في حديث للجزيرة نت.. تباين في مواقف المراقبين إزاء إسقاط أميركا المنطاد الصيني | سياسة
واشنطن– حالة من ارتباك كبير تضرب صفوف المحللين والخبراء في الشؤون الاستخبارية والصينية عقب حادثة اختراق منطاد صيني للأجواء الأميركية وقطعه آلاف الأميال فوق الأراضي الأميركية، قبل إسقاطه فوق المحيط الأطلسي قبالة سواحل ولاية كارولينا الشمالية.
وأقر مسؤول بوزارة الخارجية الخميس الماضي بأن الصور العالية الدقة كشفت عن أن المنطاد -الذي يبلغ ارتفاعه نحو 200 قدم (60 مترا)- يحتوي على ألواح شمسية كبيرة قادرة على تشغيل أجهزة استشعار متعددة لجمع المعلومات الاستخباراتية النشطة، بالإضافة إلى هوائيات قادرة على جمع الاتصالات وتحديد موقعها الجغرافي.
وبدأ مسؤولو الاستخبارات والجيش في إطلاع أعضاء الكونغرس على تقديراتهم المتعلقة بحادثة المنطاد، وسط انتقادات متزايدة لتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحادث من جانب الجمهوريين.
ويرى الجمهوريون أن حادثة المنطاد تعكس فشلا استخباراتيا عميقا أسهمت فيه مواقف إدارة بايدن، وترددها في مواجهة الصين، في حين يكرر كثير من الديمقراطيين أن الحادثة حققت بعض المكاسب الاستخباراتية للولايات المتحدة.
وتسبب ظهور المنطاد فوق الأراضي الأميركية في أزمة دبلوماسية بين واشنطن وبكين، ودفعت وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إلغاء رحلة كانت مقررة إلى الصين.
من جانبها، قالت بكين إن قرار إسقاط المنطاد “غير مسؤول، وإن ذلك العمل لا يخلق جوا مناسبا للحوار بين البلدين”.
فشل استخباراتي أميركي
وفي حديث للجزيرة نت، قال خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك إن “تدمير المنطاد الصيني وإسقاطه لم يكن نجاحا عسكريا. لم تكن هناك مواجهة جوية تقليدية، بل أسقطت القاذفة الشبح إف-22 (F-22) المنطاد البطيء وغير المسلح، في معركة غير متكافئة”.
ورأى أن ما يثير القلق هو أنه على الرغم من وجود نظام إنذار مبكر متقدم حول الأجواء الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن الجيش الأميركي فشل في الكشف عن تجاوز عديد من المناطيد الصينية خلال السنوات السابقة.
وأضاف أن المهم -وبشكل خاص- هو أن المنطاد كان يحلق على ارتفاع 60 ألف قدم، وهو الارتفاع الذي تعمل فيه بعض الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وإذا لم تتمكن الرادارات والأقمار الصناعية من اكتشاف المنطاد الضخم البطيء، فهل يمكنها اكتشاف صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت؟!”، على حد تعبيره.
واتفق مع الطرح السابق ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف الناتو ووزارة الدفاع الأميركية، إذ رأي في حادثة المنطاد فشلا استخباراتيا أميركيا.
وذكر دي روش -في حديث للجزيرة نت- أنه “لم يتوقع أحد إمكانية اختراق مجالنا الجوي، وربما أبعد من ذلك مستوى الفضاء الأميركي الذي يجب أن يكون مغلقا بإحكام أمام أي تدخل أجنبي”.
ويضيف أن المنطادات -من وجهة نظر عسكرية- ليست تهديدا تقليديا، ولا يفعل الجيش الأميركي أي شيء تجاهها.
وقال دي روش إنه بمجرد أن رُصد المنطاد، تم تحديد نوع القدرات التي تمتلكها الصين، وكذلك ما تهتم به، مضيفا “لو كنا على مستوى أكثر ذكاء، لكنا أرسلنا معلومات مزيفة إلى الصين باستغلال التكنولوجيا الموجودة داخل المنطاد، وإرسال ترددات رادار اعتراضية كاذبة إلى الصين، وهو ما كان سيؤدي إلى إرباك المحللين الصينيين”.
وأضاف أن الأميركيين يسيطرون اليوم على بقايا المنطاد، ويطلع كبار المسؤولين الأمنيين على تفاصيل وإمكانيات وقدرات المنطاد التكنولوجية، وهو ما يكشف بعدا مهمًا في أنظمة التجسس الصينية، ولذلك هناك احتمال وجود بعض القيمة الاستخباراتية والاستفادة للجانب الأميركي”.
ليس فشلا استخباراتيا
ورفض البنتاغون الاعتراف بأن ما جرى يُعد فشلا استخباراتيا، ودافع عن موقفه بالقول إن الجيش الأميركي لم يتمكن سابقا من اكتشاف 3 رحلات منطادات تجسس صينية على الأقل فوق الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لكن هذا لا يمثل فشلا استخباراتيا.
وقال السكرتير الصحفي للبنتاغون العميد بات رايدر -في مؤتمر صحفي- إن الولايات المتحدة جمعت معلومات مكثفة حول منطادات المراقبة الصينية بمرور الوقت، وستكون قادرة على اكتشافها في المستقبل.
وقال رايدر إنه “في ما يتعلق بمراقبة هذه الأشياء وجمعها، فقد تمكنا من تجميع مجموعة من المعرفة التي تمكننا من أن نكون قادرين على اكتشافها والتصرف”، وكرر رايدر القول إن ما جرى “لم يكن فشلا استخباراتيا”.
لم يفز أحد
أما البروفيسور جوناثان أكوف -من قسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا الساحلية، الذي عمل في السابق محللا عسكريا في المكتب الوطني للبحوث الآسيوية، وخدم ضابط احتياط في القوات البرية الأميركية لعدة سنوات- فاعتبر أنه لا يوجد طرف خرج منتصرا من حادثة المنطاد الصيني.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار أكوف إلى أن كلا الجانبين كسب بعض الأشياء. فربما اكتسبت الاستخبارات الصينية بعض الأفكار حول كيفية عمل شبكات الاتصالات العسكرية الأميركية الآمنة حول منشآت الصواريخ الإستراتيجية في ولاية في مونتانا، بالإضافة إلى بعض المعلومات الاستخباراتية والصور المتعلقة بتلك المواقع نفسها.
وعلى عكس ما صرحت به إدارة بايدن -يضيف أكوف- يمكن للمنطادات البسيطة غير المدارية أن تفعل أشياء لا تستطيع الأقمار الصناعية المتقدمة القيام بها، وهذا هو السبب في احتفاظ البنتاغون بمجموعة متنوعة من أنظمة المراقبة دون المدارية في مخزونها.
من ناحية أخرى، تعلمت الصين -حسب أكوف- شيئا يتعلق بكيفية استجابة الولايات المتحدة للتوغلات الجوية، فربما كانت هذه هي المرة الرابعة أو الخامسة التي يحدث فيها ذلك خلال إدارتي ترامب وبايدن.
ويختم بالقول إن من وجهة نظر واشنطن، ستكشف مراجعة بقايا المنطاد عن بعض المعلومات الاستخباراتية المهمة المتعلقة بقدرات جمع المعلومات وإستراتيجيات التجسس الصينية. كما تكشف مثل هذه التوغلات لواشنطن عن بعض التفاصيل المتعلقة بعملية صنع القرار الصينية، وطريقة حسابات المخاطرة لديهم.