مديرة برامج في وكالة ناسا تتحدث للجزيرة نت عن “معادلة نجاح النساء” | سياسة
واشنطن- تشارك الدكتورة تهاني عامر، المديرة التنفيذية في شعبة علوم الأرض بوكالة “ناسا” لأبحاث الفضاء الأميركية، باليوم الدولي للمرأة والفتاة في مجال العلوم، والذي تحييه الأمم المتحدة برعاية الأكاديمية الملكية الدولية للعلوم (RASIT) يوم 11 فبراير/شباط من كل عام.
ومنذ 8 سنوات، بدأت الاحتفالات بهذا اليوم لتعزيز دور المرأة في مجال البحث العلمي. ويجري دوريا استضافة قامات علمية من الباحثات للاحتفاء بمساهماتهن العلمية.
وتهاني مهندسة ميكانيكا مصرية وأم 4 أولاد، تُعد نموذجا للمرأة في مجالات العلوم. تحدثت في مقابلة مع الجزيرة نت عن إنجازاتها العلمية والإنسانية كامرأة مسلمة عربية محجبة.
غير مألوف لكنه ليس عائقا
فتحت مسيرة المهندسة المصرية آفاقا جديدة، لعديد من الفتيات والنساء، لما فيها من تعبير واضح على أن المرأة العربية والمحجبة قادرة على تحقيق طموحاتها العلمية.
وعن الحجاب تقول “يوجد العديد من العاملين المسلمين في ناسا، ولكن لم أعتد رؤية المحجبات منذ التحاقي بناسا. وحتى اليوم، لا يزال الحجاب غير مألوف بأروقة المكان”.
وتضيف “كنت أشعر أنني مختلفة كامرأة ملونة ومحجبة، لكنني لم أخشَ من تأثير حجابي عند التقدم للمقابلات الوظيفية، بل كنت أضع نصب عينيي التزامي الديني والحمد لله، لأن حجابي فرض شرعي”.
تعود الدكتورة تهاني بالتزامها بالحجاب أيضا إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتقول “أخبروني أن هناك فتاوى تبيح خلع الحجاب حتى لا نتعرض للأذى، فرفضت وتمسكت بقيمي وعلاقتي بالله لأنها أولوياتي. وبالفعل لم يثنني الحجاب عن أي شيء يستدعي خلعه كما نصحني البعض”.
وتتحدث الباحثة عن دورها المجتمعي قائلة “أنا شخص يندمج بالمجتمع وقمت بتثقيف زملائي وجيراني عن ديني وشعائري وعقيدتي، وساهم هذا الحوار المفتوح في بناء علاقة مجتمعية قوية ساندتني في رحلتي”.
الالتحاق بناسا
بعد تخرّجها من الجامعة حصلت تهاني على عدة عروض للالتحاق بالعديد من المؤسسات، من بينها وكالة ناسا التي شاركت فيها ببرنامج تدريبي قبل التخرج. وأشارت إلى أن عرض الوكالة المالي لم يكن هو الأفضل، ولكنها آثرت الانضمام لما لهذا الكيان من قدر معنوي في قلبها.
وحصلت الباحثة والأكاديمية على العديد من البعثات من خلال عملها في ناسا حيث تخرجت من جامعة “هارفرد” وبرنامج “وارتون للتعليم التنفيذي” وجامعة “فيلانوفا” كما حصلت على ماجستير في هندسة الطيران والفضاء ودكتوراه الهندسة من جامعة “أولد دومينيون”. وكانت قد تلقت تعليمها الأساسي في مصر.
خبيرة للعديد من برامج وكالة الفضاء
تعمل الدكتورة تهاني الآن خبيرة تقنية لبرامج وكالة الفضاء ودعم قسم علوم الأرض في “ناسا” كما تدير المشروع الهندسي لتطوير المركبات الفضائية والأدوات والأنظمة الأرضية.
