فصلتهما ساعات.. ما سر زيارتي البرهان وحميدتي المزدوجة إلى تشاد؟ | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم – أسئلة عدة أثارتها الزيارة المزدوجة التي أجراها رئيس مجلس السيادة في السودان ونائبه بشكل منفصل إلى العاصمة التشادية نجامينا، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الرجلين، ونظرة بعض الدول للسودان على أساس أنه دولة برأسين، وخطورة الأوضاع في المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى تصاعد صراع النفوذ الأميركي الفرنسي الروسي في المنطقة.
وأول أمس الأحد، أجرى رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان ورئيس الفترة الانتقالية في تشاد محمد إدريس ديبي محادثات، ركزت على القضايا الأمنية والحدود ومكافحة الإرهاب، وتعزيز القدرات العملياتية للقوات السودانية التشادية المشتركة المنتشرة على الحدود، وتفعيل القوة الثلاثية المشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى التي تم إنشاؤها في العام 2005 وتبادل المعلومات بين أجهزة الأمن والاستخبارات.
ورافق البرهان في زيارته وزير الخارجية علي الصادق، والمدير العام لجهاز المخابرات العامة أحمد إبراهيم مفضل، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية محمد علي أحمد صبير.
وبعد عودة البرهان بساعات، أجرى محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع -أمس الاثنين- زياة مماثلة لتشاد، وأجرى أيضا محادثات مع محمد إدريس ديبي، وناقش معه أيضا قضايا الحدود والأمن. ورافق حميدتي في زيارته مسؤول دول الجوار في وزارة الخارجية السفير عبد العزيز حسن صالح، ومدير هيئة المخابرات في جهاز المخابرات العامة عباس محمد بخيت.
روسيا وأفريقيا الوسطى
يأتي ذلك بعد تصريحات بدت متضاربة بين البرهان وحميدتي بشأن الأوضاع الأمنية والسياسية في أفريقيا الوسطى، حيث أعلن حميدتي في ديسمبر/كانون الأول الماضي إحباط مخطط لقلب نظام الحكم في أفريقيا الوسطى، تقف وراءه جهات داخل السودان، مؤكدا توقيف عسكرين متقاعدين ومجموعات مسلحة تم تدريبها.
لكن البرهان رد عليه ضمنا خلال زيارته إلى إقليم النيل الأزرق في يناير/كانون الثاني الجاري، عندما أشار إلى أن “الجيش السوداني لم يجند يوما مرتزقة حتى تقاتل في بلد آخر”، مضيفا “نحن جيش محترف ونظامي نعترف بالنظم والقوانين الدولية، ولن نزعزع استقرار أي دولة”.
في هذا السياق، يقول مسؤول في القصر الرئاسي السوداني إن رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي، زار الخرطوم سرا في منتصف العام الماضي، ونقل إلى البرهان أن لديه معلومات حول تدريب قوات فاغنر الروسية مقاتلي المعارضة التشادية في قواعد روسية بأفريقيا الوسطى، وذلك للإطاحة بنظام الحكم في تشاد، وأن قوات يعتقد أنها تابعة للدعم السريع أغلقت الحدود مع السودان، لكنها تقدم دعما لوجستيا للمعارضة التشادية في أفريقيا الوسطى.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار المسؤول السوداني إلى أن معلومات مماثلة تلقاها البرهان من جهات أميركية وفرنسية، أعربت عن قلقها من التقارير الاستخبارية بشأن تعاون قوات الدعم السريع مع قوات فاغنر الروسية، فضلا عن مشروعات استثمارية مشتركة في التعدين عن الذهب واليورانيوم في أفريقيا الوسطى ودول أفريقية أخرى توسع فيها النفوذ الروسي على حساب فرنسا.
