الادعاء على حاكم البنك المركزي اللبناني.. ما التداعيات والسيناريوهات القضائية المتوقعة؟ | سياسة
بيروت ـ دخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسارا معقدا مع الادعاء القضائي الأول من نوعه بتهم اختلاس المال العام والإثراء غير المشروع وغسل الأموال.
ويرى خبراء أنه رغم الحرج المعنوي غير المسبوق لسلامة، لكن هذا الادعاء قد يستفيد منه قضائيا لجهة إبطاء مسار التحقيقات الأوروبية بحقه وتأخير مثوله أمام القضاء هناك.
وادعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت، القاضي رجا حاموش، أمس الخميس على رياض سلامة، بجرائم عدة كالإثراء غير المشروع وغسل الأموال والتهرب الضريبي والتزوير والاختلاس.
وتأتي هذه الاتهامات بالتزامن مع تحقيقات تجريها دول أوروبية عدة حول ثروته، وتحديدا أمام القضاء في سويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا، ويرتكز أهمها على شبهات بتحويل ملايين الدولارات إلى مصارف أوروبية بطريقة غير نظامية بمساعدة شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك.
استجواب المتهمين
وأحال القاضي رجا حاموش الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا، لاستجواب المدعى عليهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم، في حين واصل سلامة نفي الاتهامات.
وعمليا، يأتي هذا الادعاء بعد نحو عام كامل من تحقيقات النيابة العامة التمييزية، والتي كانت موازية لملاحقة المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون لسلامة، في إطار الشكاوى المقدمة ضد حاكم مصرف لبنان من قبل جمعيات وناشطين بتهم الإثراء غير المشروع، وغسل الأموال، وتبديد المال العام، واقتراف الغش.
وتفيد مصادر قضائية للجزيرة نت بأن مضمون الادعاء يرتكز على مراسلات بين القضائيين اللبناني والأوروبي، حول علاقة مصرف لبنان مع شركة “فوري سوشياتس” التي يملكها شقيقه رجا سلامة المسجلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت.
وثمة شبهات أن رجا سلامة كرس هذه الشركة للعب دور الوسيط بغية شراء سندات خزينة ويوروبوند من المصرف المركزي وتلقي عمولة اكتتاب تحولت تباعا لحساباته الخارجية.
يشار إلى أن وحدة التعاون القضائي الأوروبية جمدت في مارس/ آذار 2022، مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة و4 من المقربين منه، بينهم شقيقه، بشبهة اختلاس أموال عامة وغسل الأموال بنحو 300 مليون دولار بين 2002 و2021.
سيناريوهات الادعاء
يوضح الخبير القانوني والدستوري بول مرقص للجزيرة نت أن الادعاء على رياض سلامة، وإحالة الملف إلى قاضي التحقيق، يعني أن القضاء اللبناني، قد أوجد الأرضية اللازمة لإرجاء ما يسميه “المساعدة القانونية الأوروبية”، لتعارضها مع تحقيق جارٍ في لبنان وفق اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003 التي انضم إليها لبنان عام 2008. لكن ذلك لا يمنع البلدان الأوروبية من مواصلة تحقيقاتها الداخلية واتخاذ الإجراءات اللازمة في بلادها”.
وتتفاقم الضغوط القضائية على سلامة بكل الاتجاهات، داخليا وخارجيا، وهو على مسافة أشهر من انتهاء ولايته في رئاسة البنك المركزي في مايو/أيار المقبل، علما أنه يشغل منصبه منذ العام 1993، ليصبح أحد أطول ولاية لحكام المصارف المركزية بالعالم.
وسبق أن ادعت القاضية غادة عون على سلامة بجرائم تزوير قيود مصرفية وتحويل 5 مليارات دولار إلى الخارج، ناهيك عن عمليات إدخاله الخسائر بموجودات المركزي، لكن مسار الملاحقة القانونية توقف نتيجة الدعاوى المضادة التي تقدم به رياض سلامة ضد القاضية عون، كما تم اتهامها بالتمرد القضائي والعمل لصالح فريق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ويقول الخبير والمحامي بالقضايا المالية كريم ضاهر للجزيرة نت إن الادعاء على أهميته، تأخر صدوره، لكنه ترجم اقتناع النيابة العامة التمييزية بكل الاتهامات المساقة ضد رياض سلامة.
