إلى أين تتجه الأوضاع الاقتصادية في تونس؟.. نقص في السلع الأساسية وندرة للدولار | اقتصاد
تونس ـ في مكان غير بعيد عن سوق باب الفلة، أحد الأسواق الشعبية بقلب العاصمة حيث قام الرئيس التونسي قيس سعيد الثلاثاء الماضي بزيارة غير معلنة لتفقد الأسعار وتوفر المنتجات، يقف طابور طويل من الناس لشراء القهوة التي أصبح توفرها نادرا بسبب نقص الدولار لاستيرادها.
وأزمة فقدان السلع الاستهلاكية الأساسية من قهوة وسكر وحليب وأدوية، تفاقمت بشكل بارز بعد إعلان الرئيس التونسي عن تدابير استثنائية قبل عام ونصف العام.
وبينما يرجع معارضوه الأزمة إلى عدم كفاءته، يتهم الرئيس لوبيات نافذة بتجويع التونسيين.
الثلاثاء الماضي حين تجوّل الرئيس التونسي في سوق باب الفلة الذي يستقطب الفئات الهشة، قالت له امرأة إن التجار حينما علموا بقدومه خفضوا الأسعار خوفا من المحاسبة، فرد الرئيس بأن الذين يتلاعبون بقوت التونسيين سيتحملون المسؤولية أمام القانون.
وضع قاتم
يقول الرجل المتقاعد خالد البوسالمي، أحد الذين التقتهم الجزيرة نت في سوق حي الخضراء بالعاصمة، إن المعيشة أصبحت لا تطاق، وكل مؤشرات الانفلات في غلاء الأسعار والتلاعب بها والاحتكار وغياب الرقابة تنبئ بسقوطٍ وشيك للدولة.
يتجول الرجل محدقا بذهول في أسعار المنتجات المعروضة وسط السوق المليء بتجار بسطاء يبيعون الملابس المستعملة والأثاث القديم وتجار الخضروات واللحوم، معربا عن استيائه من تدهور الأوضاع المعيشية في وقت تتواتر فيه الأخبار عن تخبط الدولة في عجز مالي مربك.
وتعاني مؤسسات عمومية عدة كديوان التجارة والصيدلية المركزية من صعوبات في تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية والأدوية الضرورية، والسبب الرئيسي هو فقدان المزودين الأجانب ثقتهم في تلك المؤسسات التي ترزح تحت وطأة نقص الموارد من العملة الصعبة.
وأعلن صندوق النقد الدولي عن اجتماعاته للشهر الحالي وسط غياب تونس عن هذه الاجتماعات للشهر الثاني على التوالي لهذا العام، ليتم تأجيل طلب تونس الحصول على قسط أول من قرض قيمته 1.9 مليار دولار لدعم اقتصادها ومخزونها من العملة.
ولم يحدد الصندوق موعدا لمناقشة طلب تونس للحصول على قسط أول من ذلك القرض الذي يتيح لها إمكانية الحصول على قروض أخرى بالعملة الصعبة من مؤسسات دولية أو في إطار تعاون ثنائي بين الدول، في وقت تبقى في تونس في حاجة ماسة للاقتراض لتمويل موازنتها.
تسريع طرح الملف
على هامش القمة العالمية للحكومات بدبي، أكدت مديرة صندوق النقد كريستينا غورغيفا أنه ليس من مصلحة تونس التسريع في طرح ملفها ضمن جدول أعمال مجلس إدارة الصندوق قبل استكمال الشروط والإصلاحات المتفق عليها مع السلطات التونسية للحصول على القرض.
وقالت إن برنامج الإصلاحات تضمن إجراءات التزمت الحكومة التونسية بتنفيذها في حين لا تزال هناك إصلاحات أخرى عالقة، مؤكدة أن برنامج الإصلاحات الاقتصادية سينجح إذا ما تم تمويله من قبل الصندوق، الذي يحتاج إلى ضمانات مالية يقدمها أصدقاء تونس.
ووسط غياب اتفاق واضح مع صندوق النقد وتراجع مخزون الدولة من العملة الصعبة، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن تونس وصلت لنقطة الاختناق المالي، مؤكدا أن خفض التصنيف السيادي لتونس لأدنى مستوياته يجعلها غير قادرة على الاقتراض من الخارج.
