أول مسجد بتركيا وكنيسة تلامذة المسيح.. الزلزال يدمر معالم التاريخ في أنطاكيا العريقة | ثقافة
بين كومة أنقاض تغطي قاعة الصلاة في مسجد حبيب النجار، وهو الأقدم في تركيا، يمكن رؤية حطام المئذنة، فقد قضى الزلزال المدمّر الذي أودى بأكثر من 35 ألف شخص في تركيا وسوريا، أيضا على 14 قرنا من التاريخ في مدينة أنطاكيا، أو أنتيوخيا كما كانت تعرف لدى الإغريق.
وأظهرت صور أقمار صناعية خاصة بوكالة سند -التقطت في 8 فبراير/شباط عبر شركة “إيرباص” (Airbus)- تهدما في مسجد حبيب النجار وعدد من المباني بالمنطقة المحيطة به، بالمقارنة مع الصور الملتقطة من شركة “مكسار” (Maxar) بتاريخ ديسمبر/كانون الثاني 2022 قبل الزلزال.
أول مسجد بتركيا
ومسجد حبيب النجار الذي “يُعتبر أول مسجد بُني داخل حدود تركيا الحالية” بحسب الحكومة التركية، شُيّد عام 638 م (16-17هجرية).
وحدها الجدران الخارجية صمدت. وباتت الرسوم الداخلية بالأصفر والأحمر والأزرق، وكذلك الكتابات على الجدران عرضة للرياح.
تقول امرأة خمسينية تُدعى حواء باموكجو بـ “قلب مفطور” إن “قطعة صغيرة من لحية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كانت محفوظة ومعروضة في المسجد لكن لم يُعثر عليها بعد”.
كنيسة أنطاكيا
على بعد مئات الأمتار، لحقت أضرار أيضا بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي كانت مقرا لبطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وأسسها بطرس وبولس، وشُيّد بناء الكنيسة بالقرن الـ 14 وأُعيد إعمارها عام 1870 إثر هزّة أرضية.
ويمكن رؤية الصليب الأبيض الكبير الذي كان مرفوعا أعلى الكنيسة، وسط أكوام الحجارة والألواح الخشبية.
ويوضح سيرتاتش بول بوزكورت العضو بمجلس إدارة الكنيسة، أن “كل الجدران انهارت. نحن في حالة يأس” آملا إعادة بنائها.
وترتبط أنطاكيا بتاريخ المسيحية ارتباطا وثيقا، وفيها اتخذ أتباع المسيح عليه السلام لقب مسيحيين، فينسب لها أحد الكراسي الرسولية الرئيسية (بطريركية أنطاكيا) ووجد فيها تلامذة المسيح الأوائل والجماعات المسيحية المبكرة منذ القرن الأول الميلادي، وتضم أيضا كنيسة القديس بطرس في سفح الجبل المطل على المدينة والتي يعتقد أن القديس بطرس ألقى أول خطبة له فيها وكانت ملجأ لأوائل المسيحيين بمن فيهم البابا الأول القديس بطرس.
وفي المدينة القديمة في أنطاكيا، ليس بالإمكان الوصول إلى عدد كبير من الشوارع بسبب أنقاض المباني المدمّرة.
تقاطع حضارات وتاريخ عريق
على مرّ تاريخها الذي يتجاوز ألف سنة، توالى على أنطاكيا، التي أسّسها الإسكندر الأكبر عام 300 قبل الميلاد، الإغريق والرومان والبيزنطيون والفرس والعرب والعثمانيون، والفرنسيون لفترة وجيزة بين الحرب العالمية الأولى و1939 عندما سُلّمت لتركيا.
وشهدت المنطقة زلازل كثيرة، واحد كل قرن، دمّرتها وأُعيد إعمار أنطاكيا مرارا. وأبرز الهزّات التي ضربتها كانت عامَي 147 و37 قبل الميلاد، ولاحقا عامَي 115 و458 م وسنة 526 قضى 250 ألف شخص، وفي سنة 1054 قُتل 10 آلاف شخص.
ويروي هاكان ميرتكان -وهو طالب دكتوراه في جامعة بايرويت الألمانية ومعدّ دراسة عن هذه المدينة، أن “أنتيوخيا مهد الكثير من الأحداث التاريخية” كما أنها “مهد الهزّات الأرضية”.
وتقع تركيا وكذلك سوريا “عند تقاطع جزء كبير من التاريخ القديم المشترك للبشرية” وفق قول أبارنا تاندون مسؤول برنامج بالمركز الدولي لدرس صون وترميم الممتلكات الثقافية.
تراث عالمي
وتقع نحو 6 مواقع تصنّفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ضمن التراث العالمي للبشرية، في المنطقة المتضررة جراء الزلزال الأخير.
وتذكّر يمنى تابت من لجنة التراث العالمي بأن حلب في سوريا وهي أيضًا مركز “تقاطع للحضارات” سبق أن “دُمّرت بنسبة 60% عام 1822 بسبب زلزال. وقد لحقت “أضرار جسيمة” بقلعتها هذه المرة، بحسب الوكالة الأممية.
وينبغي حتما أن يأتي خبراء لتقييم شدّة الأضرار، بحسب سمير عبد الله المسؤول في المجلس الدولي للمعالم والمواقع، وهو منظمة دولية غير حكومية تعمل في مجال حماية التراث في العالم والمحافظة عليه.
ويؤكد عبد الله أنه ينبغي أيضًا إيلاء الاهتمام بمواقع غير مدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي كتلك الموجودة في أنطاكيا.
ويحذّر من أن التشققات التي تبدو “بسيطة” وبدون تداعيات بالعين المجردة “قد تضعف المعلم” إلى درجة “قد ينهار وحده بعد بضعة أسابيع”.
الأولوية للأرواح
لكن يشدد خبراء التراث على أن “الأولوية لإنقاذ الأرواح” مما يفرض إعطاء أهمية أقلّ في البداية للمواقع التراثية.
وكدليل على ذلك لقاء أجرته وكالة الصحافة الفرنسية مع مسؤول محلي بالمدينة القديمة في أنطاكيا حيث فقد صوابه عندما سُئل عن التراث والتاريخ. وقال “فقدتُ للتو شقيقين وابن شقيقي. أُجلي زوجته وابنتي اليوم. لم يعد لديّ مال، لا شيء” مضيفًا “بصراحة، لديّ أولويات مختلفة عن التراث حاليا”.