“هند بنت عتبة”.. منى واصف الفنانة السورية التي فتح لها فيلم “الرسالة” باب الشهرة | الموسوعة
منى واصف ممثلة سورية من مواليد 1942، بدأت نشاطها الفني بالمسرح أوائل الستينيات، ثم انتقلت إلى السينما والتلفزيون، اشتهرت بدورها في فيلم “الرسالة” الذي عُدَّ بوابتها نحو شهرتها عربيا، وعلى مدى 60 عاما قدمت عشرات الأدوار في أكثر من 200 عمل فني.
وسافر المخرج مصطفى العقاد إلى دمشق خصيصا لمشاهدتها على المسرح، فكانت أبرز أعمالها السينمائية دور “هند بنت عتبة” في فيلم “الرسالة” وحققت بعده شهرة واسعة في الوطن العربي.
وكانت من الفنانين الذين وقعوا على بيان “نداء الحليب” الذي طالبوا فيه بإدخال المعونات والمساعدات الإنسانية والأدوية وحليب الأطفال لمدينة درعا المحاصرة بدايات الثورة السورية في مارس/آذار 2011، فطالتها حملات التخوين ووضعت في القائمة السوداء للنظام، لكنها أنكرت معاداتها له واتخذت خيار الصمت وولاءها للوطن كما تقول.
واشتهرت باسم (أم جوزيف) في مسلسل “باب الحارة” وخلع عليها النقاد ألقابا عدة مثل (سيدة المسرح، فنانة سوريا الأولى، أم الدراما السورية، سيدة الشاشة السورية، الفنانة العربية الأولى، عقد الماس القديم، الملكة، سيدة الهيبة، (أم جبل) في مسلسل “الهيبة” و(السنديانة الشامية) الأحب إلى قلبها، و(أم عمار) نسبة إلى ابنها الوحيد، وحتى الآن يناديها جمهورها بـ (ماما) والجيل الأصغر بـ (تيتة) (الجدة).
المولد والنشأة
منى جلميران مصطفى واصف، ولدت أول فبراير/شباط 1942، في العاصمة السورية دمشق، لأب مسلم من أصول كردية، وأم مسيحية اسمها إيلين عبود الأزرق من قرية “حب نمرة” في ريف حمص الغربي، وهي الأخت الكبرى للممثلتين هيفاء وغادة واصف.
ونشأت في بيئة شعبية في شارع العابد “حارة الشرف” وكانت في عمر السابعة عند انفصال والديها، وتربت في كنف زوج والدتها في حي الشعلان، وظلت فيه حتى عمر الـ 20.
وبعد طلاق والديها، كانت أمها تحثها على العمل في العطلات الصيفية، فباعت حلوى “غزل البنات” وعملت بائعة في محل ملابس نسائية في الـ 18 من عمرها، وكانت عارضة أزياء، فشاركت مرتين في مهرجان القطن بحلب.
وتزوجت من المخرج محمد شاهين، ولها منه ابن وحيد هو عمار عبد الحميد، الكاتب والناشط الحقوقي المعارض للنظام السوري، ولم تره بعدها لرفضها مغادرة سوريا للعيش معه في أميركا، حتى بعدما وصل عمرها إلى الثمانين.
وهي في هذه السن، ما زالت تهتم بصحتها من خلال السباحة لمدة 1.5 ساعة يوميا كما كانت تفعل مع والدتها، وكشفت أن القراءة ساعدتها على البقاء كما هي الآن، فمن عاداتها أن تقرأ يوميا من 4 إلى 5 ساعات، وخاصة الروايات والمسرحيات وأحيانا السير الذاتية للعظماء.
طموح أديبة
لم تكن واصف تتوقع أن تصبح ممثلة، بل كانت تتمنى أن تكون أديبة أو كاتبة، وكانت تكتب بعض القصص القصيرة، وحاولت سرد قصة حياتها في كتاب، واعتادت أن تلقي الخطب في الاحتفالات المدرسية.