خفض التصنيف
يؤكد سعيدان أن خفض تصنيف 4 بنوك تونسية من وكالة موديز للتصنيف السيادي يجعل الاقتراض من البنوك المحلية ومن شركات التأمين غير ممكن، مرجعا أسباب انخفاض تصنيف البنوك التونسية لارتفاع مستوى إقراضها للدولة بشكل كبير رغم وجود مخاطر عالية لدى الدولة من التخلف عن سداد ديونها.
ويرى سعيدان أن إمكانية حصول تونس على قرض من صندوق النقد أصبحت بعيدة المنال، موضحا أن الصندوق لا يمول برنامج إصلاحات بمفرده وإنما يقدم اتفاقا مبدئيا ويدعو الدولة لتعبئة موارد مالية إضافية لتغطية نفقات موازنة 2023 وتمويل برامج إصلاحات.
وتبلغ حاجة الدولة للاقتراض الإضافي لسنة 2023 ما يقارب 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، في حين تبلغ قيمة تسديد خدمة الدين وحده العام الجاري 21 مليار دينار، أي ما يقارب 30% من حجم الموازنة البالغة نحو 70 مليار دينار (22.6 مليار دولار).
ويمثل قرض صندوق النقد طوق نجاة لتونس لتجنب سيناريوهات التخلف عن سداد الدين والذهاب إلى حلول نادي باريس، ويرى عز الدين سعيدان أن البلاد قاب قوسين من حلول نادي باريس وجدولة الدين الخارجي.
ويضيف سعيدان أن صعوبات المالية العمومية لها تأثير كبير على المؤسسات العمومية التي فقدت مصداقيتها لدى المزودين بالداخل والخارج، مما جعلها غير قادرة على توفير المواد الأساسية في السوق، وهي صعوبات من المتوقع أن تتفاقم بسبب صعوبة الاقتراض من الخارج.
وتعاني تونس حاليا من تآكل سريع لاحتياطي العملة الصعبة، إذ يعادل مستوى هذا المخزون 96 يوما فقط، في حين كانت في الفترة نفسها من العام الماضي 136 يوما.
اقتراض صعب
من جهته يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، في تصريح للجزيرة نت، إن تخفيض التصنيف السيادي لتونس يجعلها في عداد البلدان التي تواجه صعوبة كبرى على مستوى تسديد ديونها الخارجية.
ويؤكد الشكندالي أن تونس تحتاج إلى موارد هامة من العملة الصعبة لتمويل موازنتها، لكن بسبب عدم قدرتها على الاقتراض سيجعل من توفير تلك الموارد مهمة مستحيلة، مما يجعل الدول المانحة التي تفكر في إقراض تونس أن تعيد التفكير خوفا من تخلف الأخيرة عن السداد.
ويرى الشكندالي أن التوجه إلى نادي باريس على غرار لبنان غير مطروح حاليا بفضل تنوع الاقتصاد التونسي ووجود موارد طبيعية قابلة للتصدير كالفوسفات، مرجحا وجود إمكانية لتدارك النقص المالي لتونس خاصة وأن مطالب صندوق النقد للموافقة على القرض “غير صعبة كثيرا”.
ويوضح الشكندالي أن صندوق النقد يحتاج إلى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها بين خبرائه والسلطات التونسية على أرض الواقع قبل الموافقة على القرض، وبالتالي فإن السلطات تحتاج لتوافقٍ مع المنظمات الاجتماعية كاتحاد الشغل وتجنب معركة كسر العظام، وفق رأيه.
ويقول الشكندالي “عدم التوافق مع اتحاد الشغل ومواجهته لا يهيئان أرضية ملائمة لتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها مع الصندوق”.
لكن حتى مع تعطل حصول تونس على قرض من صندوق النقد تبقى هناك -وفقا لمحللين- حلول أخرى ممكنة مثل تحريك عجلة التصدير، وفتح حساب بالعملة الصعبة للتونسيين المقيمين بالخارج بميزات تفضلية، لكن كل ذلك يحتاج لبعض الوقت في حين تحتاج تونس بشكل سريع لتمويل نفقاتها خاصة مع قدوم شهر رمضان.