Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

“زلزال جديد يضرب أنطاكيا”.. لِمَ تستمر الزلازل في ضرب تركيا ولا تتوقف؟


بعد نحو أسبوعين كاملين من الزلزالين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من فبراير/شباط الماضي، ضرب زلزال جديد ولاية هاتاي جنوب تركيا في الساعات الأولى من مساء أمس الاثنين، 20 فبراير/شباط، قدر بقوة 6.4 درجات على المقياس، الأمر الذي تسبب في سقوط بعض المباني، وعودة الرعب مرة أخرى إلى الأجواء، سواء في تركيا أو في غيرها من البلاد، حيث وصل أثر الزلزال كذلك إلى لبنان وسوريا وفلسطين، وشعر به الناس في مصر وعدة دول أخرى.

لكن ما لا يدركه الجميع ربما أن هذه المنطقة قد تعرضت إلى أكثر من 6 آلاف هزة ارتداية خلال تلك الفترة القصيرة، البعض منها بالفعل كان أكبر من 5 و6 درجات على المقياس، لكن الزلزال الأخير في هاتاي كان كبيرا كفاية ليشعر به الناس ويخافون مقارنة بالهزات السابقة له خلال أسبوعين مضيا، ورغم أنه إذا ما قورن بالزلزال الرئيسي بقوة 7.8 درجات على المقياس فسنجد أنه أصغر بخمسة وعشرين ضِعْفا، فإنه يظل عموما من الزلازل المتوسطة إلى القوية التي يمكن أن تتسبب في أضرار.

وبالطبع فإن التأثير القوي المحتمل لهذا الزلزال يعود بشكل رئيسي إلى حقيقة أن المباني كانت قد تضررت بالفعل من الزلزال الأول، وبالتبعية ستكون هشة في مواجهة أية ضربات جديدة، إلى جانب مخاطر حدوث انهيارات أرضية وتسرب الغاز والحرائق وسقوط الصخور التي يمكن أن تؤدي أيضا إلى تعقيد جهود الإنقاذ، لكن الجانب الإيجابي للأمر يتعلق بأن الخسائر في الأرواح على الأغلب ستكون محدودة، لأن الناس بالفعل ابتعدوا عن المباني المتضررة، كما أن أفراد فِرَق الإنقاذ يعرفون بالفعل بوجود هذه الهزات الإضافية ويتخذون احتياطاتهم لمواجهة الأمر.

هزات ارتدادية

في الواقع، ومنذ اللحظة الأولى، كان من المتوقع أن تشهد هذه المنطقة عددا كبيرا من الزلازل التالية للزلزال الأول، التي تسمى في مجملها بـ”الهزات الارتدادية”، وهي ظاهرة طبيعية تحدث في كل الزلازل لكنها تكون ملحوظة أكثر في الزلازل الكبرى (مثل زلزال تركيا). على سبيل المثال، بعد زلزال سومطرة الكبير في 2004 الذي بلغت قوته 9.1 درجات، كانت هناك 14 هزة ارتدادية بلغت قوتها ما بين 5.7-7.3 درجات حدثت على طول القوس من سومطرة باتجاه نيكوبار وجزر أندامان في خليج البنغال.

تكرر الأمر نفسه حين تعرضت نيبال لزلزال بلغت قوته 7.8 درجات على المقياس في 25 إبريل/نيسان 2015، حيث واجهت البلاد في الأشهر الثلاثة عشر التي أعقبت هذا الحدث 459 هزة ارتدادية بأحجام تساوي أو تزيد على 4 درجات، وحدثت أكبر هزة ارتدادية بقوة 7.3 بعد ثلاثة أسابيع من الزلزال الرئيسي، في 12 مايو/أيار، متسببة في مزيد من الأضرار للمباني والبنية التحتية التي تضررت بالفعل.

لكن لفهم كيفية حدوث تلك الهزات الارتدادية، دعنا نبدأ بالطريقة التي تحدث بها الزلازل عموما، حيث يتكون الغلاف الصخري للأرض (الذي تبلغ سماكته من 30 إلى 70 كيلومترا في القارات ومن 6 إلى 12 كيلومترا في المحيطات) من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، التي تتداخل مع بعضها بعضا بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح، ولذلك لا نلحظ أثرها.

