بعد زلزال القرن في تركيا وسوريا.. هل تراعي المباني العراقية المخاطر الزلزالية؟ | سياسة
أربيل- بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غربي سوريا وحصد أرواح عشرات آلاف الضحايا، باتت الزلازل هاجسا مخيفا لدى العراقيين، لا سيما مع إحساس سكان المدن الشمالية بالهزات الأرضية الارتدادية وتساؤلاتهم عن وضع المباني والأبراج السكنية التي تزايدت وتيرة إنشائها بعد عام 2003 وخاصة في مدن بغداد وإقليم كردستان والمدن الأخرى.
يقع العراق على الصفيحة العربية الملاصقة لكل من الصفيحة الإيرانية وصفيحة الأناضول، حيث تتأثر على مدار العام بالهزات الأرضية كما الحال في مدن السليمانية ومندلي وخانقين ومناطق أخرى وهي الأكثر تعرضا للهزات من غيرها من المدن مع محاذاتها للصفيحة الإيرانية الشرقية.
متطلبات البناء
يتطلّب بناء المجمعات السكنية في العراق الحصول على موافقات قطاعية من عدة جهات حكومية، أبرزها الهيئة العامة للإسكان التابعة لوزارة الإعمار والإسكان، إضافة إلى موافقة وزارة البلديات والهيئة الوطنية للاستثمار وأمانة بغداد وغيرها من الجهات الأخرى.
وقد تواصلت الجزيرة نت مع مصدرين من إعلام وزارة الإعمار للوقوف على دور الوزارة إزاء المجمعات السكنية في البلاد، وإذا كانت مراعية للمخاطر الزلزالية مع إحصاء عدد الأبراج السكنية، إلا أن المصدرين رفضا الحديث مبررين ذلك بعدم امتلاكهما تصريحا بالحديث لوسائل الإعلام.
وحسب استقصاء الجزيرة نت، توجد العديد من المشاريع السكنية العملاقة في العاصمة بغداد، منها بسماية ودار السلام والمنصور سيتي والعطيفية وبوابة بغداد وغيرها من المشاريع الأخرى التي تباع بأسعار مرتفعة.
معايير البناء
بدوره، يكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي -في حديث للجزيرة نت- عن وجود أكثر من 119 مشروعا ضمن الخطط التنموية للوزارة، بالإضافة إلى 15 مدينة سكنية عمودية جديدة منتشرة في أغلب محافظات بغداد وكربلاء والنجف والأنبار وكركوك وواسط والبصرة، في خطوة تستهدف معالجة أزمة السكن التي تحتاج إلى 3 ملايين وحدة سكنية.
وتعدّ الهيئة الوطنية للاستثمار (مؤسسة حكومية) أبرز جهة حكومية تعمل على تعزيز واستقطاب وجذب رؤوس الأموال والشركات الاستثمارية للعراق لتلك التي تزيد كلفتها الاستثمارية على 250 مليون دولار، حيث تعد الهيئة إحدى الجهات المشرفة على المخططات التفصيلية والنهائية للمشاريع السكنية العمودية.
وعن دور هيئتها في بناء تلك المجمعات، تعلق المتحدثة الرسمية باسم الهيئة حنان جاسم بأن الهيئة الوطنية للاستثمار هي الجهة المشرفة على نشاط الاستثمار في العراق عموما، مبينة -في حديثها للجزيرة نت- أن الهيئة تعمل على إحالة مخططات المجمعات السكنية إلى مكتب استشاري حكومي لأجل التدقيق والرقابة وفحص مدى توفر شروط الأمان والسلامة اللازمة بتلك المجمعات ومن ضمنها مقاييس الزلازل وغيرها، وأن الهيئة لا تمنح الموافقات لأي مشاريع تفتقر إلى تلك الشروط والمعايير.
إقليم كردستان
وبالانتقال إلى إقليم كردستان، حيث تنقسم طريقة بناء المجمعات السكنية العمودية فيها إلى فئتين: الأولى منخفضة الكلفة لفئات محدودي الدخل وبأسعار بين 45-60 ألف دولار أميركي، حيث تفتقر هذه الفئة بوجه عام إلى شروط ومعايير السلامة التي تحميها من الكوارث الطبيعية كالزلازل، حسب مراقبين.
أما الفئة الثانية فتمتع بمواصفات متوسطة وعالية، وتبدأ أسعارها من 80 ألف دولار فصاعدا، وتصل إلى 300 ألف دولار أميركي، وجزء منها يفتقد معايير السلامة العالمية وشروطها، بينما يكون القسم الآخر منها بمواصفات عالمية رصينة تراعي جميع شروط مقاومة الزلازل.
