للباحثين عن عمل.. مهارات لا غنى عنها زمن التكنولوجيا | أسلوب حياة
هناك أزمة توظيف عالمية، خصوصاً الوظائف الجديدة جداً أو غير الموجودة حتى الآن، في زمن تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية بشكل كبير، لدرجة أن ملايين الشباب في أرجاء العالم معرّضون لخطر التخلّف عن الركب ما لم يحصلوا على المهارات اللازمة للنجاح.
ومؤخراً، ومع الاهتمام الكبير الذي حظي به برنامج “شات جي بي تي” (ChatGPT) من “أوبن إيه آي” (OpenAI) والتساؤلات المتجددة حول إمكانية أن تحل الروبوتات مكان البشر في ميدان العمل، وهل يعني اختراع مثل هذا البرنامج دق ناقوس الخطر للطلاب والكتاب والموظفين الحاليين والشباب الباحثين عن عمل في المستقبل.
في الحقيقة، لا أحد يعرف بالضبط التأثير الذي سيُحدثه برنامج الدردشة الآلي في النهاية، أو الاختراعات والابتكارات المستقبلية على سوق العمل. ولكن تأثير الآلات على سوق العمل سؤال قديم ومطروح للبحث منذ عقود.
الأتمتة: الخطر الكامن
عام 1821، أضاف الاقتصادي البريطاني ديفيد ريكاردو إلى الإصدار الثالث من كتابه الكلاسيكي “مبادئ الاقتصاد السياسي” فصلاً بعنوان “حول الآلات” (On machinery) محاولا إظهار كيف يمكن لتقنيات الثورة الصناعية المبكرة أن تؤذي العمال وتسلبهم وظائفهم. أما برواية “لاعب البيانو” (Player Piano) لكورت فونيغوت، الصادرة عام 1952، فقد تخيل المؤلف أميركا وقد قضت فيها الأتمتة على معظم فرص العمل.
على أرض الواقع، لم يحدث شيء من هذا، فقد كان البشر دائماً قادرين على التعامل بذكاء مع الابتكارات التقنية الجديدة، ولم يخسروا عملهم، بل زادت إنتاجية العمال في أميركا بمقدار 5 أضعاف عما كانت عليه سابقاً، بحسب تقرير نشرته مؤخرا صحيفة “نيويورك تايمز” (NY Times) الأميركية.
يقول مات سيغلمان، رئيس معهد “بيرننغ غلاس إنستيتيوت” (Burning Glass Institute) لبحوث سوق العمل “الفكرة القائلة بأن الأتمتة هي هذا الخطر الكامن في الأفق شيء يجب أن نعيد التفكير فيه. نحن نرى أن الأشخاص الذين يتقنون مهارات الأتمتة يحصلون على رواتب أعلى بكثير من أولئك الذين لا يفعلون ذلك”. ومع ذلك، فهو يقر بأن هذه المهارات تتغير بسرعة، وأن أولئك الذين لا يواكبون تنمية وتطوير مهاراتهم قد يتعرّضون للخطر، وفق تقرير نشرته أخيراً مجلة “فوربس” (Forbes) الاقتصادية الأميركية.
والسؤال الحقيقي الذي يجب طرحه ليس حول ما إذا كانت الأتمتة والروبوتات ستحل محل البشر في مكان العمل، بل ما هي المهارات الأساسية الحاسمة التي يحتاجها الشباب مستقبلاً كي لا يخرجوا من سوق العمل زمن الثورة الصناعية الرابعة؟ وما المجالات الأساسية التي تتمتع بأعلى معدل توظيف في حال معرفتها وإتقانها؟
للإجابة عن هذا السؤال، أجرى معهد “بيرننغ غلاس إنستيتيوت” بحثًا واسع النطاق، فتم تحليل بيانات من 228 مليون وظيفة شاغرة على مدى السنوات السبع الماضية، وجمع نحو 30 ألف مهارة مطلوبة -من اللحام إلى هندسة البيانات- وصنّف هذه المهارات ضمن 444 مجموعة.