وكانت تشعر بالغيرة من الأديبتين غادة السمان وسهام ترجمان، وكان يراودها هاجس أنها إذا لم تستطع الكتابة مثلهما، فالأفضل ألا تكتب على الإطلاق.
وعرف عن واصف -التي تملك مكتبة كبيرة في بيتها- أنها تعمل على تجميع الكتب من أجل قراءتها في الصيف، وتعتذر عن الأعمال الفنية تلك الفترة، حيث تعتبر الثقافة سلاحا تحمي به موهبتها، وتقوي به حضورها على المسرح والشاشة.
وكانت تقول “كي أتمتع بحياتي فأنا، مع كل كتاب جديد أقرؤه، أعيش عوالم جديدة، ويمكن أن ألخص مصادر ثقافتي بأنها من الحياة والتجارب والكتب”.
الدراسة والتكوين
تلقت واصف تعليمها بالمرحلة الابتدائية والإعدادية في مدرسة “الفيحاء” القريبة من حيها السكني، وقالت إن كتاباتها في مادة التعبير والإنشاء كانت متميزة جدا.
ولكنها عانت من صعوبات في مادة الإنجليزية، وتسببت الرياضيات في رسوبها مرتين بامتحان الشهادة المتوسطة (الكفاءة) فتركت الدراسة بعد أن نالت شهادة المرحلة الإعدادية عام 1956.
وكان هذا الشيء الوحيد الذي خالفت فيه والدتها، وبقيت نادمة عليه، حسب تصريحات سابقة لها.
الانطلاقة من المسرح
عام 1958، انتسبت واصف إلى صفوف “فرقة زنوبيا للفنون الشعبية” وعملت راقصة وفي الكورال، ثم تقدمت لاختبارات انتقاء ممثلات للمسرح العسكري، فأعطاها المخرج الدور وقال لها اقرئيه، وكان المشهد حزينا فسقطت دمعة من عينها، وكانت هذه الدمعة جواز مرورها إلى بطولة أول مسرحية عنوانها “العطر الأخضر” عام 1960.
وعندما ظهرت لأول مرة على خشبة المسرح لم تنجح في أداء دورها، فنصحها النقاد بترك التمثيل، ومن حينها أخذت تقرأ بكثافة، وعكفت بحماس على تثقيف نفسها، وعادت لتشارك بدور صغير في مسرحية ناجحة عنوانها “الساعة 12”.
ولقيت آنذاك معارضة شديدة من والديها، حتى تعرضت لعقاب شديد من أمها حينما اكتشفت لأول مرة أنها أصبحت تمثل في المركز الثقافي العربي بدمشق دون علمها.
وتلك الفترة، تزوجت من المخرج شاهين، الذي كان المدير العسكري للتلفزيون السوري عام 1963، فاعتزلت لأكثر من عام، حيث كان القانون يمنع على الضباط السوريين الزواج بفنانة أو أجنبية. وعندما أصبح زوجها يعمل في القطاع المدني، عادت مجددا لعالم الفن عام 1964.
وتابعت مشوارها ممثلة مع “فرقة الفنون الدرامية” وأسند لها دور (الدوقة بوشيا) في مسرحية “تاجر البندقية” لشكسبير، بدون أجر، ومنه أصبحت بطلة “المسرح الوطني” على مدى أكثر من 20 عاما.
وقدمت على الخشبة 28 مسرحية بالفصحى، أغلبها مسرحيات عالمية لكبار الكتاب المسرحيين العالميين والعرب، ومنها “الزير سالم، أوديب ملكا، موتى بلا قبور، طرطوف، لكل حقيقته، المفوضة، جونا والطاووس” وكان آخرها مسرحية “حرم معالي الوزير” التي أعيد تقديمها 3 مرات في 8 سنوات.
وعام 1990، أنهت تجربتها بالمسرح الذي قالت “هو من صنعني” وقررت التفرغ للسينما والتلفزيون.
التلفزيون
بدأت رحلة الممثلة السورية المخضرمة مع الدراما، مع انطلاقة التلفزيون العربي السوري خلال فترة الوحدة مع مصر في 23 يوليو/تموز 1960.
