المباني المقاومة للزلازل.. كيف تصمَّم؟ وكيف تخمد القوة التدميرية للهزات الأرضية؟ | الموسوعة
للمباني مواصفات وقواعد تراعي السلامة ومواجهة الظروف المحيطة بها، وفي المناطق التي تقع فوق البؤر الزلزالية عبر العالم تكون هذه المعايير أكثر صرامة، وأكثر إبداعا، ويتم من خلالها تزويد المباني بتقنيات تساعد على إخماد قوة الزلازل.
فما مواصفات المباني المقاومة للزلازل؟ وكيف يعمل المهندسون على تقويتها وتصميمها بشكل يجعلها لا تتأثر بالهزات والارتدادات؟ وما أبرز الدول التي تستخدم هذا النوع من البناء؟ وما أشهر المباني العالمية التي تتوفر فيها معايير مقاومة الزلازل؟
تتميز المباني عامة، وتلك المقاومة للزلازل خاصة، بمجموعة من الخصائص التي تجعلها صالحة للسكن والاستخدام، وتندرج هذه الخصائص ضمن 3 محاور رئيسية؛ يحاول المهندسون جاهدين التوفيق بينها، بما يضمن سلامة البناء، والوجه الأمثل لاستخدامه، وهذه المحاور هي:
المرونة
هناك مستويان رئيسيان من المرونة يسعى المهندسون لضمانهما؛ أولهما هو ذاك الضروري للصمود في وجه الزلازل الأقل قوة، من النوع الذي يمكن أن يضرب أي مبنى 3 أو 4 مرات خلال عمره الافتراضي.
وفي هذا المستوى، يهدف مهندسو الإنشاءات إلى الحيلولة دون حدوث أي أضرار تحتاج لإصلاح في المبنى جراء هذه الزلازل ضعيفة القوة، وهو ما يعني أن يكون التصميم مُحكما على نحو يُمكّن البناء من مواجهة أي من هذه الهزات الزلزالية بدون أن تُلحِق به أذى.
أما المستوى الثاني من المرونة، فهو ذاك اللازم لمواجهة الزلازل شديدة القوة، وهي أقل عددا وفرصا في الحدوث مُقارنة بالنوع السابق.
ففي اليابان مثلا، تم تحديد مستوى مثل هذه الهزات بناء على شدة زلزال كانتو الكبير الذي حدث عام 1923، وبلغت شدته 7.9 درجات على مقياس ريختر، ما أدى لتدمير مدينتَي طوكيو ويوكوهاما، ومقتل أكثر من 140 ألف شخص.
المتانة
وتتمثل في تعديل وتصحيح مقاومة وصلابة العناصر الإنشائية منفردة، أو الجملة الإنشائية ككل، وذلك لتحسين أداء المبنى ضد الزلازل المفترضة، وتشمل التقوية غالبا زيادة مقاومة العناصر المنفردة أو مطاوعتها أو إضافة عناصر إنشائية جديدة لزيادة مقاومة المبنى للقوى الجانبية بشكل جيد.
ويعتبر حديد التسليح المادة الأقوى في البناء، ويستخدم في تسليح المباني الخرسانية باستخدام قضبان فولاذية عالية المقاومة، وتتوفر بأقطار ما بين 6 مليمترات إلى 40 مليمترا وأكثر.
ويستخدم الحديد نظرا لمقاومته العالية لقوى الضغط والشد بنفس الكفاءة، ويعد من أهم المواد المطاوعة، ما يجعله مساعدا على تحقيق مطاوعة أعلى في المباني الخرسانية، بقدرته على احتواء أحمال أعلى بدون انهيار مفاجئ.
اللمسات الجمالية والإبداعية
لكن طرق جعل المبنى مرنا بما يكفي للصمود أمام الزلازل لا تقتصر على استخدام وسائل معقدة تستهدف امتصاص الطاقة الزلزالية وتخفيف قوة الاهتزازات، بل إن هناك أساليب أخرى تُعنى بالتصميم الداخلي والخارجي للمبنى وهيئته كذلك.
فالحالة المثالية هي أن يكون المبنى منتظما ومتناسقا بقدر الإمكان، وإذا ما كانت الطوابق كلها بالارتفاع نفسه وكانت الأعمدة على شكل شبكة تفصلها مسافات متساوية، فإن ذلك يزيد قدرة المبنى على الصمود أمام أي زلزال.