4 مجموعات من المهارات
من هذا التحليل الشامل، ظهرت 4 مجموعات من المهارات، ليست فقط الأسرع نمواً (تتمتع بأعلى معدل توظيف منذ عام 2018) ولكنها أيضاً الأوسع انتشاراً (تظهر في مجموعة كبيرة من الصناعات) وهي:
- الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence)
- التعلم الآلي (machine learning)
- الحوسبة السحابية (cloud computing)
- إدارة الإنتاج ووسائل التواصل الاجتماعي (product management and social media)
ووجد التقرير أنه عام 2021، تطلبت وظيفة واحدة من كل 8 وظائف شاغرة من هذه المجموعات الأربع من المهارات على الأقل. كما وجد البحث أن هناك نقصاً كبيراً وحقيقياً في هذه المهارات، وأن “هذا النقص موجود ليبقى” بحسب تعبير سيغلمان.
ولفت التقرير إلى أن الأشخاص الذين يتقنون واحدة من هذه المهارات يتلقون رواتب عالية جداً، وأكثر بكثير من بقية الموظفين في القطاعات الأخرى، وفق مجلة “فوربس”.
كما أوضح ما سمّاه “المهارات الغارقة” (submerging skills) أي التي لن يكون عليها طلب كبير في المستقبل، وتشمل: الاستشارات التجارية، المبيعات، هندسة قواعد البيانات وإدارتها، تصميم المواقع الإلكترونية وتطويرها. كما تشمل الوظائف التي يتراجع الطلب عليها مديري قواعد البيانات والمستشارين الماليين الشخصيين والمدققين بأنواعهم.
مهارات أخرى
إلى المهارات الأربع السابقة، ذكرت دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي (world economic forum) -نشرت عام 2021- عدداً من المهارات والوظائف التي سيكون عليها طلب كبير في المستقبل، نذكر أبرزها:
متنبئ الكوارث الإلكترونية (Cyber Calamity Forecaster)
إضافة إلى جائحة كورونا، كانت الكارثة الكبرى عام 2020 الهجمات الإلكترونية الضخمة التي ترعاها الدول أو منظمات إرهابية إلكترونية هدفها الابتزاز والترويع، والقدرة على التنبؤ بهذه الهجمات ستكون إحدى مهارات ومهن المستقبل المزدهرة.
مدير تصميم المنازل الذكية (Smart Home Design Manager)
كان الدرس الأهم الذي تعلمه الناس خلال كورونا، ومع أيام وليالي الحظر الطويلة، أن منزل الإنسان هو جنته وقلعته الأخيرة، وقد انتشرت مؤخراً فكرة المنازل الذكية في مختلف أرجاء العالم. ومع انتشارها، سوف تزدهر مهنة “مدير تصميم المنازل الذكية” في المستقبل، إذ سيتم بناء المنازل أو تعديل القائم منها بطريقة ذكية مليئة بأجهزة التوجيه والتحكم وعوازل الصوت وشاشات الحائط ووسائل الحماية، بحيث تضمن الراحة والأمان للسكان.
مدير الفرق “الإنسان آلية” (Human-Machine Teaming Manager)
ستزدهر مهنة مديري الفرق المكوّنة من مزيج من البشر والآلات، لتنظيم العمل وتقسيمه، بحيث تؤدي الروبوتات المهام التي هي أقدر على أدائها من البشر، والعكس صحيح.
والشخص الذي سينظم كل هذا هو مدير الفرق “الإنسان آلية” الذي سيعمل عند لحظات التقاطع، ويؤمّن تعاوناً سلساً بين الطرفين. كما سيعمل على إيجاد طرق ووسائل لتعزيز هذا التعاون وتكوين شراكة طويلة المدى بين البشر والآلات، بدلاً من التنافس بين الطرفين.