الصفائح التكتونية حول العالم (ويكيبيديا)

تبتعد تلك الصفائح التكتونية عن بعضها بعضا في أماكن وتقترب في أخرى، ومع اقتراب جانبَيْ صفيحتين تكتونيتين من بعضهما بعضا في أحد الأماكن فإنهما تحتكان لصنع ما يسميه العلماء بـ”الفالق” (Fault)، طبيعة احتكاك الفالق تختلف بحسب طبيعة الصخور التي تحتك مع بعضها بعضا واتجاه الحركة، فقد ينزلق جانبا السحابة باتجاهين متعاكسين لكن على المستوى نفسه أو يتحرك أحدهما للأعلى أو للأسفل.

في الحالة العادية، تنزلق أطراف الصفائح ببطء وسلاسة، لكن في بعض الأحيان لا يكون الأمر هكذا، لفهم تلك الفكرة تخيل أن هناك قطعتي رخام كبيرتين، كلٌّ منهما لها وجه غير ناعم، قمنا بربط العلوية منهما بحبل قوي وبدأنا في سحبها، في البداية لا تتحرك فنزيد من قوة الشد، ومع الشد تنزلق قطعة الرخام فجأة فتتحرك لعدة سنتيمترات، وفي أثناء حركتها تلاحظ أنها تهتز بشدة.

هذا بالضبط ما يحدث في حالة الزلزال، لكن بدلا من الوضع الرأسي تلتقي صخور أطراف الصفيحتين أفقيا، في بعض الأحيان تحتكان بشدة فتقفان لوهلة من الزمن، في أثناء ذلك تختزن كلٌّ منهما الطاقة في هذا الاحتكاك (هذه هي الحالة التي تحاول فيها الشد لكن قطعة الرخام لا تتحرك بعد) وفي لحظة ما تنفلت تلك الطاقة فتتزحزح تلك الصخور لمسافة كبيرة غير معتادة، ومع زحزحتها تنطلق الطاقة لتسري في كل مكان بالكوكب، لكنها تضرب أقرب النقاط لها بأكبر قوة.

حدود الصفائح التكتونية الثلاثة والتي تشكل ملامح الأرض والظواهر الطبيعية (الجزيرة ووكالات)

لذلك تُعرف الزلازل بأنها قدر من الطاقة الحبيسة بين صخور القشرة الأرضية، التي تخرج في صورة هزات على السطح، لكن هذا الإطلاق المفاجئ للطاقة الناتج عن تكسير الصخور في الهزة الأولى يتسبب في احتكاك الصخور القريبة فتختزن بدورها قدرا من الطاقة كذلك، ومع تراكم الضغط تتحطم هذه الصخور مُطلقة سلسلة من الهزات الأصغر، التي تعطي بدورها الفرصة لهزات أخرى أصغر.

لهذا السبب فإن الهزات الارتدادية عادة ما تحدث بالقرب من مركز الزلزال الرئيسي، لكن ذلك لا يمنعها أن تحدث على مناطق أبعد في البلاد، وفي بعض الأحيان يمكن أن يتسبب الزلزال الرئيسي في زلازل أخرى جديدة منفصلة لها علاقة بتفاعل الصفائح التكتونية المجاورة، والتي تتوتر حركاتها بفعل الزلزال الاول، ولكن في الحالتين تهدأ الأمور مع الوقت وتستقر الصفائح التكتونية مرة أخرى بعد تفريغ الطاقة المختزنة بها.