لكن مصممي ناطحات السحاب ذات الشكل المتميز لا يرحبون في أغلب الأحيان بتقديم مثل هذا النوع من التنازلات، ما يجعل من الشائع حدوث تباينات بين المعايير المطلوبة من جانب المهندسين لجعل المبنى قادرا على مقاومة الزلازل.
برج “سكاي تري” الموجود في طوكيو، وهو ثاني أعلى مبنى في العالم، شيّد على طراز معماري معروف باسم “المستقبلية الجديدة”، تتجلى فيه العناصر المعمارية من تصميمات المعابد اليابانية التقليدية المعروفة باسم “باغودا”.
كما يتضمن عمودا مركزيا مرتبطا بصمامات زلزالية. ويمكن للعمود والصمامات أن تمتص مجتمعة الطاقة التي يوّلدها الزلزال.
القواعد التنظيمية التي تعتمدها هيئات السلامة
في مختلف الدول تَعتمد الهيئات الهندسية والسلطات المحلية لمنح تراخيص البناء معايير ومحدِّدات تشريعية ومهنية، من شأنها ضمان الحد المطلوب من معايير السلامة عند إنشاء المباني، وتتم مراقبة مدى مراعاة المباني لشروط الأمان وسلامة المواطنين، ودرجة حمايتها من الكوارث الطبيعية، ومن هذه المعايير والمحددات:
- تحديد خريطة الفوالق أو الصدوع بين الصفائح الأرضية (التكتونات)، وهو معيار مهم يتحدد على أساسه قرب البلد أو بُعده عن خطر الزلازل.
- بناء على المعيار الأول يمكن تحديد مواصفات المواد الإنشائية الأساسية للبناء، والمعامِلات الهندسية لها (كودات البناء)، وذلك بناء على الموقع الجغرافي والجيولوجي للبلد.
- كما أن الغرض من استخدام البناء، سواء كان سكنيا أو تجاريا أو أمنيا، وحجمه وعدد أدواره له تأثير مهم في تطبيق القواعد التنظيمية.
- وتدخل في هذه المعايير التكلفة المادية، فلا ينبغي تطبيق مواصفات أعلى مما تستلزمه المنطقة الجغرافية، فيكون إسرافا غير مبرر، كما لا ينبغي التساهل في تطبيق المواصفات المطلوبة بحجّة ضبط الإنفاق.
التقنيات المضادة للزلازل
تقنية الأساسات المعزولة: وتتلخص في استخدام قواعد مطّاطية بسُمْك معين، توضع أسفل الأساسات الخرسانية للبناء، وتساعد لدانتها ومرونتها على امتصاص وإخماد طاقة الهزات الأرضية. وتستخدم هذه الطريقة استخداما واسعا في اليابان، حيث يستخدم 9 آلاف مبنى هذه الطريقة.
وتتبنى دول أخرى، مثل تشيلي والصين وإيطاليا والمكسيك وبيرو وتركيا والولايات المتحدة هذه التقنيات بدرجات متفاوتة، ومن المباني الشهيرة حول العالم المبنية بهذه الطريقة مبنى الكابيتول في ولاية يوتاه، حيث صُمم لتحمل زلزال بقوة 7.3 درجات على مقياس ريختر.
تقنية المثبط الكتلي: تستخدم هذه التقنية كتلة ثقيلة متأرجحة (مصنوعة من الصلب) تعمل دور بندول (نوّاس) مركزي مصمم للتأرجح عكس الانحناء الذي يسببه الزلزال في المباني لمعادلة تأثير الهزة الأرضية.
وفي بعض الأحيان تكون الكتلة مصممة من خلال سائل يتحرك بنفس طريقة البندول (معاكس للانحناء) لعكس التأثير الذي يسببه الزلزال.
يذكر أن مبنى (تايبيه 101) في تايوان مصمم وفق هذه الطريقة، بالإضافة إلى مبنى برج خليفة في الإمارات.
تقنية الجسر المركزي: حيث يربط جسر منزلق مصمم لامتصاص الصدمات مبنيين عاليين عادة، وقد صمم برج “بتروناس” التوأم في ماليزيا الذي أنجز عام 1999 بهذه الطريقة، وهو أطول برج توأم في العالم بارتفاع 452 مترا.
ويرتبط البرجان الزجاجيان بجسر مركزي تم تصميمه للانزلاق داخل وخارج المبنى، ويبدو أن هناك أحمالا جانبية كبيرة تؤثر على المبنى.
