26 مليون طن من الغبار بالجو.. هل تزيد من الاحترار أم تحد منه؟ | علوم
يسود الاعتقاد لدى العلماء بأن للهباء الجوي تأثيرا يدعم الاحتباس الحراري وآخر معاكسا يحد منه، إلا أن طبيعة تأثيره على المناخ ظلت غير مفهومة بشكل دقيق.
بعد سنوات من الجدل حول طبيعة تأثير الغبار -الذي تثيره العواصف الترابية الصحراوية- على التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض، أظهرت دراسة جديدة أن جسيمات التراب المجهرية المحمولة جوا تسهم في تبريد الكوكب وتخفف من الاحترار العالمي الناجم عن غازات الدفيئة، وإن كان بشكل طفيف.
وجد البحث -الذي قاده علماء من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو (UC San Diego)- أن كمية الغبار الصحراوي ارتفعت، مما زاد في تأثير تبريد الغبار على مناخ الأرض.
ونشرت الدراسة مؤخرا في دورية “نيتشر رفيوز إيرث آند إنفيرومنت” (Nature Reviews Earth and Environment).
تأثير غير مفهوم
عندما تهب العواصف الرملية القوية في المناطق القاحلة مثل الصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى، ترفع كميات كبيرة من الرمال والأتربة من التربة الجافة التي تحتوي خاصة على جسيمات من أكاسيد المعادن والطين والكربونات إلى الغلاف الجوي، وتنقلها آلاف الكيلومترات.
ترفع هذه العواصف جزيئات الغبار، أو الهباء الجوي، إلى مستويات أعلى من طبقة التروبوسفير -الطبقة الدنيا للغلاف الجوي- عن طريق الخلط المضطرب والحمل الحراري.
ويتراوح متوسط عمر جزيئات الغبار في الغلاف الجوي من بضع ساعات للجسيمات التي يزيد قُطرها على 10 ميكرومترات، إلى أكثر من 10 أيام للجسيمات الأقل حجما، وفق موقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
ويسود الاعتقاد لدى العلماء بأن للهباء الجوي تأثيرا يدعم الاحتباس الحراري من خلال امتصاص الإشعاع الشمسي الذي يدخل الغلاف الجوي للأرض ونثره، وكذلك امتصاص إشعاع الموجات الطويلة المنعكس على السطح.
كما أن له أيضا تأثيرا معاكسا يحد من الاحتباس الحراري عبر خفض كمية الإشعاع الشمسي للأرض على سبيل المثال، لكن طبيعة تأثيره على المناخ ظلت غير مفهومة بشكل دقيق.
26 مليون طن من الغبار في الجو
في الدراسة الجديدة، وجد الباحثون أن التأثير الكلي للغبار يدفع باتجاه التخفيف من حدة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض، وفق بيان نشر على موقع “مؤسسة سكريبس لعلوم المحيطات” (Scripps Institution of Oceanography) التابعة جامعة كاليفورنيا في سان دييغو يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
وتظهر النتائج أن غازات الاحتباس الحراري وحدها -دون وجود الغبار- كانت تسبب ارتفاعا أعلى في درجة الحرارة مما تتوقعه النماذج حاليا، التي لا تأخذ بعين الاعتبار هذا التأثير.
لكن تأثير التبريد الذي يمارسه الغبار لا يبلغ درجة التأثير الحاسم في الحد من الاحترار الذي يعيشه العالم، لذلك تظل النماذج المناخية صحيحة، بحسب جاسبر كوك، عالم فيزياء الغلاف الجوي والمؤلف الرئيسي للدراسة.
وقدر الباحثون، الذين استخدموا قياسات الأقمار الصناعية والأرض لتحديد الكمية الحالية من الجزيئات المعدنية المجهرية في الهواء، أن هناك 26 مليون طن من الغبار تسبح في الغلاف الجوي.
وتسهم هذه الكميات من التراب في تخفيف الاحترار الفعلي الذي تتسبب فيه غازات الاحتباس الحراري بنسبة 8%.
وأظهرت بيانات السجل الجيولوجي وعينات الجليد التي تم فحصها، زيادة مطردة في كميات الغبار الصحراوي في الجو، بلغت 55% مقارنة بمنتصف القرن التاسع عشر.
وأرجع الباحثون هذه الزيادة إلى توسع المساحات التي تعاني جفاف التربة، وارتفاع سرعة الرياح، وتغيرات استخدام الإنسان للأراضي.
كيف يخفض الغبار من الاحترار؟
تخفض جسيمات الغبار الجوي كميات الإشعاع الشمسي من خلال تشتيته نحو الفضاء ومنع دخوله الغلاف الجوي، كما أنها تعمل على تبديد السحب العالية التي تدفئ الكوكب.
وبعد سقوطها على الأرض، يمكن لهذه الجسيمات -وفق الباحثين- أن تعتم الثلج والجليد عن طريق الاستقرار عليهما، مما يجعلهما يمتصان مزيدا من الحرارة.
ويعمل الغبار أيضا على تبريد الكوكب عن طريق ترسيب العناصر الغذائية مثل الحديد والفوسفور، فعندما تهبط هذه العناصر الغذائية في المحيط، على سبيل المثال، فإنها تدعم نمو العوالق النباتية التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
ورغم أن تأثير التبريد الذي يحدثه الغبار في إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري يعد طفيفا، بما لا يؤثر كثيرا على نماذج محاكاة التغيرات المناخية، فإن المؤلف الرئيسي للدراسة يؤكد أن إضافة هذا التأثير في نماذج المحاكاة سيمكن الباحثين من زيادة دقتها، وهو أمر له أهمية كبيرة لأن “التنبؤات الأفضل يمكن أن تساعد في اتخاذ قرارات أفضل بشأن كيفية التخفيف من تغير المناخ أو التكيف معه”، كما يقول.