نقابي بريطاني للجزيرة نت: ما تعرض له رئيس بعثة فلسطين الدبلوماسية خرق “متوقّع” لأخلاق الصحافة | سياسة
مريم السايح- لندن- أثارت المقابلة التلفزيونية التي أجرتها المذيعة كاي بيرلي بقناة “سكاي نيوز” البريطانية مع رئيس البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في لندن حسام زملط، جدلا واسعا. خاصة أن لقاءه أعقب حوارا أجرته المذيعة نفسها مع السفيرة الإسرائيلية تيزبي هوتفلي، لم تستخدم فيه الأسئلة ذاتها.
وخلال اللقاء رد زملط على ادعاءات السفيرة الإسرائيلية وقال إنها لم تعرض أعداد الضحايا الفلسطينيين الذين قتلوا على يد المستوطنين الإسرائيليين، ومن بينهم خيري علقم جدّ منفذ عملية القدس الأخيرة والذي قُتل على يد أحد المستوطنين بدون أن تتم محاكمته.
وتحدّث زملط عن اجتياح مخيم جنين للاجئين قبل أيام وقصف منازله باستخدام القنابل اليدوية والصواريخ وقتل 10 فلسطينيين من بينهم امرأة (61 عاما) قُتلت وهي تصلي في منزلها. بالإضافة إلى قائمة شملت 230 فلسطينيا فقدوا أرواحهم على يد قوات الاحتلال والمستوطنين العام الماضي، بدون أن يخضع القتلة للمحاكمة الجنائية حتى اللحظة.
وأثناء حديثه قاطعته بيرلي متسائلة “صبي عمره 15 عاما يقتل 7 إسرائيليين من ضمنهم زوجان تزوجا حديثا كانا يساعدان الجرحى الذين أطلق عليهم النار خارج كنيس يهودي في ذكرى اليوم العالمي للهولوكوست، هل ستدين هذا؟”. فردّ زملط “كل حياة إنسان تُفقد قطعا هي مأساة حقيقية.. لا أحد يعمل على حل غير عنيف أكثر منا”.
وأصرت بيرلي “هل تدينه؟”، فأجاب زملط “لا، أنا أدين السبب الذي أدى إلى ذلك وهذا ما يجب علينا فعله”. فأعادت السؤال “إذن أنت لا تدين العملية؟” فردّ مرة أخرى “يمكننا الجلوس هنا حتى صباح الغد للتحدث عن الإدانات. يجب علينا وقف دورة العنف وهذا ما علينا فعله وعلينا البحث عن السبب الجذري له”.
وعلى صفحتها بموقع التويتر، اختزلت المذيعة البريطانية مقابلة السفير الفلسطيني بردوده الرافضة لإدانة عملية القدس.
Kay: 15yr old boy kills 7 Israelis including a newly married couple helping the injured – do you condemn that?@hzomlot : Every life lost is a tragedy…
Kay: But do you condemn it?
Palestinian Ambassador: No.#KayBurley FC pic.twitter.com/vvI9toNNuK
— Kay Burley (@KayBurley) February 1, 2023
وأثار رفض زملط لإدانة عملية القدس، التي نفذها شاب (21 عاما) وليس طفلا في الـ13 كما قالت المذيعة، موجة من الجدل، وسرعان ما انهال عليه الهجوم من عدة وسائل إعلام بريطانية وفي عناوين مثل “لماذا لا يدين السفير الفلسطيني قتل المدنيين؟” في مجلة “سبكتاتور” (spectator) و”السفير الفلسطيني يرفض إدانة العملية الإرهابية” في موقع نقابة الأخبار اليهودي.
وتساءل مغردون آخرون حول ما إذا كان رفض زملط للإدانة حقيقيا أم إن بيرلي ورطته من خلال اقتضاب حديثه في تغريدة صغيرة.
سؤال للفلسطينيين فقط
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، علق تيم جوبسيل نقيب “الصحفيين المستقلين- فرع لندن” في اتحاد الصحفيين ببريطانيا، قائلا إن ما جاء في اللقاء كان متوقعا.. هم لا يسألون المسؤوليين الإسرائيليين ما إذا كانوا يدينون الهجمات على الفلسطينيين، ولكنهم دائما يوجهون هذا السؤال للمسؤولين الفلسطينيين”.