ويفيد بأن هذه الاتهامات تندرج وفقا للقانون اللبناني بالمادة 44/2015، المتعلقة بغسل الأموال وإخفاء مصادر تحويلات، لافتا إلى أن سلامة يقف على الأقل أمام 3 جنايات، هي الإثراء غير المشروع، غسل الأموال واختلاس المال العام كموظف عام أساء استعمال سلطته المطلقة على السياسة النقدية بالبلاد.
ويتوقع ضاهر أن تتلقى المحاكم الأوروبية التي تلاحق سلامة هذا الادعاء بإيجابية، إذ لا يمكن الحكم عليه هناك قبل التثبت من عدم شرعية أمواله، أما في حال أبطأ القضاء اللبناني بمسار محاكمة سلامة، “فقد يعتبر القضاء الأوروبي أن المسار اللبناني عرقل المسار الأوروبي بذريعة السيادة القضائية، وهذا ما ستظهر نتائجه بالأشهر القليلة المقبلة”.
ويذكر المحامي المالي أنه استنادا إلى المادة 19 من قانون النقد والتسليف، يجوز إقالة حاكم المركزي في حالات محدودة جدا، أبرزها التثبت من ارتكابه خطأ فادحا بواجباته الوظيفية.
مسار مختلف
من جانبه، يقول الصحفي المتابع للشؤون القضائية يوسف دياب، إن تحريك الدعوى العامة ضد سلامة يعني دخول مسار مختلف بغض النظر عن نتائجه، لكن الفرق بين ادعاء القاضي حاموش وملاحقات القاضية عون، بحسب دياب، أن الأول يمتلك وثائق مثبتة ومدعمة نتيجة المراسلات مع القضاء الأوروبية، بينما القاضية عون كانت تتحرك غالبا بخلفيات سياسية ضده.
وأضاف دياب أن عامل الوقت ما زال لصالح سلامة، لأن قاضي التحقيق يحتاج أسابيع لدراسة الملف ثم يحدد جلسة لاستجوابه، ثم يأتي أحد محامي سلامة لتقديم دفوع شكلية عنه، وتاليا قد يأخذ مسار التحقيقات حول الادعاء ما لا يقل عن 4 أشهر.
ويفيد دياب إن ما يحصل قضائيا لا يمكن فصله عن الصراعات السياسية، لكن سلامة رغم ضرره المعنوي، استفاد من تأخير التحقيقات الأوروبية بحقه. لافتا إلى أن القضاء اللبناني لا يستطيع إهمال المعلومات التي وردته من الخارج، عن تحويلات أموال بكميات مشبوهة عن طريق سلامة.
تصعيد مرتقب
في هذا الوقت، أعلنت المصارف التجارية فك إضرابها المفتوح الذي كانت قد أعلنته على وقع الدعاوى والملاحقات التي تنفذها القاضية عون بحق مصرفيين.
ويأتي الادعاء على سلامة ليفاقم الوضع تعقيدا، خصوصا في ظل السجال السياسي القضائي حول طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من وزير الداخلية بسام المولوي الإيعاز للأجهزة الأمنية عدم الاستجابة لطلبات القاضية عون لتجاوزها صلاحياتها القضائية.
وفي تصريح للجزيرة نت، اعتبر وزير الداخلية هنري خوري أن طلب ميقاتي غير قانوني، و”كل قاض يتحرك وفق ملف محكم بيده، ولا يمكن لأحد التدخل به استنادا لمبدأ فصل السلطات، وأسعى مع القضاء جاهدا لحمايته من كل الضغوطات والتدخلات السياسية”.
وأوضح أن الوفود القضائية الأوروبية لم تبلغه بموعد زيارتها للبنان، من أجل استئناف التحقيقات التي بدأتها مطلع العام تحت إشراف القضاء اللبناني.