لماذا يحتاج ابنك المراهق إلى مرشد من خارج الأسرة؟ | مرأة
ما بين رغبتهم في اكتشاف أنفسهم والاستقلال عن والديهم، وبين افتقارهم للخبرات الحياتية التي تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم ومواجهة التحديات، يحتاج المراهقون إلى من يوجههم ويأخذ بأيديهم في دروب الحياة والاستماع لهم وتقبل تقلباتهم دون إصدار الأحكام أو ممارسة السلطة عليهم.
وبسبب ابتعاد المراهقين عن والديهم، يصعب أداء الأبوين لهذا الدور، ولذلك يحتاج ابنك إلى مرشد بالغ من خارج الأسرة يمكنه الوثوق به وبناء علاقة قوية معه والتحدث معه عن أفكاره ومخاوفه واستقبال توجيهاته، ويمكن لعلاقة التوجيه القوية أن تغير مسار حياة المراهق.
وللتعرف عن دور المرشد، نعرض لكِ بعض أسباب احتياج المراهقين إلى وجود من يوجههم من خارج الأسرة، وتأثير العلاقة التوجيهية على المراهقين، وكيف يمكنكِ اختيار المرشد المناسب لابنكِ.
لماذا يحتاج ابنك إلى مرشد؟
نموه الدماغي لم يكتمل بعد: يتطور الجزء من الدماغ المسؤول عن المشاعر بشكل أسرع من الجزء الذي يتحكم في الاندفاعات خلال سنوات المراهقة، وهو ما يؤدي إلى حدوث التغيرات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية.
وخلال هذه الفترة لا تكون قشرة الفص الجبهي من الدماغ قد اكتمل تطورها، وهي تعتبر مركز التحكُّم، لأنها مسؤولة عن التفكير والتخطيط وأداء الأعمال والتحكُّم العاطفي.
ولذلك يفتقر المراهقون إلى مهارات حل المشكلات والتخطيط، ويحتاجون للدعم من البالغين.
يحتاج لمن يفضي إليه: بعد أن كانت علاقة الوالدين هي الأهم في حياة الطفل، تتحول هذه العلاقة مع دخول مرحلة المراهقة، ويبتعد المراهقون عن والديهم ولا يرغبون في التحدث معهم حول حياتهم الخاصة وأفكارهم والصعوبات التي يواجهونها.
وفي المقابل، يظهر المراهقون قبولا أكبر للتحدث مع بعض الأشخاص البالغين الآخرين الذين يشعرون معهم بالأمان.
أصدقاؤه غير راشدين أيضا: مع ابتعاد المراهق عن والديه، تزيد أهمية علاقته بأصدقائه، ويستعين بهم لحل مشكلاته.
وأوضحت أوليا بافليشينا، المعالجة النفسية المتخصصة بالعلاقات الزوجية والأسرية أنه “من الرائع أن يمتلك ابنك العديد من الأصدقاء المقربين والداعمين له، لكن أصدقاءه لا يمتلكون الحكمة والنضج لإرشاده، فهم أنفسهم مراهقون لا يملكون الخبرة الحياتية اللازمة لاتخاذ قرارات صحيحة باستمرار”.
ولذلك، يساعد وجود المرشد البالغ في القيام بهذا الدور ويكون الصوت الحكيم في حياة ابنك.
كيف يؤثر المرشد على تطور ابنكِ؟
في دراسة نشرتها منصة “سبرنغر” (Springer)، شملت أكثر من 70 برنامج توجيه وأكثر من 25 ألف شاب، أكد الباحثون أن وجود موجه في حياة المراهق له تأثير كبير على تطوره الإيجابي.
وأظهرت دراسة لمجموعة من الأساتذة والأخصائيين النفسيين أن وجود المرشد في حياة المراهق يجعل لديه قدرة أكبر من غيره في إدارة حياته الاجتماعية وعلاقاته العاطفية، ويكون أكثر انخراطا بالأنشطة الإيجابية، وأفضل في تحصيله الدراسي، ويزيد التأثير الإيجابي كلما طالت مدة العلاقة بين الشاب والمرشد.
وأشاد ما يصل إلى 95% من الشباب بالتأثير الإيجابي للعلاقات الإرشادية على حياتهم، وأعرب 9 من بين كل عشرة منهم عن رغبتهم في أن يصبحوا مرشدين في المستقبل.
وأشارت الدراسة إلى بعض فوائد العلاقة الإرشادية في حياة المراهق، ومنها:
- يمثل المرشد نموذجا للمراهق يتعلم منه المهارات الاجتماعية الإيجابية وبناء العلاقات خارج الأسرة.
- تساعد العلاقة الإيجابية مع المرشد البالغ على تحسين العلاقات الأخرى مع البالغين، مثل الآباء والشباب والمعلمين، وكذلك تحسين العلاقات مع الأقران.
- يتمكن المراهق من التعبير عن أفكاره في مناقشات هادفة تعزز المهارات المعرفية وتساعده على بناء منظوره عن الحياة، وتفتح أبوابا جديدة من التفكير وموارد المعرفة.
- ومن الناحية العاطفية، يساعد وجود الموجه في تعلم المراهق إدارة نفسه ومشاعره ودوافعه والتفكير قبل التصرف، وفهم وإدارة تحديات الحياة.
- وأما عن تكوين الهوية -التي تعتبر من القضايا الرئيسية خلال مرحلة المراهقة- فيعزز وجود المرشد في تنمية وتطوير هوية المراهق، وهي عملية معقدة لتطوير رؤية واضحة وفريدة من نوعها للنفس، ويشمل ذلك اكتشاف الشخصية ومنظومة القيم والأخلاق.
- وتسمح المساحة الآمنة بين المرشد والمراهق في مساعدته لاكتشاف وتطوير نفسه، ويزيد إيمانه بنفسه وشعوره بالكفاءة الذاتية.
كيف تختارين موجّها لابنك؟
قبل اختيار مرشد لابنك، يجب معرفة الفرق بين الموجّه والقدوة في حياة المراهق.
وأوضحت مارلين برايس، باحثة وأستاذة بعلم النفس التنموي -في مقال بموقع “سايكولوجي توداي” (Psychology Today)- أن “القدوة تمثل مصدر إلهام للمراهقين، ولكن قد لا تكون في محيطهم، بينما يربط المرشد علاقة وطيدة بالمراهق ويتقابلان باستمرار، ويتمكن الموجه الجيد من لعب الدورين معا ويكون قدوة لمن يرشدهم”.
وفي دراسة قامت بها برايس حول تأثير التوجيه على حياة المراهقين، أجمع المشاركون أن نجاح علاقاتهم بالمرشدين يرجع إلى أن العلاقات كانت مبنية على الاستماع والتشجيع والدعم والمشاركة، وليس إصدار الأوامر.
ولاختيار مرشد مناسب لابنك، يمكنكِ وضع قائمة بالبالغين الذين يعرفون ابنك ويحبونه في محيط علاقاته. فيمكن أن يكون المرشد معلما أو شيخا أو جارا أو صديقا للعائلة أو مدربا رياضيا يثق به المراهق ويشعر بالأمان معه.
ويمكنك التركيز على بعض النقاط، منها أن يتمتع هذا الشخص بالمرونة، ولديه رغبة صادقة في الاندماج مع ابنك ومصاحبته وتشجيعه، ويظهر الاحترام واللطف له، ولديه القدرة على التعاطف وحل المشكلات.
وإحدى أهم النقاط التي يجب التركيز عليها أن يكون المرشد لديه قدرة على الاستماع الجيد، إذ يعد الإنصات الفعال العامل الأكثر أهمية في تطوير العلاقة الإرشادية لتحقيق تواصل حقيقي، والتعرف على المراهق وأفكاره ومشاعره دون الحكم عليه.
وبالطبع، يجب أن يكون المرشد لديه الوقت اللازم لأن يكون حاضرا في حياة المراهق وبناء علاقة معه.
ولا يعني ابتعاد المراهقين عن والديهم واحتياجهم لمرشد من خارج الأسرة أن الآباء لم يقوموا بدورهم أو أخطؤوا في تربية أبنائهم، ولكن الأمر يعتبر جزءا من طبيعة هذه المرحلة العمرية.