لا هواتف ولا ضوء ولا نوم.. تايمز تدخل ملجأ زيلينسكي الحربي في أوكرانيا | سياسة
كيف يعيش الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزراء حكومته ومستشاروه خلال الحرب، بعد عام كامل من بدايتها؟.. كارولين ويلر المحررة السياسية لصحيفة تايمز البريطانية (The Times) ذهبت إلى حيث قلب حكومة كييف وكتبت تقريرا مطولا.
تقول الكاتبة إن الشيء الأكثر إثارة للدهشة عند دخول بنكوفا -مقر الحكومة الأوكرانية- هو مدى الظلام الذي يحيط بالداخل، إذ يتم إغلاق كل ستارة وإطفاء كل الأنوار لتقليل خطر استهداف المبنى بالهجمات الجوية أو القناصة.
ويوم وصولها تشير إلى أن كييف كانت تتعرض لأقسى قصف منذ الأيام الأولى للحرب، إذ يظهر أن الهجوم كان ردا من الكرملين على جولة قام بها زيلينسكي قبل 10 أيام تقريبا إلى بريطانيا وأوروبا، والتي ضمنت تعهدات جديدة بالأسلحة والمعدات لأوكرانيا ومزيد من العقوبات على روسيا.
وتقول المحررة السياسية إنها كانت تفترض أن الظلام كان تدبيرا مؤقتا بسبب الهجمة الأخيرة، لكن قيل لها إنه سمة دائمة، مضيفة أنها لم تكن ترى قدميها ولم تتمكن من تلمس طريقها على طول الممرات الواسعة ولدى صعودها السلم الكبير، إلا بفضل مصباح موجود على هاتف أحد الحراس.
كلمات مرور يصعب على الروس نطقها
وتستطرد الكاتبة: إن بنكوفا، وهو كتلة خرسانية من المكاتب، محاطة بحلقة من الفولاذ، وتتتالى فيها نقاط التفتيش مع حراس مسلحين في كل شارع يحيط بها، مع السماح بالدخول فقط لمن لديهم الوثائق وجوازات السفر الصحيحة، ولا يمكن للسيارات المدنية الاقتراب، والجنود يطلبون من المشاة كلمات مرور سرية تتغير يوميا، وهي في الغالب عبارة عن كلمات مصطنعة ولا معنى لها يصعب على الروس نطقها.
كما تصف هذا المقر من الداخل بأن كل النوافذ والأبواب بها كانت محجوبة بأكياس الرمل، قائلة إن زيلينسكي تعرض منذ بداية الحرب لمحاولات اغتيال عديدة. ففي مارس/آذار العام الماضي، كشف أوليكسي دانيلوف رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني أن الرئيس نجا من 3 محاولات اغتيال بأسبوع واحد فقط.
وعندما جلست في غرفة الانتظار داخل بنكوفا، قالت المحررة السياسية لصحيفة تايمز إنها كانت لا تزال مع ضوء الهاتف، وشاهدت مستشارين عسكريين يرتدون الزي الكاكي يدخلون ويخرجون من المكاتب الرئاسية.
وبدأت الغارات للمرة الرابعة ذلك اليوم، ولم يقم أحد داخل بنكوفا بأي حركة، ولم يتحرك أحد نحو المخبأ تحت الأرض. وبحسب مسؤول حكومي -تقول الكاتبة- فقد تم استخدام ذلك المخبأ مرة واحدة فقط الأشهر الأخيرة، بعد ورود معلومات استخباراتية خلال الصيف تفيد بأن الروس كانوا يخططون لشن هجوم على مقر الحكومة.
حماية الرئيس إذا وقع حصار
وشاهدت الكاتبة إستراتيجيا عسكريا يحمل خريطة كبيرة مطوية تحت ذراعه ظهر من أحد المكاتب الفخمة حيث كان هناك اجتماع عسكري للحكومة، وانطلق في ممر عليه علامات تحدد نقاطا لإطلاق النار لمساعدة القوات الأوكرانية على حماية الرئيس في حالة وقوع حصار.
وبعد ذلك بوقت قصير، قفز جندي كان جالسا في مكان قريب منها ليقف على قدميه، ولفت آخرون في الغرفة التي تجلس داخلها الكاتبة الانتباه إلى أن زيلينسكي، الذي يمكن التعرف عليه بوضوح من خلال حجمه الصغير وغطاء رأسه الأسود الذي يحمل عبارة “أنا أوكراني” كان يمر من الغرفة متبوعا بمجموعة من المستشارين.
وكان أندريه يرماك، الصديق المقرب للرئيس وأكبر مستشاريه، بين من تبعوا زيلينسكي، وكان الاثنان قد عادا للتو من مهمتهما الدبلوماسية المكوكية إلى أوروبا.
وقالت الكاتبة إن العام الماضي بأكمله كان بمثابة اختبار تحمل لزيلينسكي ومسؤوليه الذين يعملون 18 ساعة في اليوم طول أيام الأسبوع، وغالبا ما ينامون في مبنى مكاتبهم المظلم لحمايتهم، وبالكاد يرون عائلاتهم.
من أكثر الأشياء ضغطا على الرئيس
ونجح زيلينسكي، الذي لديه ابنة بالغة (أوليكساندر) في ترتيب رؤية ابنه (كيريلو) -البالغ 10 سنوات- مرة واحدة كل 10 أيام. ونقلت الكاتبة عن أحد مساعدي الرئيس قوله إن العيش في الظلام بعيدا عن زوجته (أولينا) وأطفالهما من أكثر الأشياء التي تشكل ضغطا كبيرا على زيلينسكي.
