دراسة علمية تقترح إجراءات قد تحل أزمة سد النهضة إذا توافق السياسيون | علوم

شكل بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق -والذي وصف بأنه مصدر رئيسي للطاقة الكهرومائية لإثيوبيا- مصدرا للخلاف بين إثيوبيا ومصر والسودان منذ عام 2011، لإثارته مخاوف بأن يقلل تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر في مصر والسودان، وقد أدى ذلك إلى خلاف دبلوماسي بين الدول الثلاث بشأن كمية المياه التي يجب تصريفها من السد.
وتقول دراسة نشرت في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي بدورية “نيتشر كلايمت تشينج” (Nature Climate Change) إن العلم يمكن أن يوفر حلا لهذا النزاع من خلال تقديم تقييم موضوعي للتأثيرات المحتملة للسد.
قضية سد النهضة الإثيوبي العظيم
سد النهضة الإثيوبي العظيم هو سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية يقع على نهر النيل الأزرق في إثيوبيا، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا وواحد من أكبر السدود في العالم.
وبحسب إثيوبيا، فالغرض الأساسي من إنشاء السد هو توليد الكهرباء لتعويض النقص الحاد في الطاقة، وتصدير الكهرباء إلى البلدان المجاورة، ومن المتوقع أن يكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم بسعة مخططة تبلغ 6.45 غيغاواتات.
مصر لديها مخاوف جدية بشأن مشروع السد، وطلبت الفحص والتفتيش على تصميمه ودراساته من أجل تهدئة المخاوف، ولكن إثيوبيا رفضت هذا الطلب، ولم يتم التوقيع على اتفاق التعاون الإطاري من قبل مصر أو السودان، لأنهما يعتبران أنه ينتهك معاهدة 1959 التي تعطي حقوقا حصرية للسودان ومصر في مياه النيل.
وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2019 أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية أن مفاوضات سد النهضة الإثيوبي قد وصلت إلى طريق مسدود نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه أكد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أنه إذا اضطرت بلاده إلى خوض حرب بشأن سد النهضة فيمكن لها أن تحشد الملايين من أجل المواجهة.
وفي 15 يوليو/تموز 2020 أعلن وزير الري الإثيوبي عن البدء في ملء سد النهضة رغم عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث.

حلول علمية
حاولت مصر وإثيوبيا والسودان حل الخلافات منذ أن بدأ بناء السد في عام 2011، ولكنها فشلت في التوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف.
ومن أهم الخلافات سرعة استكمال المشروع وحجم المياه التي سيتم صرفها لتشغيل التوربينات المولدة للكهرباء، حيث تريد مصر كميات أقل من المياه ومزيدا من الوقت قبل تشغيل السد، لكن إثيوبيا رفضت ومضت قدما في استكمال مخططها لبناء السد.
يقول محمد بشير -من قسم الهندسة الميكانيكية والفضاء والهندسة المدنية في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، والمؤلف الأول للدراسة لدورية “نيتشر”- إن الفكرة “هي دمج السلوك التعاوني بين الدول”.
وأضاف أن الدراسة توضح كيف يمكن لكل دولة مساعدة الأخرى، وكيف يمكن الاعتناء ببعضها البعض.
وضع بشير وزملاؤه نموذجا لكيفية تأثير تغير المناخ على هيدرولوجيا حوض النيل والتأثير الناتج عن ذلك على اقتصاد كل بلد، وعلى أساس هذه البيانات استخدموا الذكاء الاصطناعي لإنشاء سيناريوهات لكيفية تشغيل السد لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية مع التكيف مع آثار تغير المناخ.
ووجدوا أنه إذا تم تشغيل السد بما يحقق المصالح الفضلى لدولة ما، فستقل الفوائد نسبيا للبلدين الآخرين. فعلى سبيل المثال، يؤدي السيناريو الذي تحصل فيه إثيوبيا على الحد الأقصى من الطاقة الكهرمائية لنقص مياه الري لدى مصر. أما في حال قامت مصر بتعظيم استخدامها للطاقة الكهرمائية، فإن إثيوبيا ستعاني من خسائر في الطاقة.
وهنا، يقترح الباحثون سيناريو حل وسط تساعد فيه البلدان الثلاثة بعضها البعض. على سبيل المثال، يمكن للعلماء استخدام النماذج الهيدرولوجية لمحاكاة سيناريوهات مختلفة وتحديد كمية المياه التي ستكون متاحة في اتجاه مجرى النهر في ظل ظروف تشغيل مختلفة، فعندما يكون هناك نقص كبير في تدفق المياه في اتجاه السودان ومصر، يجب على إثيوبيا زيادة تدفق المياه؛ ويمكنها أن تقلل تدفق المياه بعد ذلك عندما يقل هطول الأمطار على أثيوبيا.
وباستخدام النماذج الهيدرولوجية وصور الأقمار الصناعية وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد والأدوات العلمية الأخرى يرى الباحثون أنه يمكن توفير طريقة موضوعية للبلدان الثلاثة لحل خلافها على سد النهضة دون اللجوء إلى المشاحنات الدبلوماسية أو العمل العسكري.
ومن الممكن التوصل إلى حل عادل يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف مع تقليل أي آثار سلبية محتملة على دول المصب، ويأمل الباحثون أن تكون دراستهم مفيدة للمفاوضات الجارية التي يشارك فيها الاتحاد الأفريقي والحكومة الأميركية والبنك الدولي.

مجموعة من الحلول المثلى
ووفقا لبشير، فإن دراستهم “لا تقدم حلولا فردية، ولكنها توفر مجموعة من الحلول المثلى التي يمكن للأطراف المعنية التفاوض بناء عليها”.
من جهته، قال كيفن ويلر الباحث في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة -والذي لم يشارك في الدراسة- إن التحدي يتمثل في جعل الدول الثلاث تقبل حقيقة أنها بحاجة إلى تقديم تنازلات.
ويتساءل ويلر “كيف تجعل الأطراف المتنازعة تتبنى مخرجات الحاسوب؟”، ويضيف أن هذه هي “المشكلة الأساسية”.
من جهته، يقول شرف الدين بانقا المهندس المدني في كلية المدينة للعلوم والتكنولوجيا في الخرطوم ووزير البنية التحتية السابق في السودان -والذي بدوره لم يشارك في الدراسة- إن خطة المؤلفين تقدم “حلا يربح فيه الجميع بهذه البلدان”، ويضيف “لكن عليهم أن يتعاونوا في ما بينهم”.