وعام 1964، شاركت بتمثيلية “ميلاد ظل” عام 1961، ثم مسلسل “أسود أبيض”. وعام 1966، انطلق مشوارها السينمائي بأول ظهور لها بدور (سعدة) في فيلم “سلطانة”.
وعام 1967، شاركت في مسلسل “حمام الهناء” وأدت أدوارا أخرى بأفلام متنوعة، وقالت لاحقا إنها كانت أفلاما ندمت عليها، ثم توقفت لمدة 4 سنوات عن التمثيل في السينما.
وذكرت أنها قدمت مرة واحدة دورا جريئا نوعا ما فرفضها الناس، ووجه لها أحد النقاد آنذاك لوما لاذعا، بالقول “أنت ملكة على المسرح، لماذا تخلعين تاجك بيديك” وتداركت ذلك لاحقا في مرحلة نضجها الفني.
وعقد السبعينيات، شهد انطلاقة واصف النوعية في الدراما، فأدت أدوار البطولة في أعمال “زقاق المايلة، دليلة والزيبق، ساري عبد الله البدوي” لكن من أهمها دور (أمونة) في مسلسل “الجرح القديم” ودور (منيرة) في “أسعد الوراق” بالأبيض والأسود أو ما سمي السباعية التلفزيونية “سبع حلقات فقط) وهو من أشهر الأعمال الدرامية السورية وأكثرها متابعة بنسختيه القديمة والجديدة (ثلاثين حلقة).
ومن خلال مسيرتها الممتدة على مدار 6 عقود متتالية، قدمت ما يزيد على 200 عمل بين السينما والتلفزيون، وقالت “إن التلفزيون نقلني إلى الوطن العربي وحقق لي المزيد من الانتشار”.
وكانت واصف ترفض أدوار “ضيف الشرف” وتحب الأدوار التي تصفع فيها ممثلين آخرين، لكنها لا ترحب بدور يتم صفعها فيه.
وكان التلفزيون السوري من المحطات الأولى في حياتها الفنية، وبعد ذلك التلفزيون الأردني الذي أسهم في انتشارها، وفي المرحلة الثالثة عملت بدبي وشاركت في 17 مسلسلا، ثم انتقلت لمحطتها الرابعة في لبنان.
الإذاعة
وفي الإذاعة قدمت “دمشق يا بسمة الحزن، روحي حياتي، جزيرة المرح، أنا وفيروز والزمن طويل” وفي رصيدها عشرات السهرات الإذاعية والبرامج الشعرية، وكانت تقدم برنامجا أسبوعيا اسمه “منى واصف والقصة القصيرة”.
ولم تخف واصف أنها قدمت طيلة مشوارها الفني أعمالا غير ناجحة، لكنها لا تخجل منها لأن كل فشل كان يعلمها درسا جديدا كما تقول.
أيقونة المرأة القوية
وقفت واصف أمام كاميرات الكثير من مخرجي السينما في بلادها أمثال نبيل المالح وغسان شميط ومحمد شاهين وقيس الزبيدي، وأدت شخصية الأم في أكثر من 50 دور منذ سن مبكرة، وقالت “أنا أكثر ممثّلة لعبت دور الأم ولغالبية الممثلين” حتى لقبت بـ (أم الكل).
وكانت واصف تحب أدوار المرأة القوية، حتى شكلت محطات مفصلية في مسيرتها الفنية رغم تفاوت نجاحها، فاختارت تمثيل دور الملكة جليلة بنت مرة والملكة زنوبيا وهند بنت عتبة والشاعرة العربية الخنساء والصحابية نسيبة بنت كعب والملكة زمرد خاتون والصحابية الشفاء بنت عبد الله، وتحلم بأداء دور شخصية أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند الراحلة.
وكان دور الملكة الجليلة في مسرحية “الزير سالم” هو الذي رشّحها عام 1974 لأداء شخصية هند بنت عتبة في فيلم “الرسالة” للمخرج مصطفى العقاد، حتى إنها ظنت أن اختيارها مزحة ولم تصدّق حتى وقفت أمام الكاميرا.
