لماذا تصمت إسرائيل وتتحدث واشنطن عن هجوم أصفهان؟ | سياسة
واشنطن- اعتاد العالم على صمت إسرائيلي محكم عند وقوع هجمات داخل إيران، في حين يسرب الإعلام الأميركي أنباء هذه الهجمات بعد دقائق من تنفيذها، وكان آخر ذلك ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الغارة بالمسيّرات التي استهدفت منشأة عسكرية في أصفهان (وسط إيران) ليلة أول أمس الأحد نفذتها إسرائيل.
وذكر دبلوماسي أميركي سابق للجزيرة نت أن “اختيار الصمت يتناغم مع إستراتيجية إسرائيلية قديمة وطويلة الأمد، فحتى اليوم لم تقر إسرائيل بامتلاكها سلاحا نوويا على الرغم من إدراك العالم هذه الحقيقة، وفي حالة إيران لم تعترف إسرائيل أبدا باغتيال علماء إيرانيين أو بتفجير بعض المنشآت أو شن هجمات سيبرانية، ونحن في واشنطن نعلم من قام بهذه الهجمات”.
إطار إقليمي وعالمي أوسع لهجوم أصفهان
جاء هجوم أصفهان الأخير في ظل العلاقات المضطربة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى وبعدما اشترت روسيا مئات الطائرات المسيرة من إيران -والتي استخدمتها لضرب المدن الأوكرانية- وبعد أن أصبح التحالف العسكري المتعمق بين إيران وروسيا يمثل مصدر قلق متزايد لواشنطن.
ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن قد لعبت دورا في ضربة أصفهان، أو ما إذا كانت إسرائيل -التي رفضت حتى الآن إمداد كييف بأي أسلحة- قد وافقت على تنفيذ هذا الهجوم جزئيا لإحباط شحنات الطائرات المسيرة الإيرانية إلى الروس، وقال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر إن الجيش الأميركي لم يلعب أي دور في هذه الضربات.
ويقول الدبلوماسي الأميركي -الذي تحفّظ على ذكر اسمه- إن “خروج أخبار وقوع هجمات داخل إيران يتسق مع التنسيق الكبير بين إسرائيل والولايات المتحدة، كما أن تسريبها من واشنطن يمنحها الكثير من المصداقية، خاصة في الساعات الأولى التي يحوم حولها الشك وفي ظل ضآلة المعلومات بشأن ما جرى”.
ويأتي التصعيد بعد أيام فقط من توجه مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى إسرائيل، كما جاء الهجوم بعد أقل من أسبوع على إجراء الجيشين الأميركي والإسرائيلي أكبر مناورة عسكرية مشتركة على الإطلاق بينهما شارك فيها أكثر من 7500 عنصر من الجانبين، وتم خلالها التدريب على سيناريوهات تدمير أنظمة الدفاع الجوي وإعادة تزويد الطائرات النفاثة بالوقود، وهو ما قد يشكل عناصر رئيسية في ضربة عسكرية مستقبلية ضد إيران.
ويمثل الهجوم فصلا آخر في الصراع طويل الأمد بين إسرائيل وإيران، حيث استخدمت إسرائيل التخريب والاغتيال وضربات الطائرات المسيرة لاستهداف برنامج طهران النووي وقدراتها في مجال الأسلحة التقليدية، وقامت إيران بتسليح العديد من القوى على طول الحدود مع إسرائيل، سواء داخل لبنان أو في سوريا أو حتى داخل الأراضي الفلسطينية.
واشنطن تتحدث وإسرائيل لا تنفي ولا تؤكد
من جهته، يرى خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت -وهو محاضر في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون- أنه و”كالعادة، رفضت إسرائيل تأكيد أو نفي ما جرى، وقللت إيران من تأثير الهجمات، مدعية أنها تسببت في أضرار طفيفة فقط، ولا توجد طريقة محايدة لتقييم نتائج هذا الهجوم بدقة بناء على المصادر المفتوحة”.
وفي حديثه للجزيرة نت يقول البروفيسور بهجت إن “زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية ومستشار الأمن القومي الأميركي إلى إسرائيل مؤخرا لا تعني بالضرورة أن الولايات المتحدة كانت متورطة في هذا الهجوم أو كانت على علم به، وليس هناك شك في أن هناك قدرا كبيرا من التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي بعض الأحيان يتبادل المسؤولون الإسرائيليون المعلومات مع نظرائهم الأميركيين، وأحيانا لا يفعلون ذلك”.
ويضيف “سياسيا، تحاول الولايات المتحدة الضغط على إيران لقبول المزيد من التنازلات في المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، وهذه المفاوضات لم تمت، فقد كان وزير الخارجية القطري في طهران أمس الأول وسلم رسالة إلى نظيره الإيراني تتعلق بالمفاوضات النووية”.
الموقع تعرض لهجوم بالمسيّرات قبل نحو 4 أعوام، والسلطات الإيرانية قامت بتحصينه منذ ذلك الوقت.. تفاصيل جديدة عن الهجوم على منشأة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية في محافظة #أصفهان | تقرير: صهيب العصا #الأخبار pic.twitter.com/2M4mEMKYgL
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 31, 2023
هل تملك إيران وسائل للرد؟
في حرب الظل هذه بين إيران وإسرائيل يحاول كلا الطرفين تسجيل نقاط، ويذكر البروفيسور بهجت أنه “حتى الآن تمثل مواجهة هجمات الطائرات بدون طيار تحديا كبيرا ليس فقط لإيران، ولكن لجميع البلدان، ومع ذلك لا يزال أمام طهران العديد من الخيارات، وكما كان الحال في الماضي فمن المرجح أن تهاجم إيران أهدافا داخل إسرائيل أو في الشرق الأوسط الواسع، بما في ذلك السفن في الخليج وفي العالم بأسره، وتمتلك طهران قدرات متقدمة في مجال الطائرات بدون طيار والهجمات السيبرانية”.
بدورها، تقول باربرا سلافين الخبيرة في الشؤون الإيرانية بمعهد ستيمسون إنه “مع اقتراب نسيان المحادثات النووية والتوترات الجديدة مع الفلسطينيين تستأنف إسرائيل هجماتها المباشرة على أهداف إيرانية داخل إيران وخارجها، من الواضح أن إدارة بايدن قد وافقت على هذا النهج حتى في الوقت الذي تحاول فيه إنكار معرفتها المسبقة بالهجمات، وتشعر الولايات المتحدة خاصة بالإحباط من تزويد إيران روسيا بطائرات بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا، ولا ترى أي احتمال لإحياء الاتفاق النووي في وقت قريب”.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت سلافين إن “هذا التصعيد محفوف بالمخاطر بالطبع، لكن يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تراهنان على أن إيران ليست في وضع يسمح لها بفعل الكثير في المقابل نظرا لأزمة الشرعية الداخلية فيها والاقتصاد المتعثر”.
أما البروفيسور بهجت فختم حديثه للجزيرة نت بالتأكيد على أن “المنطقة تشهد توترات واسعة، وأن هذا الهجوم هو تصعيد إضافي للتوتر في الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد الحاجة إلى اختتام المفاوضات النووية بنجاح والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن هيكل أمني إقليمي جديد”.