ولعلّ أبرز المهمات التي تتولاها إجراء أول مسح عالمي للمياه السطحية للأرض بهدف تقييم موارد المياه العذبة واكتشاف ميّزات جديدة للمحيطات وتوفير معلومات أكبر عن سطحها، وقياس كيفية تغيّر المسطحات المائية مع الوقت.
أما الآن، فتعمل تهاني على مشروع شديدة الحساسية، كما وصفته، يتعلق بدراسة مسارات الاحتباس الحراري ورصد ما يمكن فعله لتقليل أثر تلك الأزمة، والحد من تطرف المناخ والحفاظ على درجات الحرارة في اعتدال يحمي الأرض من خطورة الاحتباس الحراري لتتمكن الأجيال القادمة من العيش بسلام.
وتقول الدكتورة تهاني إن الأبحاث العلمية في ناسا لها مردودات آنية على البشر تشمل العديد من الاستخدامات الصناعية والاستهلاكية بدءا من الخيوط الجراحية وحتى المواد الخام لصناعة الطائرات إلى مراتب الأسرّة المريحة، وغيرها من المواد ذات الاستهلاك اليومي.
معادلة تهاني عامر
وفي حين يحتفي المجتمع الدولي بها في مجال العلوم، تقول الدكتورة تهاني إن سر نجاحها كان في التوازن بين الأسرة والأمومة والتقدم المهني. وقد طورت لنفسها معادلة رياضية خاصة تقوم على تخيل المستقبل مع عدم إهمال العاطفة ووجود خطة ومثابرة على تحقيقها، إلى جانب الاهتمام بالعلاقات. وكل ذلك كان مقسما على وقت محدد مع تعاون ضمن فريق عمل.
وتعزي الدكتورة تهاني نجاحها إلى ما تسميها “دائرة الدعم المجتمعية” التي لم تشمل أسرتها وعائلتها فحسب، بل أيضا الجيران وزملاء العمل.
وتذكر “عندما كانت طفلتي رضيعة اضطررت لتحويل المنزل لمقر العمل، واستدعيت الزملاء للمنزل حتى يتسنى لي رعاية رضيعتي”. وقالت إن هذا شكل لها داعما أساسيا لاستكمال مسيرتها العلمية، في وقت حرج من حياتها كأم، تحوّل بسبب دعم زملائها إلى ذكرى جميلة.
وأكدت أن على المرأة ألا تلتفت إلى من يدفعها لأن تكون خارقة في عملها وبيتها، لما يسببه ذلك من أثر سلبي ضاغط على النفس “بل من الأفضل أن تطلب المساعدة والدعم من دائرتها”.
عمل تطوعي ومشاركة مجتمعية
وفي هذا السياق أيضا، تذكر الدكتورة تهاني تجربتها في اتباع أسلوب تربوي يعتمد على استقلال أولادها ومشاركتهم في الأعمال المنزلية، وهو ما انعكس على شخصيتهم لاحقا.
ولم ينجح كل هذا في دعم الباحثة المصرية على المستوى المهني فحسب، بل استطاع توفير مساحة زمنية تتيح لها الانخراط في العمل التطوعي، وخاصة الأنشطة المجتمعية الإسلامية بالولايات المتحدة حيث تطوعت كمعلمة في المسجد ليوم أسبوعيا منذ أعوام. وقالت إن هذه التجربة كانت إضافة كبيرة ساهمت في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية لأولادها الأربعة.
ولم تثنها حياتها المهنية المزدحمة عن متابعة مسيرة أولادها الرياضية أو انخراطهم في المجتمع الأميركي، بل على العكس تقول إن العيش في المجتمعات المختلفة ساهم في إثراء وتعزيز قوتها وقوة أبنائها الذين كان اختلافهم مصدر قوة لهم، وهو ما تشعر به الدكتورة تهاني دائما أيضا بأن اختلافها في اللون والحجاب والثقافة يميّزها وأن تفوقها الأكاديمي يفرض نفسه على من يرى غير ذلك.