وأفاد المتحدث أن روسيا تدعم نظام الحكم في أفريقيا الوسطى برئاسة “فوستين تواديرا” الذي تقف خلفه مليشيات “أنتي بلاكا” المسيحية، بينما تسيطر المعارضة بقيادة مليشيا “السيلكا” ذات الغالبية المسلمة على نحو ثلثي مساحة البلاد، وتسعى شركة فاغنر إلى إضعافها للسيطرة على مناجم الذهب واليورانيوم، حيث ترى واشنطن -وفقا للمصدر السوداني- أن موسكو تخطط للسيطرة على الموارد وتغيير أنظمة أفريقية لتوسيع نفوذها في المنطقة، مشيرا إلى أن واشنطن تخطط للتعاون مع السودان لتحجيم النشاط الروسي المتنامي.
وأضاف أن اتفاق البرهان مع محمد ديبي بشأن تعزيز القوات على طول الحدود بين البلدين، يأتي بعدما انتشرت قوات الدعم السريع في بعض المناطق الحدودية عقب المواجهات القبلية في ولاية غرب دارفور المتاخمة للحدود التشادية، مشيرا إلى أن نشر قوات سودانية وتشادية و”أفروأوسطية” في الحدود بين الدول الثلاث؛ سيطمئن القيادة التشادية وسيصنع ارتياحا لدى باريس وواشنطن.
ورجح أن يسعى حميدتي لبث تطمينات لدى الزعيم التشادي، بعدما تلقى رسائل تحذير من دوائر أميركية وفرنسية، كما أنه يخشى غضب واشنطن التي صنفت قوات فاغنر منظمة إجرامية، وربما تعاقب من يتعاونون معها وتفرض عقوبات على أي جهات تتعاون عسكريا واستثماريا مع موسكو في سبيل منع التمدد الروسي.
دولة برأسين
في هذا الإطار، يرى المحاضر في مركز الدراسات الدبلوماسية في الخرطوم عبد الرحمن أبو خريس، أن زيارة البرهان وحميدتي في يومين متتالين إلى العاصمة التشادية، تشير إلى أن بعض الدول تتعامل مع السودان باعتباره “دولة برأسين”، وفق وصفه.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أبو خريس أن الوضع في البلاد معقد، حيث إن البرهان هو قائد الجيش الذي له الكلمة العليا في البلاد، لكن قائد الدعم السريع حميدتي بات يتمتع بنفوذ عسكري ومالي كبير وله وضع شبه مستقل، مما يجعل من الصعب تجاوزه.
ويعتقد المتحدث أن زيارة الرجلين إلى نجامينا تؤكد المعلومات الرائجة عن عدم الانسجام بينهما ووجود تقاطعات بشأن ملفات عدة.
وأضاف أن زيارة حميدتي إلى تشاد مرتبطة بالأوضاع في أفريقيا الوسطى والتحركات العسكرية لقوات الدعم السريع في الحدود السودانية مع تشاد، موضحا أن قوات الدعم السريع انتشرت على أجزاء من الحدود التشادية بعدما كان ينتشر فيها الجيش السوداني مع نظيره التشادي، ما أثار مخاوف محمد ديبي، “خصوصا مع التجاوزات التي ارتكبتها تلك القوات خلال الفترة الماضية على الحدود”، وفق تعبير المتحدث.
صفحة جديدة ومخاوف قبلية
ويعتقد الأستاذ الجامعي والباحث في العلاقات السودانية التشادية إسماعيل آدم عمر، أن حميدتي أراد أن يزور تشاد منفردا لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع قيادتها بعد مراجعات فرضتها تطورات إقليمية ودولية.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال عمر إن تعاون حميدتي مع روسيا سيجلب عليه متاعب من الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة، كما يُعقّد علاقاته مع مجموعات مؤثرة في إقليم دارفور، حيث إن الحركات الرئيسية في الإقليم ينتمي قادتها إلى قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها محمد إدريس ديبي في تشاد.
وأشار في هذا الإطار إلى حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (حركة تحرير السودان)، ووزير المالية جبريل إبراهيم (حركة العدل والمساواة)، وعضو مجلس السيادة الطاهر حجر (تجمع قوى تحرير السودان).