التهدم المحسوب: في حالة حدوث زلزال شديد، تم تصميم معظم المباني الأميركية لتنهار بشكل محسوب، مما يؤدي إلى تبديد طاقة الزلزال من خلال الأضرار، والهدف هو الحفاظ على الأرواح، لكن المبنى -مثل السيارة بعد وقوع حادث- سيصبح عديم الفائدة، وتدرس بعض المدن مثل سان فرانسيسكو قواعد تتطلب أن تكون المباني أكثر صلابة، على غرار تلك الموجودة في اليابان.
تعزيز الأساسات: حيث يمكن أن يساعد إنشاء أساس مرن للمبنى على البقاء واقفا أثناء الزلزال، وذلك ببناء أساس مصنوع من الخرسانة المسلحة وشرائط متقاطعة فوق وسادة وسيطة من الرمل.
صرف المياه: المياه المتجمعة يمكن أن تخلق مضاعفات هيكلية، ويقترح بناء آليات تصريف للمياه المتجمعة لمساعدة الهياكل على تحمل الزلازل.
التعزيز الهيكلي: لدى المهندسين والمصممين طرق مختلفة لتقوية هيكل المبنى ضد الزلازل المحتملة، مما يؤدي إلى تصريف القوى الزلزالية وإعادة توجيهها.
البناء بمواد لينة: يمكن للمواد ذات الليونة العالية امتصاص كميات كبيرة من الطاقة بدون أن تتحطم، ويعد الطوب والخرسانة من المواد منخفضة الليونة، لكن مواد مثل الفولاذ المعدل والخرسانة المسلحة بشكل مبتكر بالألياف يمكن أن توفر ليونة مشابهة. وقد أظهرت شركة هندسة مدنية كيف يمكن للناس في إندونيسيا بناء منازل مقاومة للزلازل بالكامل تقريبا من الخيزران.
أشهر الدول التي تتبنّى التقنيات المقاوِمة للزلازل
تعد اليابان البلد الأول، بدون منازع، الذي يتبنى تقنيات خاصة في مجال الحد من خطر الزلازل، وغني عن القول أن هذا الحرص جاء من كون أرخبيل جزر اليابان يقع في منطقة جيولوجية تسمى “حزام النار”، عرضة للزلازل على مدار العام.
وهنالك دول أخرى تتبنى شروطا متقدمة في مجال السلامة من الزلازل، ولكنها متفاوتة في مدى تطبيقها لهذه الشروط، وتعد الصين وتشيلي وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة وتايوان والمكسيك من الدول التي تنتهج سياسات خاصة ومتقدمة في مجال الحماية من الزلازل، وتلحق بها بلدان أخرى، وفق قربها أو بعدها عن مراكز الزلازل.
مبانٍ عالمية مشهورة بمقاومة الزلازل
ناطحة سحاب تايبيه 101 بتايوان: ربما تكون تايبيه 101 واحدة من أكثر ناطحات السحاب الشاهقة روعة في العالم. وبغض النظر عن الهندسة المعمارية، فإن الحقيقة المذهلة حولها هي أنها تضم أكبر مخمد كتلة مضبوط في العالم، وهي في الأساس كرة معدنية عملاقة تتصدى للأحمال العابرة الكبيرة مثل الرياح والزلازل، لتقليل تأثير البرج الفائق.
برج خليفة
يعد برج خليفة في الإمارات العربية المتحدة أحد أكثر الهياكل الفائقة شهرة في العالم، كما أنه مبنى مقاوم للزلازل، يتكون هيكله من أرضيات ميكانيكية تربط جدران الركائز بالأعمدة المحيطة بالجدران الداخلية، وأعمدة المحيط قادرة على دعم المقاومة الجانبية للهيكل.
وتساعد الأعمدة أيضا في حمل أحمال الجاذبية، ونتيجة لذلك فإن برج خليفة شديد الصلابة في كلا الاتجاهين الجانبي والالتوائي.
مطار صبيحة كوكجن الدولي: وهو أحد المطارات الرئيسية التي تخدم مدينة إسطنبول التاريخية، وهو أيضا أحد أكثر المباني مقاومة للزلازل في العالم. وهو أحد المطارين الدوليين في إسطنبول، ويقع بالقرب من صدع شمال الأناضول.