أوريان 21: سويتو والناصرة.. مدينتان مختلفتان وفصل عنصري واحد | سياسة
لا يعيش سكان مدينة الناصرة في فلسطين تحت الاحتلال العسكري كما هو الحال في الضفة الغربية ولا تحت الحصار كما في غزة، ولكن تشبه الحالةُ الذهنية للسكان والتنظيم الحضري والاجتماعي في هذه المدينة العربية في عام 2023 -إلى حد التماهي- حالةَ الفصل العنصري التي كانت تعيشها مدينة سويتو عام 1989 في جنوب أفريقيا.
هكذا لخص موقع “أوريان 21” (Orient XXI) الفرنسي مقالا لموفده الخاص إلى الناصرة جان ستيرن، مهد له بوصف الحالة في مدينة سويتو عندما زارها عام 1989 وهي تغلي قبيل إطلاق سراح المناضل والرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، فقد عانى سكانها من القمع العنيف وقتل فيها مئات السود خلال الاحتجاجات، مثلما قُتل على مدى عقود مئات الفلسطينيين في مظاهرات بغزة والضفة والقدس الشرقية والناصرة.
“نحن نكسب حريتنا الآن”
في عام 1989، كانت سويتو -كما رآها ستيرن- عالما منفصلا، ولكنها كانت أقل عزلة عن العالم مما عليه اليوم غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ يمكن الدخول إليها والخروج منها رغم أن الشرطة تتحكم وفق الظروف بالوصول إلى أزقتها وبيوتها القصديرية.
ويقول الكاتب، هناك قابلت أشخاصا متفائلين يعملون لمستقبل بلد يأملون في أن يتخلص قريبا من نظام عنصري يندد به العالم بأسره، وقد قال لي سويزو (30 عاما) وهو يرقص معي وكأن سُكرا أصابه لرؤية نظام الفصل العنصري يتداعى؛ “نحن الآن نكسب حريتنا”، وقد أدرك سويزو بعد الكثير من الغضب والموت، أن تعبئة العالم قد أخرجت نضالهم من الظل، وهو وأصدقاؤه فخورون بإزالة نظام تمييز عتي ومنظم.
أما في الناصرة، البلدة الشرقية التي يحج إليها جزء من العالم المسيحي، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 200 ألف نسمة، فأنا أقابل بعد 30 سنة من زيارتي لسويتو، أشخاصا قلقين ومكتئبين يعتقدون أن مستقبلهم مسدود، وهم يشاطرون مانديلا وجهة النظر التي تقول إن بقاء الفصل العنصري يعتمد على قدرة إسرائيل على الحفاظ على يهودية الدولة، بدون أقلية فلسطينية قد تصبح أغلبية تجبر تل أبيب على التحول إلى دولة ديمقراطية أو ثنائية القومية، أو دولة فصل عنصري صريح بحكم الأمر الواقع.
حالة قلق
حالة القلق هذه تسكن معظم الذين التقيت بهم، ممن كان يُطلق عليهم ذات يوم عرب إسرائيل، وأصبحوا يفضلون اليوم تسمية أنفسهم بالفلسطينيين، فهم رغم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ يتضامنون مع إخوانهم المحتجزين على الجانب الآخر من الجدار أو العالقين في غزة، ولديهم بالفعل انطباع بأنهم يعيشون الفصل العنصري يوميا.
إن الفصل العنصري -كما يقول الكاتب- موجود ومرئي للعين المجردة، وإن لم يكن هناك حاجز بين الناصرة العربية القديمة والناصرة الجديدة ذات الغالبية اليهودية، فقد لاحظنا عند وصولنا مركزين للتسوق، الأول عند بوابات البلدة القديمة والثاني على مرتفعات عند مدخل الجديدة؛ مركز للعرب وآخر لليهود؛ ليتجنب كل طرف الطرف الآخر، كما لم يكن يسمح للسود في سويتو بالتسوق في مراكز التسوق الفاخرة في وسط جوهانسبرغ.
“الفصل العنصري في بيتي”
الفصل على أساس المستوى المادي أو اللون أو العرق والديانة، يخلق مجتمعات متصدعة، وهذا ما يحدث في إسرائيل كما يصفه ماتا (40 عاما)، وهو مواطن إسرائيلي، حيث يقول “القانون يكرّس التمييز، فأنا وزوجتي مثلا لدينا وضعين مختلفين، وبالتالي فإن الفصل العنصري حاضر في بيتي”. ويشرح ماتا كيف أن زوجته نصيرة، التي ولدت في القدس الشرقية، لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها.
وتقول نصيرة “الأمر بسيط. ماتا يملك الحق في التصويت، أما أنا فلا، كما أنه يستطيع السفر إلى أي مكان، وأنا لا يمكنني ذلك. وبإمكانه الالتحاق بالكلية التي يختارها، وهو ما لا أستطيعه. إننا نعيش معا هنا، ولكنني قد أجبر على العودة إلى القدس الشرقية في أي وقت”.
ويتساءل الكاتب؛ أي نوع من الديمقراطية هذا الذي يتبناه بلد يحمل جزء من سكانه ومواطنيه 4 أوضاع مختلفة وفق المكان الذي ولدوا أو يعيشون فيه، فسكان الناصرة داخل حدود أراضي عام 1948 لديهم وضع مختلف عن سكان القدس الشرقية كما أن لسكان الضفة الغربية وضعا آخر مختلفا عن وضع سكان غزة.
خوف من الهوية العربية
ويستنكر المثقف رضا (30 عاما) قانون يهودية الدولة الذي اعتمد في عام 2018، مشيرا إلى أنه دليل على أن إسرائيل ترى أن الهوية العربية تهديد لها، وهو ما تعززه وسائل الإعلام والرأي العام الإسرائيلي.
ويقول ستيرن؛ في قاعة حفلات بقلب أحد الأسواق في مدينة الناصرة عشت أجواء شبيهة بتلك التي عشتها في سويتو، حيث يروي الجميع قصصا طافحة بالقهر والإذلال. وينقل عن شاب من الحاضرين من عائلة شيوعية مسيحية يدعى سليمان قوله “في عام 2000، نظّمتُ في الناصرة مظاهرات مؤيدة للانتفاضة، تم قمعها بوحشية وسقط خلالها قتلى. وفهمت حينها أن إسرائيل دولة فصل عنصري، وأن الإسرائيليين لا يسعون لحل مشكلة التمييز، فهم يستخدمونه ويديرونه”.
ويضيف رضا “قبل 20 عاما عندما تحدثنا عن الفصل العنصري، اتُهمنا بالتطرف، وها هي الآن منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية غير الحكومية تتحدث عن نظام الفصل العنصري وكذلك منظمة العفو الدولية”.
ويختم ستيرن مقاله بالإشارة إلى أن تقريرا لمنظمة العفو الدولية قد سلط الضوء على التمييز الذي يعاني منه الفلسطينيون وفق مكان إقامتهم، مستخدما قضيتين هما موضوع المياه والتعليم؛ إذ لا يسمح لمن يعيشون في الأراضي الفلسطينية بالوصول إلى المياه إلا بصورة محدودة للغاية خلافا للمستوطنين، أما فيما يتعلق بالتعليم فإن الطلاب الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية أقل حظا فيه من أطفال اليهود.