سجونها من بين الأسوأ عالميا.. إسرائيل تنتهج منظومة كاملة لتعذيب الأسرى الفلسطينيين | سياسة
غزة- نحو 28 عاما قضاها هلال جرادات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كان خلالها شاهدا على صنوف من القمع والتعذيب، التي تمارسها مصلحة السجون، لتجعل من “الظروف الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين جحيما لا يطاق”.
جرادات ومختصون في القانون الدولي يضعون سجون الاحتلال في “القائمة السوداء” رفقة أسوأ السجون في “الدول الفاشية”، من حيث استخدامها أساليب البطش والقمع والحرمان من أبسط الحقوق التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية.
ولم تكتف سلطات الاحتلال بسنوات القهر التي قضاها جرادات في سجونها، وأبعدته مع آخرين من رفاقه إلى قطاع غزة، في إطار صفقة “وفاء الأحرار” التي أبرمتها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2011، وأفرجت بموجبها الحركة عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي وقع في قبضتها عام 2006.
تعذيب ممنهج
منذ لحظة الاعتقال الأولى، وكان وقتها في الـ18 من عمره، وحتى بلوغه حاليا 59 عاما، لا تزال ذاكرة جرادات تختزن كثيرا من الذكريات الأليمة التي علقت بها منذ سنوات الاعتقال، ويقول للجزيرة نت “كأن إسرائيل في تعاملها مع الأسرى تقرأ المواثيق والاتفاقيات الدولية وتمارس كل فعل يخترقها ويتنافى معها”.
ويبدأ انتهاك سلطات الاحتلال لحقوق الأسرى الفلسطينيين بعدم اعترافها بهم بوصفهم أسرى، بل تعدهم “سجناء” تجاوزوا القوانين الإسرائيلية، حسب جرادات، وهو برتبة لواء في السلطة الفلسطينية ونال بعد تحرره من السجن درجة الدكتوراة، وينشط في مجال الدفاع عن الأسرى.
وبعد الاعتقال وما يمر به الأسير من تحقيق قاس -وفقا لرواية جرادات- يتم تقديمه إلى محاكم عسكرية تتعامل معه كمجرم اقترف جريمة أمنية أو جنائية، وليس كأسير حرب أو مقاتل من أجل الحرية تنطبق عليه القوانين والمواثيق الدولية.
ويزج بهذا الأسير في السجن، وقد يناله من عذابات العزل الانفرادي لشهور أو سنوات، وفي وصف سجون الاحتلال يقول جرادات: “إنها ذات بناء هندسي يشارك في تنفيذه خبراء في علم النفس، ويشكل مع ملابس الأسير وألوانها ضغوطا نفسية شديدة تبقى آثارها عالقة في ذاكرة الأسير لسنوات طويلة”.
وفي هذه السجون قائمة لا تنتهي من المحظورات، تشمل تفاصيل صغيرة من “أشياء لا يتصورها العقل” -حسب وصف جرادات- كالحرمان من الطعام الجيد كمّا ونوعا، والحرمان من ساعات النوم الكافية، مرورا بعدم رؤية الشمس، وحتى زيارة الأهل، وقال: “الأصل في الأشياء داخل السجون هو المنع وما دونه استثناء، مع كثير من القيود المشددة”.
هذا الحرمان دفع أسيرا كان يرافق جرادات في سجنه إلى التقاط بضع حبات من العنب تساقطت من يد أحد السجانين، الأمر الذي اعتبرته إدارة السجن مخالفة استوجبت عقابه بالسجن الانفرادي داخل زنزانة.
وبالنسبة لجرادات نفسه، فإنه اشتهى على مدار سنوات اعتقاله الطويلة أكثر من 20 صنفا من الفواكه، لم يتذوقها، ولم يشاهدها بعينه بالمطلق داخل السجن، إذ تحدد مصلحة السجون القائمة المسموح بها في الكانتينا (مقصف السجن)، وتتعمد حرمان الأسرى رغم أنهم يحصلون عليها بأموالهم الخاصة.
الأسوأ عالميا
ويختصر أستاذ القانون الدولي في الجامعات الفلسطينية في غزة الدكتور محمد عزيز تجربة جرادات ومئات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين خاضوا تجربة الاعتقال في سجون الاحتلال منذ عام 1967، بأنها “فريدة ولا مثيل لها، وأن سجون الاحتلال من بين الأسوأ في العالم”.
وحدد عزيز -في حديثه للجزيرة نت- 5 انتهاكات أساسية يتعرض لها الأسير الفلسطيني، وتتعلق بالرعاية الصحية، والمأكل والمشرب، وزيارة الأهل، والمراسلات البريدية، والقمع والتعذيب بأشكاله المادية والمعنوية.
وفي التفاصيل، يقول عزيز إن الأسرى لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة وهو ما يفسر انتشار الأمراض الخطيرة التي أودت بحياة العشرات منهم وتهدد آخرين، وما يزيد واقعهم الصحي سوءا عدم توفر نظام غذائي صحي يحترم آدميتهم.
كما تؤثر القيود المشددة، التي تفرضها سلطات الاحتلال على الحق في الزيارة ومنع المراسلات البريدية بين الأسير وذويه، على الصحة النفسية للأسير، وفقا لعزيز، ويتابع “ولا يكتفي الاحتلال بذلك ويمارس بحق الأسرى صنوفا من التعذيب الممنهج، وكل هذا بهدف خلق حالة من الإرهاب لمن يسلك طريق المقاومة”.
خروق جسيمة للقانون الدولي
وقال إحسان عادل، رئيس “منظمة القانون من أجل فلسطين” التي مقرها بريطانيا، إن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل 800 ألف فلسطيني منذ عام 1967، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، ولم تتعامل مع أي منهم كأسير حرب، في مخالفة واضحة للقانون الدولي.
وكان عادل نشر بحثا علميا محكما مشتركا مع المسؤول السابق في مكتب الأمم المتحدة في جنيف ورام الله الدكتور معتز قفيشة، قبل نحو عام، في جامعة كامبردج البريطانية، حول الأوضاع القانونية للأسرى الفلسطينيين.
ويقول عادل -في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت- إنه “لا تجوز محاكمة أسير الحرب الفلسطيني على أفعال قام بها وتتوافق مع القانون الدولي، فهذه الأفعال ليست جرائم”، غير أن إسرائيل “تتعامل مع الأسرى الفلسطينيين جميعهم كمجرمين، أو مقاتلين غير شرعيين وهو مصطلح غير موجود وغير مقبول في القانون الدولي”.
صبغة قانونية
والمقاتل غير الشرعي مصطلح ابتدعته الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 للتعامل مع معتقلي أفغانستان، كي لا تصبغ عليهم أي صبغة قانونية، بحسب رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين.
ويبرر الاحتلال الإسرائيلي عدم تعامله مع الفلسطينيين كأسرى حرب بأنهم لا يتبعون لدولة معترف بها، الأمر الذي فنده عادل في بحثه العلمي، إذ يقول إن “هذا الادعاء سقط تماما بانضمام فلسطين لاتفاقية جنيف الثالثة عام 2014، وإسرائيل طرف فيها منذ عام 1950″.
ويشير عادل إلى أن اتفاقيات جنيف، وضمنها اتفاقية جنيف الثالثة، تتمتع بالإجماع الدولي الأكبر، وتضم 194 دولة كأطراف موقعة عليها، وحسب المادة (1) منها، فإن هذه الدول مسؤولة عن كفالة تطبيقها، وبالتالي هي مسؤولة عن مراقبة وضمان التزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بها، وهو ما يستوجب ضغوطا أكبر للوفاء بهذه المسؤولية.
وأضاف أن هناك دولا تشكل غطاء حماية لإسرائيل، التي تخالف بشكل جسيم بنودا في اتفاقيات جنيف، من خلال ممارستها الاعتقال التعسفي، رغم أن الاتفاقيات المذكورة تنص على إمكانية محاكمة الأشخاص الذين يقومون بهذه الانتهاكات الجسيمة في محاكم أي دولة طرف بالاتفاقية حول العالم، وهو ما يعرف بـ”الاختصاص القضائي العالمي”.
وقال عادل إن إسرائيل غير موقعة على هذا البروتوكول، إلا أنها ملزمة به كون هذه المادة تشكل “قانونا دوليا عرفيا”، غير أن واقع الحال يشير إلى انتهاجها “منظومة كاملة لقهر الأسرى الفلسطينيين”.