استعدادات للحوار الوطني.. هل تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى انفراجة سياسية بمصر؟ | سياسة

القاهرة- مع اقتراب شهر رمضان الكريم، يدخل التكليف الرئاسي بإطلاق حوار وطني عامه الأول دون أن تنطلق أولى جلساته، لذلك يحاول مجلس أمناء الحوار الوطني (جهة حكومية) ترتيب أوراقه بصورة نهائية لإطلاق الجلسات الفعلية قريبا، في وقت تكثف المعارضة مساعيها لإحداث انفراجة سياسية قبل تلك البداية، وفق شروط معلنة يتقدمها مطلب العفو العام عن سجناء الرأي، مؤكدة أن لذلك فوائد كثيرة في ظل ضغوط الأزمة الاقتصادية.
مساعي المعارضة أكدها مراقبون تحدثوا للجزيرة نت، معتبرين أن المرحلة الحالية لا تحتمل مزيدا من التأخير في تصحيح المسار، في ظل الإيجابيات الكثيرة التي ستتواكب مع إحداث الانفراجة السياسية، خاصة البعدين الاقتصادي والحقوقي.
وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي إشارة بدء الحوار الوطني خلال “إفطار الأسرة المصرية” في رمضان الماضي، مؤكدا أهمية التنسيق مع كافة تيارات وفئات المجتمع، لإدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة.
الحوار الوطني أرضية ملائمة
في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والأكاديمي المصري خيري عمر أن الحوار الوطني يمكن أن يشكل أرضية ملائمة لمناقشة كثير من القضايا، وفتح الباب لانفراجة سياسة قريبة، خاصة أن الجدول المقترح من أمانة الحوار الوطني مؤشر لفتح الدولة النقاش حول الكثير من النقاط، وبطريقة يمكن البناء عليها، بما يتضمن وضع أولويات للشأن العام.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف عمر أن حدوث انفراجة سياسية الوقت الحالي وتوسيع نطاق الاستشارات والمشاورات، حول القضايا الوطنية، يعتبر عاملا مهما في حشد الآراء حول نقطة التلاقي في المجال السياسي العام، مما يساعد على بناء التوافق على المصالح الداخلية والخارجية، وتعزيز ثقة الاستثمار الأجنبي المباشر، وإرساء قواعد للعلاقة داخل المؤسسات، وفيما بين الحكومة والشعب.
ويشير إلى أن تسهيل الحوار لبعض القضايا يعد مهما هذه المرحلة، لمواجهة التحديات المختلفة وشرحها للجماهير، بهدف خفض الاعتراضات إلى أقل حد ممكن، ورص الصفوف خلف الدولة في القضايا الخارجية، التي تواجه فيها تحديات على الحدود الغربية والجنوبية والأبعاد الإقليمية الأخرى، مما يساعد الدولة في التعامل مع تلك الازمات، مضيفا “وما فعلته الدولة في المبادرة المصرية في الحوار السوداني، تستطيع فعله داخليا بالإصلاح السياسي”.
انعكاسات إيجابية
من جانبه، يرى البرلماني السابق رئيس برلمان المصريين بالخارج -سابقا- محمد جمال حشمت أن إحداث انفراجة سياسية حاليا من شأنه معالجة بعض معالم الواقع الاقتصادي المتدهور واحتواء غضب المواطنين.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد حشمت أن إقرار حل سياسي يسع الجميع مطلب وطني ومهم، مستدركا “لكن من صنع الأزمة مازال يعرقل الحل، ويجد صعوبة في اتخاذ قرار التصحيح، وما زال يجد من يساعده على الإبقاء على الوضع على ما هو عليه، وهنا الخطر”.
في السياق ذاته، يرى قطب العربي مدير المرصد العربي لحرية الإعلام الأمين العام المساعد الأسبق للمجلس الأعلى للصحافة أنه حال استجاب النظام للمطالبات بانفراجة سياسية، فإن ذلك سينعكس إيجابيا على الأوضاع العامة، معددا أمثلة ذلك بالإفراج عن المعتقلين وبخاصة الصحفيين والإعلاميين، أو تخفيف القيود على وسائل الإعلام، أو السماح بحق التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد العربي وجود أضرار كبيرة في حال تأخر تصحيح المسار أو استمرار نفس السياسات القديمة، واستهلاك الوقت وعدم إنجاح الحوار الوطني.
وأوضح أن إقرار الانفراجة السياسية سينشر أجواء من السكينة والاطمئنان، مما يدفع المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب لضخ استثمارات كبيرة بالسوق المصري، يسهم في إخراج الوطن من أزمته الاقتصادية، كما أن ذلك سيجلب دعما دوليا للمسار الانفتاحي، ومن هذا الدعم دخول استثمارات أجنبية حقيقية تستفيد باتساع السوق المحلي وكونه ممرا لأسواق أفريقيا أيضا.
مسارات تفعيل التكليف الرئاسي
من جهتها، تتحرك الحكومة وفق التكليف الرئاسي في 3 مسارات بارزة منذ ما يقرب 10 أشهر من أجل تفعيل الحوار الوطني وترتيب المشهد العام، وسط جدل حول التأخر في إنجاز الحوار الوطني، ومن بين مسارات التحرك:
- أولا: مجلس أمناء الحوار الوطني
يعتبر واجهة مؤسسات الدولة الرئيسة للتنسيق بين الحكومة والمعارضة، وحدد هذا المجلس، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، المحاور الرئيسية واللجان الفرعية والموضوعات التي ستتم مناقشتها خلال جلسات الحوار الوطني، وفق بيان رسمي. وعقد مجلس الأمناء اجتماعا رسميا، الاثنين 6 فبراير/شباط الجاري، لمناقشة آخر تطورات الاستعدادات النهائية لانطلاق الجلسات الفعلية للحوار.