وعلى مدار أسبوع، تقول المحررة السياسية للصحيفة البريطانية إنها تحدثت إلى يرماك حول التحديات غير العادية التي واجهتها الحكومة في 12 شهرا منذ بداية الحرب.
ويرماك محام سابق، وهو مدير مكتب الرئيس، ورغم أنه نادرا ما يجري مقابلات، فإنه وافق على مقابلة المحررة السياسية للصحيفة بإحدى غرف الاستقبال في بنكوفا.
وقالت الكاتبة إنها شعرت وكأنها حيوان خلد يخرج إلى ضوء الشمس، حيث تم نقلها من غرفة الانتظار المظلمة إلى أضواء ساطعة بغرفة الاجتماعات الفخمة، والتي أضاءت لفترة وجيزة للسماح بإجراء المقابلة.
قللوا من احتمال دخول الروس
إنها الذكرى الأولى لدخول القوات الروسية إلى أوكرانيا. ولعدة أشهر، قلل كثيرون في أوكرانيا -بمن فيهم زيلينسكي- من احتمال دخول القوات الروسية، رغم التحذيرات المستمرة من المخابرات الأميركية والبريطانية، وقد أعلن زيلينسكي الأحكام العرفية.
وتم نقل الشخصيات البارزة بالحكومة الأوكرانية على الفور إلى المخابئ تحت الأرض -بأوامر من الجيش- للبقاء هناك حتى إشعار آخر. وتستطرد الكاتبة “قال لي أحد المطلعين في بنكوفا إن الحياة كانت صعبة: أنت لا ترى الشمس، ولا تعرف الوقت” مضيفا “إذا كان بوتين في مخبئه أثناء الوباء، فليس من المستغرب أن يصاب بالجنون. فأنا متضايق من البقاء في مثل هذه الظروف فترة طويلة”.
ووفق مصدر حكومي، كانت الخطة الأولية هي البقاء تحت الأرض لمدة أسبوع. لكن الأحداث بالخارج تسببت في تغيير الخطة. وعندما استولت القوات الروسية على العديد من البلدات والمدن في كييف وحولها، بدا لعدة أسابيع أن العاصمة أيضا ستسقط لا محالة.
وقد أمضى زيلينسكي وكبار مساعديه الجزء الأكبر من الشهرين الأولين في العيش تحت الأرض، وظهروا بشكل متقطع ليطمئنوا الناس بأن الرئيس لم يفر.
تعهُّد بعدم إفشاء المعلومات
وكان على المدعوين للعيش جنبا إلى جنب مع الرئيس بالقبو تحت الأرض التعهد بعدم إفشاء أي معلومات حول تصميم القبو أو موقعه أو وسائل الراحة به. ولم يُسمح لهم حتى بالتحدث عن الطعام الذي تناولوه.
وعايش الفريق، معزولا في الأسفل، الحرب من خلال أجهزة آيفون الخاصة بهم. وكانت أيام الرئيس في الغالب عبارة عن سلسلة من الاجتماعات والمقابلات والمكالمات مع زعماء العالم. وكان نومه متقطعا وغالبا ما يكون مضطربا.
وبعد ساعات من الهجوم الروسي، قام الحراس داخل مقر الحكومة الآمن بإطفاء الأنوار مع اندلاع معارك بالأسلحة النارية حول الحي الحكومي، وقدموا سترات واقية من الرصاص وبنادق هجومية إلى زيلينسكي والعشرات من مساعديه.
خطاب مدته 40 ثانية
واستطردت الكاتبة: على الفريق داخل بنكوفا أن يبتكر. وكانت اللحظة الحاسمة عندما خرج زيلينسكي ويرماك وكبار المستشارين الآخرين لفترة وجيزة من مخبئهم تحت الأرض الليلة الثانية من الهجوم، بينما كانت القوات الأوكرانية تقاتل الروس في الشوارع القريبة، لتسجيل خطاب مدته 40 ثانية لشعبه.
وكان مقطع الفيديو، الذي تم تسجيله في وقت متأخر من الليل على هاتف الرئيس، ردا على التضليل الروسي بأنه غادر البلاد. وقال زيلينسكي “نحن جميعا هنا. نحن في كييف. ندافع عن أوكرانيا”.
ولدهشة العالم المتفرج، لم تقاوم أوكرانيا الهجوم الروسي فحسب، بل بدأت بالرد. وقال رودنيانسكي أحد مستشاري الرئيس “أولا: استخفت روسيا بقدراتنا الدفاعية. ثانيا: بالغوا في تقدير قدراتهم” وأضاف بصراحة أكثر “ما نفهمه عن الروس هو عدم توقع أي خطط ذكية. لقد تصرفوا بطريقة ساذجة”.
وأضاف رودنيانسكي أنه ظل مندهشا من أداء الحكومة الذي يتضمن اجتماعا صباح الاثنين -تماما كما في داونينغ ستريت- وشبكة إعلامية، هذا رغم حقيقة أن اجتماعات مجلس الوزراء كانت تُعقد لعدة أشهر تحت الأرض بمحطة مترو استقبلت أيضا زيارة مفاجئة من مجموعة البوب الأيرلندية “يو 2” التي أحيت حفلا موسيقيا هناك في مايو/أيار العام الماضي.