من جهته، ينتقد رئيس اتحاد مستثمري كردستان ياسين محمود رشيد عدم مراعاة الشروط الهندسية والمعايير المطلوبة التي تساعد المباني الضخمة والأبراج العمودية على مقاومة الزلازل كما في بعض البلدان مثل اليابان، مؤكدا أنه لو ضربت قوة زلازل تركيا وسوريا في العراق فستكون الأضرار والكوارث أكبر وأكثر وأخطر سواء في الإقليم أو العراق عموما.
ومن الجدير ذكره أن هيئة الاستثمار في إقليم كردستان تمنح بعض مشاريع الإسكان تراخيص للبناء استنادا إلى قانون الاستثمار المعمول به في الإقليم، وأن عدد الوحدات السكنية التي بنيت وفق هذه الطريقة تقدر بنحو 220 ألف وحدة سكنية بمختلف الأشكال والمساحات، في الوقت الذي تمنح فيه دوائر البلدية تراخيص بناء المشاريع لقسم آخر، حيث يبلغ عدد وحداتها السكانية نحو 100 ألف وحدة سكنية، حسب رشيد الذي أكد وجود أكثر من 450 بناية تجارية كبيرة ومتوسطة وصغيرة بالإقليم.
إجراءات وقائية
وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، ومن أجل منع تكرار مأساة الضحايا في العراق، يشدد رشيد -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة عدم منح أي تراخيص بناء للمجمعات السكنية والأبراج العمودية ما لم تتوفر فيها شروط ومعايير السلامة المقاومة للزلازل.
ويكمل رئيس اتحاد مستثمري كردستان حديثه بانتقاده الجهات والمؤسسات الحكومية في الإقليم وكذلك النقابات والاتحادات المعنية بالأمور الهندسية، محمّلا إياها مسؤولية عدم توفر تلك الشروط والمعايير في جزء واسع من المجمعات السكنية، أما عن الأضرار فلا يقف رشيد عند ما تسببه الزلازل من انهيارات للمباني والمجمعات فحسب، وإنما يضيف أضرارا اقتصادية أخرى تكمن في انخفاض أسعار تلك المشاريع وتراجع الطلب عليها.
شروط مقاومة الزلازل
أما عن الجانب الجيولوجي وربطه بشروط ومعايير السلامة في المباني والأبراج السكنية العمودية، تتفق نائبة نقيب الجيولوجيين في العراق مديحة محمد النعيمي مع رشيد بالقول “ليست جميع المنشآت والمباني العراقية مصمّمة على أسس الصيانة المحمية من المخاطر الزلزالية”.
وفي حديثها للجزيرة نت، تؤكد النعيمي ضرورة استشارة الخبير الجيولوجي عند اختيار مواقع بناء المباني والأبراج العمودية لدراسة طبيعة ومواصفات الطبقات الصخرية التي سيُقام عليها البناء من جهة وتفاصيل التصاميم الهندسية من جهة أخرى، لافتة إلى أن أبرز الشروط الواجب توفرها عند بناء المجمعات السكنية العمودية تتعلق بدراسة الأرض التي تقام عليها الأبنية بكل أنواعها من حيث الصلادة ونوعية الصخور وارتفاع منسوب المياه الجوفية، حسب قولها.
في السياق، يكشف مسؤول شعبة المحطات الزلزالية العراقية سلوان غازي ذنون -للجزيرة نت- عن أبرز الأسباب التي تزيد من سرعة انهيار المباني والأبراج العمودية بفعل الزلازل، ومنها ما يتعلق بأبعاد المباني وكثافة العناصر الإنشائية وتوزيعها على التربة بوجود مقاييس معينة لا بد من أخذها بالاعتبار.
ويستطرد قائلا “إن البناء فوق المباني القديمة يزيد من ضعف المقاومة، لا سيما إذا لم تعالج الأرض قبل البناء، إن توزيع فتحات النوافذ والأبواب في الجدران الداخلية مع وزن المبنى يزيد من قوّته، إن المباني النحيفة مثل تلك الموجودة في كردستان يجب ألا يزيد عدد طوابقها على 4 أو 5، لكن هذا غير موجود في بعض المجمعات، ولا سيما في أربيل، الأمر الذي يجعلها عرضة لتكون من أكثر المباني تضرّرا في حال وقوع زلازل قوية”.
دور الدفاع المدني
من جانبه، يكشف منسق الإعلام في مديرية الدفاع المدني في العراق نؤاس صباح عن اتخاذ مديريته خطوات سريعة؛ بعد دخول البلاد على الخط الزلزالي، من حيث نشر الوعي الوقائي لدى المواطنين حول كيفية التعامل مع الزلازل، خاصة أن العراق حديث عهد بالزلازل وكان نادرا ما يُسجل هزّات باستثناء الخفيفة منها.
ووضعت مديرية الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية الاتحادية خطة متكاملة للتعامل مع الزلازل في حال وقوعها، مبينا في حديثه للجزيرة نت أن مسؤوليات مديريته في هذا الجانب تتمحور في الدعم الاستشاري حسب قانون الدفاع المدني المعمول به في البلاد.