- ثانيا: لجنة العفو الرئاسي
ساهمت اللجنة وفق تقديراتها المعلنة في خروج 1200 من المعتقلين منذ بدء عملها مع التكليف الرئاسي في أبريل/نيسان الماضي. ووفق تصريحات عضو اللجنة البرلماني محمد عبد العزيز، فإن عملها مستمر حتى خروج آخر سجين باستثناء من وصفهم بـ “أعضاء الجماعات الإرهابية” مؤكدا أن “لجنة العفو تمثل قوة دفع للحوار الوطني ورسالة طمأنة لجميع أطراف العملية السياسية”. في حين كشف عضو اللجنة البرلماني طارق الخولي أنه قريبا سيتم الإعلان عن قوائم عفو جديدة، بحسب تصريحات صحفية.
- ثالثا: مساحات جديدة
تشهد بعض النقابات المهنية والحركة المدنية الديمقراطية (تجمع المعارضة) هامشا جديدا في التحرك خلال الفترات الأخيرة، وهو ما ظهر في مظاهرات نقابة المحامين مؤخرا في أزمتي” الفاتورة الإلكترونية ومحامي مطروح” واجتماعات الحركة المدنية، وحملات مقاطعة السلع مرتفعة الثمن مثل الدواجن، وفق مراقبين.
وفي مقال بعنوان “من المستفيد من الحوار الوطني؟” يؤكد الناشط السياسي والكاتب الصحفي محمد صلاح وجود مساحات جديدة في المجال العام وإن كانت محدودة، بعد بدء الحديث عن الحوار الوطني، وهو ما ظهر في إتاحة “الدولة للحركة المدنية بعض المساحات للعمل السياسي، والإفراج عن العشرات من المحسوبين على التيار المدني المعارض، بالإضافة إلى بعض اللقطات الإعلامية هنا وهناك، وعلى الأقل باتت الدولة تستمع للمعارضة وإن لم تنفذ أغلب ما تطلبه”.
في هذا السياق، يوضح مصدر حقوقي مصري، يعمل مع هيئات بالأمم المتحدة، أن المجتمع الحقوقي الدولي يراقب التطورات في مصر عن كثب، ويشجع الجهود المستمرة لمجلس أمناء الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي، لمعالجة التداخل بين قضايا حقوق الإنسان والقضايا السياسية والاقتصادية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يحذر هذا المصدر (طلب عدم ذكر اسمه) من تأثير تجاهل توابع الأزمة الاقتصادية على حقوق الإنسان، مؤكدا أنه يجب على الحكومة ومجلس أمناء الحوار الوطني العمل معا لإيجاد حلول لانغلاق الأفق السياسي والمصاعب الاقتصادية، وفق ضوابط حقوق الإنسان، وعبر إشراك المجتمع المدني في تطوير تلك الحلول.
مطالب ومبادرات المعارضة
بدورها، تكثف المعارضة من مساعيها لإحداث انفراجة سياسية، حيث دعت الحركة المدنية الديمقراطية إلى البدء في مسار التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي، وتهيئة المناخ المناسب لبدء الحوار بينها وبين مؤسسات الدولة.
وفي بيانها الأخير تحت عنوان “الإصلاح الديمقراطي ضمانة لتجاوز الأزمة الاقتصادية وتحقيق الأمن” حددت هذه الحركة 6 مطالب قبل انخراطها في جلسات الحوار الفعلية هي: سرعة الإفراج عن سجناء الرأي، الكف عن مطاردة المعارضين، التوقف عن توجيه التهم المستحدثة غير الدستورية، عدم تقييد حركة الأحزاب وفعالياتها في المحافظات، رفع الحجب عن المواقع الإعلامية، بالإضافة إلى التريث في إصدار القرارات بالشؤون المحالة إلى الحوار الوطني.
بدوره، قدم محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) أكثر من مبادرة مؤخرا لحلحلة المشهد السياسي، آخرها عشية الذكرى رقم 12 لثورة 25 يناير/كانون الثاني، بإصدار عفو سياسي عام، موضحا أن قرار الإفراج عن رجل الصناعة صفوان ثابت ونجله كان له أثره الايجابي في مجتمع المال والأعمال، وأن أي قرار بالعفو العام سيكون صداه أكبر وأقوى.
وقبل أيام، دعا حسام مؤنس القيادي الشاب بحزب الكرامة المعارض والحركة المدنية الديمقراطية، الحكومة، إلى ضرورة الإسراع بما أسماه “فتح متنفسات ومساحات للتعبير عن مختلف الآراء وللعمل السياسي السلمي المنظم” بجانب إقرار تعديلات تشريعية واسعة ترفع الحصار والقيود عن السياسة والإعلام والنقابات وغيرها، مؤكدا أن القلق من أثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية وما قد تؤدي إليه واجب ومشروع، لكن لا سبيل للتعامل معه إلا بذلك.
كما طالب السياسي المعارض البارز وأحد مؤسسي “الحركة المدنية” يحيي حسين عبد الهادي -في تدوينة له الثلاثاء 7 فبراير/شباط الجاري- بأن يكون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ضمن قوائم العفو وتأمين عودة المصريين من المنافي دون ملاحقة، إلى مطالب الحركة في الحوار الوطني، مؤكدا أهمية أن تكون الحركة مستوعبة للجميع.
المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي