خلاف حول من يحق له التوقيع.. هل اقترب الفرقاء السودانيون من حلّ الأزمة السياسية المستحكمة؟ | سياسة
الخرطوم- بالرغم من إعلان مجلس السيادة في السودان الوصول إلى صيغة اتفاق بين العديد من القوى السياسية، فإن الخلافات ما زالت تستحكم بين الأطراف حول من يحق له التوقيع على الإعلان الذي يتضمن القضايا التفصيلية، بما يمهد التوقيع على اتفاق نهائي بموجبه تنتقل السلطة كاملة لحكومة مدنية لا يشارك فيها العسكر.
ومنذ سيطرة الجيش على الحكم في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، يعيش السودان أزمة سياسية خانقة توترت على إثرها الأوضاع الأمنية والاقتصادية، كما انقسمت بفعلها الكيانات الحزبية والحركات المسلحة التي كانت جزءا من الحكومة المنقلب عليها.
وبعد أشهر من هذه الإجراءات، أعلن القادة العسكريون في السودان الانسحاب من العملية السياسية وإتاحة الفرصة أمام القوى الحزبية والتكتلات الحركية للاتفاق على حكومة وهيئة تشريعية تستلم الحكم.
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّع قادة الجيش اتفاقا إطاريا مع 52 من القوى السياسية والواجهات المدنية، يمهد لنقل السلطة للمدنيين، لكن غالب الحركات والقوى السياسية التي ناصرت إجراءات “25 أكتوبر” امتنعت عن توقيع هذا الاتفاق، وقررت تكوين ائتلاف موسع بعيدا عن أحزاب الحرية والتغيير، وهو ما عمق حجم الأزمة.
وحاول رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان التدخل وسيطا بين الأطراف المتشاكسة، لكنه أعلن التوقف عن مساعيه بسبب تعذر الجمع بين القوى المختلفة.
ويرفض ائتلاف الحرية والتغيير الاعتراف بالكتلة الديمقراطية، ويصف تكوينها بالمصنوع، وأن أي تفاوض ينبغي أن يكون مع حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان كحركات موقعة على اتفاق السلام وتمثل أحد أضلاع العملية السياسية.
وفي المقابل، ترفض الكتلة الديمقراطية التعاطي مع الاتفاق الإطاري الموقع بين قادة الجيش والقوى السياسية ومن بينها أحزاب الحرية والتغيير، وتطالب بتجاوزه وإمضاء اتفاق جديد يستوعب فصائل أخرى، وهو ما تعتبره الحرية والتغيير إغراقا للعملية السياسية بإشراك أطراف ساندت ما تصفه بـ”انقلاب الجيش على حكومتها المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021″.
خلافات صغيرة
وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، تمكّن محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان من التقريب بين قيادات في الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم السابق- وقادة الكتلة الديمقراطية التي تمثل حركات مسلحة في دارفور وقوى سياسية أخرى.
وصرّح القيادي في حركة العدل والمساواة سليمان صندل في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، بأن الاجتماع الذي توسط فيه حميدتي “آمن على الاتفاق حول 95% من القضايا مع الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري”، معلنا الاتفاق على مواصلة المشاورات للاتفاق حول القضايا الخلافية وصولا لتوقيع الاتفاق الإطاري.
وبحسب بيان لمجلس السيادة الانتقالي صدر أمس السبت، فإن سلسلة من الاجتماعات عقدت طوال الأيام الثلاثة الماضية برئاسة عبد الفتاح البرهان ونائبه، ضمت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري ورافضيه.
وأضاف البيان “بعد نقاش مستفيض، وبروح وطنية عالية، واضعين مصلحة البلاد ونجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي.. تم الاتفاق على الصيغة النهائية للإعلان السياسي، وسوف يجري الترتيب لإجراءات التوقيع عليه بالسرعة المطلوبة”.
ومنح مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين وتم على أساسه الاتفاق الإطاري، موقعي الإعلان السياسي سُّلطات اختيار أعضاء مجالس السيادة والوزراء والتشريعي، إضافة إلى حكام الأقاليم وولاة الولايات ورئيس القضاء ونوابه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، وقرر أن تُشكل القوى الموقعة على الإعلان مجلسا تشريعيا مستقلا، لا يجوز حله، من 300 عضو خلال شهر من تاريخ توقيع الدستور.
ويجئ الإعلان السيادي عن قرب توقيع الاتفاق بعد يومين من مغادرة 6 مبعوثين غربيين الخرطوم، حيث عقدوا اجتماعات مكثفة مع قادة الجيش والأطراف السياسية المختلفة، كان ملخصها التأكيد على دفع العملية السياسية وفقا للاتفاق الإطاري باعتباره نواة أي تفاهم مرتقب بين القوى التي ستدير المرحلة الانتقالية المقبلة، متعهدين بدعم أطراف الاتفاق للوصول إلى حل نهائي في أقرب وقتٍ ممكن.
