسع، تراجع أينشتاين عن رأيه قائلا إن الثابت الكوني كان “أكبر أخطائه”.
إلا أن الثابت الكوني عاد من جديد في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، ليجد لنفسه مكانًا في المعادلات التي تشير إلى وجود الطاقة المظلمة، التي بناها عالم الكونيات الروسي أليكساندر فريدمان، ليعبر عن شكل من أشكال الطاقة الذي يزداد كلما ازداد حجم الفضاء نفسه، وهو المفهوم الذي تحول في ما بعد إلى “الطاقة المظلمة”.
ومع هذا الكشف، تم وصف هذا الدليل الجديد على أنه السبب في أن الثقوب السوداء الفائقة يمكن أن تكون مصدرا للطاقة المظلمة، وذلك في ورقة علمية نُشرت في دورية “ذي أستروفيزيكال جورنال ليترز” (The Astrophysical Journal Letters).
يقول المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور ديف كليمنتس، من قسم الفيزياء في الجامعة إن العلماء قد توصلوا إلى نتيجة مفاجئة حقا، وإنهم بدؤوا في النظر في كيفية نمو الثقوب السوداء بمرور الوقت، وقد يكونون وجدوا الإجابة عن واحدة من أكبر المشكلات في علم الكونيات.
وقال المؤلف المشارك للدراسة الدكتور كريس بيرسون، من معهد أبحاث “إس تي إف سي رال سبيس” (STFC RAL Space) إنه إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فسيحدث ذلك ثورة في علم الكونيات بالكامل، لأن ذلك سيعني إيجاد حل لأصل الطاقة المظلمة التي كانت موجودة والتي حيرت علماء الكونيات والفيزيائيين النظريين لأكثر من 20 عاما.
الطاقة المظلمة والجاذبية
في التسعينيات من القرن الماضي، تم اكتشاف أن تمدد الكون يتسارع، وكان المفترض أن تؤدي الجاذبية بين جميع المجرات في الكون إلى إبطاء التمدد، لكن ذلك لم يحدث.
في تلك الأثناء افترض العلماء أن “الطاقة المظلمة” هي المسؤولة عن دفع المجرات بعيدا بقوة أكبر من الجاذبية، تتضمن نوعا من الطاقة المخيطة في النسيج الزمكاني نفسه، التي تسمى طاقة الفراغ.
وهنا تحديدا كانت الثقوب السوداء مشكلة، فمن الصعب معارضة جاذبيتها الشديدة، خاصة في مراكزها، حيث يبدو أن كل المادة تنهار لتصبح “متفردة” (singularity)، وتقع في مركز الثقب الأسود.
وحسب البيان الصحفي، تظهر النتيجة الجديدة أن الثقوب السوداء تكتسب كتلة بطريقة تتماشى مع ما تحتويه من طاقة في الفراغ، مما يوفر مصدرا للطاقة المظلمة ويحل مشكلة الثقوب السوداء.
كيف تم الوصول إلى الدليل؟
والثقوب السوداء كيانات كونية غاية في القوة، تتشكل عندما تنتهي حياة النجوم العملاقة عبر انفجار هائل يسمى “مستعر أعظم”، وعندما يتم العثور عليها في مراكز المجرات تسمى بالثقوب السوداء فائقة الكتلة، وهي تحتوي على ملايين إلى مليارات المرات من كتلة شمسنا بداخلها في مساحة صغيرة نسبيا، مما يخلق جاذبية قوية للغاية.
ويمكن أن يزداد حجم الثقوب السوداء عن طريق تراكم المادة، مثل ابتلاع النجوم التي تقترب أكثر من اللازم، أو عن طريق الاندماج مع الثقوب السوداء الأخرى.
ولاكتشاف إذا ما كانت هذه التأثيرات وحدها يمكن أن تفسر نمو الثقوب السوداء الهائلة، نظر الفريق في البيانات التي تمتد إلى 9 مليارات سنة، ولاحظوا نوعا معينا من المجرات تسمى المجرات الإهليلجية العملاقة تطورت في وقت مبكر من الكون ثم أصبحت نائمة وانتهت من تكوين النجوم، تاركة القليل من المواد للثقب الأسود في مركزها لتتجمع، مما يعني أن أي نمو إضافي لا يمكن تفسيره من خلال هذه العمليات الفيزيائية الفلكية العادية.
كما أظهرت مقارنة المجرات البعيدة (عندما كانت صغيرة) مع المجرات الإهليلجية المحلية (القديمة والميتة) نموا أكبر بكثير مما توقعه التراكم أو الاندماجات، إذ إن الثقوب السوداء اليوم أكبر من 7 إلى 20 مرة مما كانت عليه منذ 9 مليارات سنة.
من ناحية أخرى، تُظهر القياسات الإضافية مع مجموعات المجرات ذات الصلة في نقاط مختلفة من تطور الكون توافقا جيدا بين حجم الكون وكتلة الثقوب السوداء. وتظهر أن الكمية المقيسة من الطاقة المظلمة في الكون يمكن حسابها بواسطة طاقة فراغ الثقب الأسود. وبحسب الدراسة، فإن طاقة الفراغ مرتبطة بتوسع الكون، وتزداد كتلتها مع هذا التوسع.
يقول دنكان فرح عالم الفلك بجامعة هاواي إن “من أبرز نتائج دراستنا، هو أننا نقترح أن الثقوب السوداء هي مصدر الطاقة المظلمة، وتنتج هذه الطاقة المظلمة عندما يتم ضغط المادة العادية في أثناء موت النجوم الكبيرة وانهيارها”.