وأضاف جوبسيل “هذا ليس عنصرية ولا إسلاموفوبيا ولكنه دعم مطلق للإسرائيليين، إنه دعم للولايات المتحدة، فإسرائيل هي الشعب المفضل لها وهذا هو الأمر”.
ويشغل جوبسيل أيضا منصب المسؤول الرسمي لأخلاقيات الصحافة في اتحاد الصحفيين ببريطانيا وانتخب عضوا بمجلس الأخلاق بالاتحاد وهو المشرف على ميثاق الشرف المهني للصحفيين في بريطانيا.
وقال جوبسيل إن زملط ” أجاب الإجابة العادلة لأن إسرائيل لا تتضامن مع الضحايا الفلسطينيين. كما أن المذيعة لم تسأل السؤال نفسه للسفيرة الإسرائيلية”. وأضاف “السفيرة لا يتم لومها لأنه لا يوجد عليها التزام أخلاقي فيما يتعلق بتحوير الألفاظ أو الالتزام بميثاق الشرف الصحفي، لكن الإعلامي ملزم بميثاق الشرف الصحفي”.
ووصف جوبسيل تغريدة المذيعة المقتضبة بـ”غير الدقيقة”. وقال إن “هذا ليس الخرق الوحيد لأخلاقيات الإعلام، بل إن المذيعة خرقت أيضا معايير الأخلاق المهنية لأنها لم تسأل السؤال نفسه للجانبين”.
وأضاف “الإعلام يغطي كل “ضحية” إسرائيلية ولكن هذا لا يحدث مع الجانب الفلسطيني، وبالطبع هذا انحياز فج لصالح الجانب الإسرائيلي”. مضيفا أن “إسرائيل لا حق لها فيما تفعله، ولكن هنا نحن نتحدث عن الأخلاقيات في الإعلام وعن التوازن في التغطية بين الجانبين”. وقال إن العديد من الإعلاميين “أخفقوا في الاتساق مع ميثاق الشرف الصحفي عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية”.
لعبة عمرها 100 عام
من جانبه، قال السفير حسام زملط في حديث للجزيرة نت، إن أسلوب المذيعة يتصف بـ”الازدواجية والكيل بمكيالين والانحياز”. وقال “لم نجد ولا مرة إصرارا على الرسميين الإسرائيليين وسفرائهم لشجب وقتل المدنيين الفلسطينيين. وطبعا أعداد الضحايا من الفلسطينيين أكثر بكثير”.
وأضاف زملط “لعبة الإعلام التقليدي الدولي الغربي تحديدا لعبة عمرها 100 عام منذ وعد بلفور وحتى اليوم.. هناك عملية تعتيم مستمرة وممنهجة على الفظائع التي يرتكبها الاحتلال منذ النكبة وحتى الآن”. وبرأيه ” لا يتم تغطية الضحايا الفلسطينيين على أيدي قوات الاحتلال ولكن عندما يكون هناك “ضحايا” وقتلى إسرائيليين يقومون بالتغطية” على حد تعبيره.
ويرى السفير أن “هناك تأطيرا وأدلجة من خلال حصر القصة في مصطلحات محددة وصناديق معينة، حيث يتم ربط الفلسطينيين بالعنف بينما تربط مفردات الإعلام الغربي الإسرائيلي بالدفاع، ولا أقصد كل الإعلام لكن منابر محددة”.
عند مقتل المستوطنين فقط
وأوضح زملط أنه لم يتم دعوته على مدار الأشهر الثلاثة الماضية سوى مرتين للإعلام؛ الأولى عندما قُتل فتى إسرائيلي “16 عاما” في القدس حيث تم دعوته لمقابلة في القناة الرابعة، وفي المرة الثانية كانت المقابلة الخاصة في “سكاي نيوز” عقب عملية القدس التي قُتل فيها 7 إسرائيليين أمام كنيس يهودي.
وقال السفير “بين المقابلتين وخلال يناير/كانون الثاني فقط قُتل 35 مدنيا فلسطينيا في استهدافات واغتيالات متفرقة، وواجه الشعب الفلسطيني مستوى مرعبا وغير مسبوق من العنف ولكن لم يتم دعوتي للتحدث للإعلام”.
ولم تستضف القنوات خلال الفترة التي ذكرها زملط السفيرة الإسرائيلية أو سؤالها عما إذا كانت تدين عمليات القتل ضد الفلسطينيين، وهو ما اعتبره جوبسيل خرقا واضحا لأخلاقيات الصحافة المتعارف عليها في بريطانيا.