حلقة مفرغة.. الغابات الاستوائية تدفع ثمن تغير المناخ وتزيد الانبعاثات الكربونية والاحترار | علوم
استمرار التغيرات المناخية سيؤدي إلى تعرض الغابات لمواسم جفاف شديدة، وهو ما قد يسبب انبعاث نحو 14.4 إلى 23.9 بنتاغراما من الكربون المخزن في النباتات.
تمتد النظم البيئية المدارية التي تحوي الغابات المنتشرة على جانبي خط الاستواء على مدى نحو 54 مليون كيلومتر مربع، وأشهر تلك الغابات تتضمن غابات السافانا والغابات المطيرة، وتتصف تلك المناطق بارتفاع درجة حرارتها، وارتفاع معدل سقوط الأمطار.
وتسهم الغابات الاستوائية في امتصاص الكربون الموجود بالجو وتخزينه، الأمر الذي يضع جزءا من مسؤولية الحفاظ على درجة حرارة الكوكب على عاتقها، ويرجع لتلك الغابات فضل تخزين أكثر من نصف الكربون المنبعث.
ونشرت دورية “نيتشر كلايمت تشينج” (Nature Climate Change) المعنية بأبحاث التغيرات المناخية في السادس من فبراير/شباط الجاري دراسة جديدة تشير إلى أن تقلص أحجام تلك الغابات قد يؤدي بدوره إلى زيادة الاحترار العالمي.
تقلص الغابات الاستوائية يزيد الاحترار
وفي الدراسة التي أجراها كل من باولو براندو، الأستاذ المساعد بكلية البيئة التابعة لجامعة “ييل” (Yale University) الأميركية، وماريا دل روساريو التي تقضي فترة زمالة ما بعد الدكتوراه، أشار الباحثان إلى أن استقرار مناخ الغابات الذي يتميز بحرارته وأمطاره عامل مهم يسهم في احتجاز الكربون وتخزينه، واضطراب هذا المناخ قد يحد من كمية الكربون المحتجز، بل وقد يسبب انبعاثه من النباتات مزيدا من الاحترار.
وفي البيان الصحفي المنشور بموقع “يوريك ألرت” (EureِkAlert)، شرحت روساريو ما توصلت إليه الدراسة، قائلة “تمتلك المناطق الرطبة كتلة حيوية أكبر من تلك الجافة (الكتلة الحيوية هي مجموع الكائنات الحية والمواد العضوية الموجودة بمنطقة ما)، كما تخزن كربونا أكثر، وإذا أدت التغيرات المناخية إلى تقلص حجم المناطق الرطبة، فمن المتوقع فقدان كمية كبيرة من الكربون المخزن في النباتات”.
ويعود سبب هذا التقلص المتوقع لمساحة الغابات الاستوائية إلى التغيرات المناخية المستمرة، فالتنبؤات تشير إلى تعرض تلك المناطق لموجات جفاف طويلة ومكثفة.
تنبؤات متعددة غير دقيقة
ويشير الباحثان إلى أن “نماذج نظام الأرض” (Earth System models) التي يعتمد عليها الباحثون حاليا للتنبؤ بحالة المناخ المستقبلي لا تقدم نتائج يقينية، لأنها لا تستطيع محاكاة الكوارث الطبيعية المتمثلة في الجفاف، وتأثير الرياح والحرارة الضار في الأشجار.
وتعنى هذه النماذج بتنبؤ التغيرات التي قد تطرأ على تركيب الغلاف الجوي (مثل تغير كمية الغازات الدفيئة) تجاوبا مع النشاط البشري، والتغيرات المناخية.
وللحصول على نتائج أكثر دقة، قرر الباحثان الاعتماد على “العلاقات التجريبية” (Empirical relationships) بين الغابات الاستوائية والمناخ. والعلاقات التجريبية -في هذا السياق- تعني استكشاف تأثير المناخ في نمو الغابات عبر دراسة البيانات الواقعية المستمدة من الأحداث الماضية، والربط بينها، ومن ثم التنبؤ بما هو قادم.
الربط بين المناخ ونمو الغابات
وفي هذا الصدد، اعتمد الباحثان على البيانات التاريخية المتعلقة بالتغيرات التي أصابت الغابات الاستوائية في كل قارات العالم، والربط بينها وبين التغير المناخي الحادث ما بين عامي 1950 و2009.
ووجدا أنه خلال تلك الفترة زاد انتشار المناطق الجافة بتلك الغابات نتيجة تعرضها لمناخ حار جاف، وأشارت التوقعات إلى أن استمرار التغيرات المناخية سيؤدي إلى تعرض الغابات لمواسم جفاف شديدة، وهو ما قد يسبب انبعاث نحو 14.4 إلى 23.9 بنتاغراما من الكربون المخزن في النباتات (البنتاغرام الواحد يساوي 1 مليار طن).
وقد تصل كمية الكربون المفقود من النباتات إلى ما بين 28.2 و39.7 بنتاغراما في حال استمرار ارتفاع درجة حرارة الجو، وهنا ينبغي تأكيد أن تقلص الغابات يسبب خروج الكربون المخزن الذي يؤدي بدوره إلى مزيد من الاحترار، وهو ما يسبب مزيدا من الجفاف وتقلص الغابات، فيتحول الأمر لدائرة مفرغة.
ومن المتوقع تقلص مناطق الغابات الرطبة بالأميركتين تقلصا كبيرا نظرا لتخزين الغابات هناك كميات ضخمة من الكربون، إلا أن تلك التغيرات تصير أقل حدة في قارتي آسيا وأفريقيا، نظرا لتخزين غاباتهما كميات أقل من الكربون، وبالتالي لن تتعرض تلك الغابات لموجات الجفاف الشديدة.
الحفاظ على الغابات أمر لا مفر منه
يوم 24 مارس/آذار 2022، نشرت دورية “فرونتيرز إن فورستس آند غلوبال تشينج” (Frontiers in forests and global change) دراسة حرص الباحثون خلالها على إبراز التأثيرات السلبية المتعددة لإزالة الغابات والتصحر.
وضمن مميزات عدة للغابات، فهي تسهم في استقرار درجة حرارة الأرض رغم التأثير البشري السلبي الكامن في الصناعات، وطبقا للباحثين، تسهم الغابات -خاصة الغابات الاستوائية- في خفض درجة حرارة الأرض بمعدل درجة واحدة.
وإلى جانب تخزين الكربون الذي يعتمد في الأساس على عملية التمثيل الضوئي (سحب غاز ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين) التي تمارسها النباتات، تعمل الغابات خلال المواسم شديدة الحرارة على عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، وتمتص الحرارة، وتزيد من رطوبة الجو، الأمر الذي يؤدي إلى تكون السحب وهطول الأمطار.
وطبقا لدراسة نشرت عام 2020 بدورية “ساينس” (Science)، يمكن للغابات الاستوائية الاستمرار في تخزين الكربون بشرط الحد من الاحترار العالمي بحيث لا يزيد عن 2 درجة مئوية، مقارنة بمعدلات الحرارة خلال عصور ما قبل الثورة الصناعية.