واختار العقاد ممثلته التي انتزعت الترشيحات من اللبنانية “نضال الأشقر” والمصرية “ماجدة الخطيب” وكان في رصيدها آنذاك 14 عاما من العمل المتواصل في المسرح.
وكان دور (هند) منعطفا رئيسا في سيرة هذه الممثلة السورية، حتى اعتبرته “هدية من الله” لأنه يوازي تجربتها الفنية التي خاضتها قبل هذا العمل الملحمي.
وتلك الفترة كانت واصف مشهورة محليا فقط، لكن فيلم “الرسالة” وضعها على عتبة الشهرة عربيا، ومنذ ذلك التاريخ بات اسمها يشكل علامة نجاح لأي عمل تشارك به.
وعام 1976، كان مسلسل “دليلة والزيبق” أول عمل عربي ملون شاركت به، واعتبرته جواز سفرها الحقيقي للعالم العربي، لدرجة أنها حينما سافرت إلى دبي عام 1977 لتصوير مسلسل “ساري العبد الله” اعترض الأمن في المطار على تغيير اسمها ظنا منهم أنها “دليلة” وليست “منى واصف”.
حبها للفصحى
كانت واصف قد قدمت ما يقارب 28 عملا مسرحيا بالعربية الفصحى بدون ملقن، حيث صقل المسرح انضباطها ولغة جسدها وطوّع لسانها، واستمدت منه اللغة والثقافة والخبرة.
وكانت مهارتها اللغوية من بين أسباب ترشيحها لدور هند بنت عتبة، والذي ارتبط تفوقها في أدائه، بكونها ممثلة مسرح مغرمة بلغتها الأم وشغوفة بها.
ورغم حبها للهجتها الشامية في أعمالها، إلا أنها تحب التمثيل بالفصحى، وتعتبرها لغة راقية موسيقية في التخاطب، حيث قالت “عندما أمثل باللغة العربية الفصحى، لا أشعر أنني داخل جلد آخر، فأنا مرتاحة جدا لأنني أتكلم لغتي”.
وعرف عنها أنها لا تقبل أن تتلقى من المنتجين نصوصا على الموبايل، وتقول “أنا أعشق الورق، وأريد أن أقرأ وأعدل النصوص المكتوبة على الورق”.
جوائز وتكريمات
- جائزة تكريمية من مهرجان “موريكس” عام 2018 في لبنان.
- جائزة “تايكي” الأردنية لموسم 2012.
- وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2009.
- وسام الفاتح من الجماهيرية الليبية.
- وسام غسان كنفاني من منظمة التحرير الفلسطينية.
- جائزة الإبداع من نقابة الفنانين في سوريا عام 1977.
- جائزة الاتحاد النسائي السوري عن فيلم “شيء ما يحترق”.
- جائزة “حياة من العطاء” من الجالية السورية في أميركا عام 1999.
- جائزتان من مهرجان القاهرة عن دورها في مسلسل “الطارق” و”ليالي الصالحية” عام 2004.
- تكريم من التلفزيون الجزائري ومن اتحاد الكتاب الجزائري الخامس للسينما والفيديو.
- نجمة غلاف مجلة “الحسناء” اللبنانية للمرة الأولى في مسيرتها عام 1966.
- جائزة من مهرجان دمشق السينمائي الـ 14.
- جائزة من مهرجان الإسكندرية السينمائي في مصر عام 2008.
- جائزة من مهرجان جميلة بعلبك في لبنان.
- درع الثقافة في مهرجان وهران السينمائي للفيلم العربي بالجزائر عام 2008.
- درع الثقافة في الدورة الـ 33 من أيام قرطاج السينمائية في تونس.
- جائزة من ملتقى المنتجين العرب.
- تكريم في دبي عن دوريها في مسلسلي “الحوت” و”صراع على الرمال” عام 2008.
المسؤوليات
- نائب رئيس اتحاد الأدباء الفترة من 1991 حتى 1995.
- نائب نقيب الفنانين السوريين الفترة من 1991 حتى 1995.
- سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة الفترة من 2002 حتى 2004.