إعلان متسرع
ويؤكد قيادي في ائتلاف الحرية والتغيير للجزيرة نت أن مجلس السيادة تعجل في إصدار بيانه حول قرب التوقيع على الإعلان السياسي، حيث لا تزال خلافات “كبيرة” بين الأطراف حول من يحق له التوقيع، بعد تمسك الكتلة الديمقراطية بتوقيع جميع مكوناتها، وهو ما يرفضه تحالف الحرية والتغيير، ويقول إن العدل والمساواة والحزب الاتحادي الأصل بقيادة جعفر الميرغني وحركة تحرير السودان هي الأطراف المعنية فقط بالتوقيع.
ويستبعد هذا التحديد بشكل واضح المجلس الأعلى للبجا في شرق السودان بقيادة محمد الأمين ترك، والتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية بقيادة مبارك أردول، وحزب البعث السوداني، فضلا عن فصيل من الحزب الجمهوري والحزب الوطني الاتحادي.
وكتب مبارك أردول منشورا على صفحته اليوم، اتهم فيه قيادات في المجلس المركزي للحرية والتغيير بالسعي لتفكيك الكتلة الديمقراطية عبر العملية السياسية الحالية بالانفراد بتنظيمات معينة، قائلا “إنهم يعون هذه المخططات وأن تحالفهم يرمي لخوض الانتخابات، فلا يعتقد قصيرو النظر أنه بمجرد انتقال مؤقت يمكن أن يتفكك التحالف وبمجرد قماش سلطة انتقالية زائلة يمكن أن يتم إغواء بعضنا”.
إصرار على الشمول
ويؤكد القيادي في حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم -في حديث للجزيرة نت- أن مستقبل العملية السياسية ونجاحها رهين بأن تشمل القوى الحية في الساحة.
ويضيف إبراهيم “يجب ألا تشعر أي قوى بالإقصاء، والحديث عن استبعاد بعض الأطراف مضر وربما ينسف العملية برمتها وقد نعود لحقبة الإغلاق والاحتقان بنحو أكثر قتامة”.
وفي دوائر ائتلاف الحرية والتغيير، يبشر القيادي محمد عبد الحكم -في حديثه للجزيرة نت- بأن العملية السياسية اقتربت من ضم جل أطرافها المحددة مسبقا، في إشارة لحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، مضيفا “جهودنا ماضية أيضا في محاولات نأمل أن تنجح من أجل دخول الرفاق في حزبي البعث والشيوعي، وكافة الذين كانوا جزءا من قوى الحرية والتغيير حتى 11 أبريل/نيسان 2019″، تاريخ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وقال إن اللقاءات ستتواصل بين موقعي الاتفاق الإطاري ومعارضيه حتى الوصول للهدف باستكمال مراحل العملية السياسية، وصولا إلى الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة الانتقالية المدنية واستعادة مسار التحول الديمقراطي.
ويؤكد عبد الحكم الالتزام بالاتفاق الإطاري وأطرافه والمضي صوب تحقيق أهداف الثورة، بتشكيل حكومة مدنية كاملة، ودمج الجيوش وصولا لجيش قومي وطني مهني وموحد، ينأى عن السياسة.
تفاصيل الإعلان
ويرى المحلل السياسي عمار عوض أن الإعلان السياسي المرتقب توقيعه يتضمن تفاصيل أكثر دقة من اتفاق الإطار الموقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فالنص كان معمما في الاتفاق السابق عن سلطة سيادية، فيما يجري الآن حديث عن مجلس لرأس الدولة، كما أن الإعلان سيتضمن مزيدا من التفصيل فيما يتعلق بقضايا مثل اتفاق السلام وشرق السودان.
وحال التوقيع على الإعلان بعيدا عن الكتلة الديمقراطية، فمن غير المستبعد -وفقا لعمار- قبول الناظر ترك، أحد أبرز قادة شرق السودان، بالمشاركة في مراجعة مسار شرق السودان خلال جلسات تقييم اتفاق السلام التي تستضيفها عاصمة دولة جنوب السودان خلال الأيام المقبلة، وربما يشارك ترك في منبر تفاوضي مقترح عقده لغير الموقعين على الاتفاق الإطاري ورافضي مسار الشرق، ثم تتم المواءمة بين ما اتفق عليه ثم تضمينه في الاتفاق النهائي كحل مقترح لأزمة شرق السودان.