رغم الرغبة للعودة للحياة الطبيعية.. حدائق غازي عنتاب التركية تمتلئ بخيم الناجين من الزلزال | سياسة
غازي عنتاب- بين ورود وأشجار الحدائق في مدينة غازي عنتاب، تتوزع مئات الخيام التي لجأ إليها الناجون من الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي. بعضهم فقدوا منازلهم وآخرون تصدعت بيوتهم، ويعيشون حالة من التوتر والخوف بالتزامن مع تواتر الهزّات الارتدادية.
أكثر من 400 خيمة رصدها مراسل الجزيرة نت متوزعة في أحياء غازي عنتاب، منها ما أقامه الهلال الأحمر التركي، وخيم أخرى شُيدت من قبل رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بينما لوحظ وجود قسم كبير من الخيم التي اشتراها مواطنون الأيام الماضية وبنوها ليستقروا داخلها مؤقتا.
والعديد من الناجين القاطنين اليوم في هذه الخيام، ممن التقينا بهم، كانوا من بين أولئك الذين تعرضت منازلهم لأضرار وباتت بعد تقييمها غير قابلة للسكن.
ولم يتوقع قاطنو هذه الخيم يوما أن الأمكنة، التي كانوا يقصدونها للنزهة في العطلات، أضحت مكانا للمبيت في المدينة التي حلّت بها كارثة الزلزال.
لا قرار بعد!
قرب مشفى الدولة في مركز غازي عنتاب، يقع منزل اللاجئ السوري عبد الرحمن العيسى بين أبنية قديمة تفصلها أزقة ضيقة، حيث كان يقطن مع عائلته المكونة من زوجته و3 أبناء. وبعد الزلزال، لاذوا جميعا بالشارع.
يقول العيسى -للجزيرة نت- إنه يتقاسم الآن خيمة كان قد بناها أحد أقاربه في ساحة عامة وسط المدينة، وهي تحتضن اليوم قرابة 20 خيمة، ولا يعرف إلى متى سيبقى هنا وما الذي سيفعله لاحقا: هل سيعود إلى سوريا أم يستأجر منزلا جديدا أم ينتقل لمدينة أخرى؟
يضيف الشاب أن الزلزال أحدث تصدعات كبيرة في منزله حتى بات غير قابل للسكن، بينما لم يتمكن من حمل سوى بعض الأغراض الضرورية تاركا باقي ممتلكاته في المنزل.
وتعرّف العيسى خلال الأيام الماضية على العديد من جيرانه الجدد اللاجئين في خيم بجواره، ويقضون أوقاتا طويلة عند كراسي الحدائق والساحات مترقّبين ما سيحصل، حسب قوله.
إلى مدينة أخرى
لم تكن الخيارات كثيرة أمام الناجين من كارثة الزلزال، فنصب الخيام في ساحات وحدائق غازي عنتاب كان خيار العديد من الأتراك ممن تضررت منازلهم، ومنهم حسين أوكان (43 سنة).
يقول أوكان للجزيرة نت إن منزله، الواقع قرب القلعة بمركز المدينة، أصابته التشققات، وعلى الرغم من أنه لا يزال قابلا للسكن بعد فحصه وفق ما أبلغه المختصون لكنه قلق من العودة والسكن فيه مع عائلته، ويفكّر في الانتقال لمدينة أخرى مؤقتا.
ويتابع “لدي أقارب في ولاية أديامان لكنهم نزحوا أيضا بسبب الزلزال إلى إسطنبول، وأفكر بالانتقال إليهم مؤقتا ريثما نعرف ما ستؤول إليه الظروف في غازي عنتاب”.
محاولة العودة للحياة الطبيعية
بمرور الأيام، يتراجع عدد الخيام في بعض أحياء غازي عنتاب، ويحاول الناس العودة لحياتهم الطبيعية رويدا رويدا، حيث افتتحت ما تبقت من المحال التجارية أبوابها وقسم من سكان المدينة عادوا لأعمالهم، بينما بدأ السكان يرجعون لمنازلهم غير المتضررة.
مع ذلك، لا يزال الأهالي يراقبون تحديثات الهزّات الارتدادية التي تشاركها رئاسة آفاد على حساباتها الرسمية، متخوفين من استمرار الهزّات رغم حاجتهم للعودة إلى حياتهم الاعتيادية.
“صباحا في المنزل ومساء في الخيمة” هذا حال الشاب علاء الحسن (29 سنة) وعائلته في عنتاب، حيث يقضون فترة النهار في منزلهم بينما ينتقلون إلى خيمة أحد أقاربهم للنوم ليلا.
يقول الحسن إنه قضى الأيام الأولى من الزلزال في جامع بالقرب من منزله، من ثم انتقل للسكن مع قريبه في خيمة بمركز المدينة، ومنذ الخميس بدأ يقضي وقتا في المنزل من ثم يعود لينام مع عائلته في الخيمة.
يضيف “منزلنا لم يتضرر كثيرا، فيه بعض التشققات المتفرقة، وعند الفحص تبين أنها ليست مخيفة، لكن عائلتي لا تزال قلقة من حدوث هزّة أخرى، لذلك يقضون الليل في خيمة يملكها أقارب لنا”.
قلق متواصل
على الرغم من مرور أكثر من 13 يوما على كارثة الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري، فإن الخوف يكاد يكون نفسه لدى الكثيرين من سكان الخيام في قلب مدينة عنتاب.
من هؤلاء سيركان (مواطن تركي، 41 سنة) فضل البقاء في خيمة على العودة إلى المنزل، وقال “بادئ الأمر، قضينا ساعات طويلة في سيارتي مع عائلتي، إلى أن اشترينا خيمة وأقمناها في حديقة يشيل وادي على طرف غازي عنتاب”.
ومثل باقي سكان المدينة، أكثر ما يقلقه وعائلته الهزّات الارتدادية المستمرة. لكنه يداوم على الذهاب إلى المنزل لجلب الاحتياجات الضرورية من ثم يعود لخيمته. ويقول إن منزله -الكائن في منطقة “يدي تبه” في غازي عنتاب- لم يتعرض سوى لتشققات بسيطة إثر الزلزال، لكنه يرى أن العودة لا تزال مبكرة.
ومنذ أيام، كان حاكم المدينة داود غول قد أعلن عن انتهاء تقييم الأضرار لأكثر من 80% من مباني غازي عنتاب التي شهدت عودة كافة المرافق الحيوية من مياه وكهرباء وغاز.
وحسب تصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، خلال زيارته مدينة غازي عنتاب، فقد وصل البلاد ما يقارب 70 ألف خيمة منذ الزلزال، بينما يُنتظر شحن 55 ألف خيمة جديدة من أجل توزيعها على السكان بالمدن المتضررة.