حجم الهزات

العلماء ليسوا دائما متفقين حول طبيعة الهزات الارتدادية أو هزات النذير، ودائما ما يكون هناك جدل حول ما إذا كانت الهزات مرتبطة أم لا. (الأناضول)

ويتوقع علماء هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن هناك نحو واحد على الأقل من كل 20 زلزالا كبيرا في العالم يتبع عادة بزلزال آخر كبير (لكنه أقل من الأول) خلال الأسبوع الأول، تتأكد تلك النتائج بدراسة أُجريت عام 2002 على 117 زلزالا بقوة 7.0 على المقياس أو أعلى، وجدت أن 13 منها فقط تلتها زلازل قريبة كانت على الأقل بالقوة نفسها، ويبدو أن ذلك هو ما حدث في حالة زلزال تركيا، حيث تبعت الهزة الرئيسية هزة كبيرة بمقياس 7.5 درجات بعد تسع ساعات فقط وعلى مسافة نحو 90 كيلومترا من مركز الهزة الأولى، وهي حالة نادرة.

ولكن عموما، فإن الاحتمال الأكبر بحسب “قانون بات” (Båth’s Law) في علم الجيولوجيا هو أن تكون الهزات الارتدادية في المعتاد ذات قيمة على المقياس أقل من الزلزال الرئيسي بفارق نحو 1.2 درجة. وبحسب “قانون أوموري” (Omori’s Law)، فإن معدلات الهزات الارتدادية تتناقص مع مرور الزمن، لكنها رغم ذلك قد تستمر لشهور أو حتى سنوات، يعني ذلك أن المحتمل هو أن تستمر تركيا وسوريا في التعرض لهزات لكنها ستكون أصغر في المقياس، وفي مرحلة ما ستصل إلى نقطة لا يستشعرها البشر، لكن لا تزال هناك دائما فرصة ضئيلة لحدوث هزات ارتدادية كبيرة حتى بعد مرور أشهر من الزلزال الأول، وفي بعض الأحيان النادرة جدا قد يحدث العكس، حيث تكون الهزة الأولى أقل من الارتدادية في القوة، وهنا يعاد تعريف الهزة الأولى بأنها “نذير” (Foreshock)، أي مقدمة لهزة أكبر.

احتمالات ضعيفة

أحد الأمثلة على هذه الحالة هو زلزال سومطرة في 26 ديسمبر/كانون الأول 2004 الذي تحدثنا عنه قبل قليل، حيث سبقه بعامين كاملين زلزال آخر بقوة 7.3 درجات، في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002، يعتقد بعض الباحثين أن الأول كان نذيرا للثاني الأكبر على المقياس، الذي يُعَدُّ واحدا من أقوى الزلازل التي ضربت الأرض. من حيث الأضرار والخسائر في الأرواح، كان حجم الكارثة الناجمة عن هذا الزلزال والتسونامي الذي تبعه (تسونامي يوم الملاكمة) هائلا، حيث قُتل وفقد نحو 230 ألف شخص، وهجر نحو 1.7 مليون شخص منازلهم.

مثال آخر هو زلزال تشيلي العظيم، وهو أقوى زلزال مسجل في التاريخ بقوة 9.5 درجات على المقياس، حدث بعد ظهر 22 مايو/أيار 1960، وكانت البلاد قد شهدت قبله بيوم واحد فقط زلزالا آخر بقوة 7.9 ظن الناس أنه الزلزال الرئيسي، إلى أن حضر الزلزال الأكبر في اليوم التالي.

وفي كل الأحوال فإن العلماء ليسوا دائما متفقين حول طبيعة الهزات الارتدادية أو هزات النذير، ودائما ما يكون هناك جدل حول ما إذا كانت الهزات مرتبطة أم لا، وقد يظهر أن هزة تركيا الثانية أو غيرها مثل هذا الزلزال لم تكن ارتدادية بل كانت زلزالا منفصلا، خاصة أن الزلزال الجديد كان أكبر في المقياس من الهزات الارتدادية السابقة له، على عكس العادة.

لكن مجددا، سواء كان هزة ارتدادية أم زلزالا جديدا، فإن الاحتمالات الأعلى هي أن تستمر تركيا ومحيطها في التعرض لهزات أصغر مع الوقت لحين استقرار الصفائح التكتونية، تصل تلك الهزات في مرحلة ما إلى مستوى لا يشعر به الناس، هذا النوع من الاضطرابات معروف ويحدث في كل الزلازل، وما يحدث حاليا ليس استثناء منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى