من مصر والأردن.. سوريون يفتحون منازلهم المغلقة لاستقبال ضحايا الزلزال | أسلوب حياة
بين الحزن والخوف والترقب، هكذا صارت حال السوريين خارج بلادهم، يلتفون حول التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي وينتظرون رنين الهاتف الذي لا يأتي من سوريا لضعف الشبكات والاتصالات. موت فوق موت، هكذا كان الوصف الذي كتبه أحد أعضاء الجالية السورية في مصر، وهو يدعو لأهل إدلب وحلب وحمص من مدينة 6 أكتوبر المصرية.
“الزلزال الذي ضرب سوريا لم يكن مصابوه من قاطنيها فقط، الذين ألمت بهم الفواجع، لكنه ضربنا كذلك ونحن على بعد آلاف الكيلومترات” يقول أبو أنس، أحد مؤسسي مجموعة الجالية السورية في مصر، للجزيرة نت، عن الحالة التي صارت عليها أغلب مجموعات التواصل التي أنشأها السوريون لدعم مجتمعهم الصغير في مصر، الذي يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري مسجل بشكل رسمي، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.
وأضاف أبو أنس “كلنا نحاول دعم بلادنا وأهلنا ولو كنا بعيدين بحكم الظروف التي أجبرتنا على تركها، ولولاها ما كنا تركنا بلادنا”.
مبادرات الدعم التي بدأها أهل سوريا بالخارج، خاصة الذين بمصر، كانت محاولة منهم لدعم وطنهم وأهلهم هناك، بدأ كثيرون في جمع الملابس الشتوية والبطاطين والأدوية والمعلبات لإرسالها ضمن حملات طواقم الإغاثة التي دشنتها بعض الجمعيات والمؤسسات الإنسانية المعنية بالوضع في سوريا.
وعن الصدمة التي تعرض لها السوريون في مصر، يقول أبو أنس “فوجئنا بأهلنا يلقون حتفهم تحت الأنقاض هناك، الوضع هنا بمصر صعب للغاية، وابتلاء كبير لأناس أفقدتهم الحرب حياتهم ثم جاء الزلزال ليفاجئهم بفقدان أهلهم أيضا”.
من مصر إلى سوريا
وشهدت مجموعات التواصل السورية بمصر عديدا من دعوات التبرع لصالح المتضررين، وفتح عبد الله (أبو رعد النوبي) السوري المقيم بالأقصر 50 شقة في جنوب مصر، للمتضررين من زلزال سوريا في حال لجوئهم لمصر.
يقول عبد الله “أعرف أن سفرهم لمصر صعب في هذه الأحوال، لكن الشقق الـ50 هي وقفية لصالح السوريين، سواء كانوا موجودين في مصر أو سوريا، أو حق انتفاع بمبلغ تأجيرهم لضحايا الأزمة السورية، هذا ما أستطيعه لأجل وطني وأهله”.
أما عمر عيسى، صاحب محل مفروشات سورية بمنطقة الأزهر، فقال “لدي منزل عائلتي باللاذقية وغادرته منذ سنوات واستقررت بمصر، ومنزلي بكامل ما فيه خصصته لاستقبال متضرري الزلزال، وطلبت من العائلة فتح البيت”.
أغلق عمر محله منذ سماعه خبر الزلزال الذي أودى بحياة الآلاف من السوريين، “كارثة” كما يصفها عمر، نجت منها عائلته التي رفضت مغادرة سوريا منذ سنوات.
وأضاف عمر “منذ يوم الكارثة، وأنا لا أستطيع النوم ولا العمل، ولا أفكر في سوى العودة إلى سوريا، لكن لا سبيل لذلك، لذا كان أقل ما أقدمه هو فتح المنزل المغلق هناك، وجمع مساعدات من السوريين في مصر وإرسالها للمتضررين”.
وأشار عمر إلى أنه “رغم الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها غالبية المصريين الآن، فإن كثيرا من تجار الأقمشة والملابس في (منطقة) الأزهر والغورية، قدموا يد العون والمساعدة وكثيرا من التبرعات للمنكوبين في سوريا”.
خطوط ساخنة لتقديم الدعم
كما بدأ السوريون من سكان مدينة الرحاب ومدينة العبور المصرية في جمع التبرعات العينية من أجل مساندة أهل سوريا في مصابهم، ولم يكتفوا بذلك، بل حولوا صفحاتهم لخطوط ساخنة للتواصل وتوثيق حالات المتضررين من الزلزال من المصابين والمقيمين بالعراء في شوارع إدلب وحمص وحماة، حتى يصل الدعم لهؤلاء مباشرة وبصورة أسرع.
الخوف من عدم وصول الدعم لمستحقيه، هو ما جعل كثيرا من السوريين يتواصلون مع الصفحات من إدلب ودرعا، يرجون المتبرعين التأكد من وصول الدعم لمستحقيه.
تقول السورية ديما الموجودة بحمص “أرجوكم من يرغب في التبرع، لا يتبرع إلا إلى الأمناء والجمعيات الموثوقة”. وتضيف ديما، إحدى ضحايا الزلزال، “كنت موجودة بالجامع الكبير بحمص لأن منزلي متهالك، وخرجت بـ4 من أولادي بلا شيء، في خوف ومطر، وكنا وسط المطر وملابسنا ملأها الماء وما عطوني أنا والأربعة إلا غطاء واحدا، ثم أبعدوا عني ابني ذا الـ12 سنة”، وتابعت “مشيت أنا وأولادي لنموت كلنا سوا (معا) أحسن من أن يتفرقوا وما ألاقيهم”.
أسماء الضحايا والمنكوبين في بلدان سوريا تكتب بشكل عاجل على مجموعات السوريين بمصر، لقبول التعازي من جانب، ولطمأنة السوريين بمصر عن أهلهم المفقودين هناك، بالإضافة إلى جمع وسائل التواصل مع المتضررين بمختلف المناطق بسوريا، وكشوف بأسماء الأطباء ومشافي العلاج المجاني، وشركات المستلزمات الطبية والإنقاذ، وأرقام هواتف خاصة بتأمين السكن، وأخرى لأدوات الحفر والإزالة، وخدمات توصيل مجانية للطعام والدواء.
يقول ساجد، أحد المسؤولين عن مجموعات دعم السوريين في مصر، “نسعى لتقديم أي خدمة أو معلومة أو طريقة لأهلنا هناك، نحاول بشتى الوسائل تقديم الدعم حتى وإن كنا بعيدين عن وطننا المنكوب”.
العون الأردني
ومن الأردن، توالت سبل تقديم الدعم للمنكوبين في سوريا، وبالأخص الشمال السوري الذي لا تصله مساعدات، ففي مبادرة أُطلق عليها “العون السوري الأردني” تواصل أهل الأردن عبر فيسبوك، لتقديم يد العون من أجل السوريين، حيث نشر السوري المقيم بالأردن رامح السرغاني عن وجود منازل مجهزة لاستقبال السوريين في حلب واللاذقية وحماة.
وتطوع آخرون من أجل الدعم النفسي والاجتماعي لسكان الأماكن المتضررة من الزلزال، كما شهد اليوم وصول فريق إنقاذ من الأردن إلى بعض النقاط بالأحياء المنكوبة.
يقول مسؤول المبادرة أحمد الهام، للجزيرة نت، “إن المبادرة تعنى في الأساس باللاجئين السوريين في الأردن وتقديم سبل الدعم المادي والاجتماعي لهم، لكن في ظل الأحداث الحالية، توجهت كل أفرع المبادرة وأنشطتها لدعم جمع التبرعات لمنكوبي الزلزال”.
ويضيف “الشعب الأردني يتكاتف جنبا إلى جنب السوريين، وأطلقنا مبادرة لشراء الليرة السورية ودعمها في مواجهة صعود الدولار بعد الزلزال، بالإضافة لفتح عشرات المنازل المغلقة في الداخل السوري من أجل المنكوبين وتوصيل الأطعمة والدواء وأدوات الحفر مع فرق الإنقاذ وفرق من الأطباء”.
بيانات رسمية
وتتضاءل آمال العثور على مزيد من الناجين تحت الأنقاض بعد 3 أيام من كارثة زلزال تركيا وسوريا، التي أودت بحياة ما يقرب من 20 ألفا وخلّفت عشرات آلاف المصابين، وامتدت آثارها في المجمل إلى ملايين السكان في البلدين.
ووفقا لأحدث البيانات الرسمية، فإن عدد قتلى الزلزال في تركيا وصل 16 ألفا و170، في حين بلغ عدد المصابين 64 ألفا و194، حسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. أما في سوريا، فقد ارتفع عدد القتلى إلى 3162 في عموم البلاد، وبلغ عدد المصابين 5685.