اعتداءات على الحكام ورجال الشرطة.. العنف في الدوري التونسي كابوس يؤرق السلطات واتحاد الكرة | كرة قدم
تونس- لا يبدو تفشي العنف في الملاعب التونسية -خاصة في مباريات دوري كرة القدم- ظاهرة حديثة، لكن ارتفاع عدد حالات الاعتداءات اللفظية والجسدية على الحكام والشرطة والتنظيم في الأعوام الأخيرة صار كابوسا يقض مضجع السلطات واتحاد الكرة، في ظل استمرار العجز عن وقف الظاهرة والحد من تداعياتها.
ورغم أن تونس فرضت منذ موسم 2019-2020 قيودا صارمة على دخول المشجعين الملاعب، وحددت طاقة استيعاب قصوى لا تتجاوز 50% من طاقة استيعاب المدرجات، مع اقتصار الحضور على جماهير النادي المستضيف؛ فإن ذلك لم يكن حلا ناجعا للقضاء على الظاهرة، وصارت معظم مباريات الدوري مناسَبة لعدد من المشجعين لمواجهات عنيفة واشتباكات مع الشرطة واعتداءات على الحكام والمدربين واللاعبين، ومحاولات للتخريب وبث الفوضى.
أضرار جسيمة وإصابات بالجملة
وشهدت الملاعب الرياضية في تونس -في شتى الاختصاصات- ما يقارب 150 حادثة عنف وشغب منذ أواخر 2021 وحتى نهاية عام 2022، نصفها تقريبا تم تسجيله في مباريات كرة القدم، حسب تقارير رسمية أعلنتها وزارة الرياضة أثناء مؤتمر خُصص لدراسة الآليات الناجعة للحد من الظاهرة وإيجاد الحلول الكفيلة بتقليص حالات العنف.
وقدرت السلطات قيمة الأضرار بأكثر من مليون ونصف المليون دينار (500 ألف دولار)، إضافة إلى تسجيل 120 حالة عنف خلال الموسم الرياضي 2021-2022 شملت مختلف الاختصاصات الرياضية، و21 أضرارا في الممتلكات العامة والخاصة؛ خلفت اقتلاع مئات الكراسي من المدرجات وتخريب تجهيزات الملاعب.
وحسب التقارير ذاتها، فقد تعرض أكثر من 54 شخصا ينتمون للأمن وطواقم الحكام والمسؤولين إلى إصابات متفاوتة الخطورة بسبب الاعتداءات الجسدية التي تستهدفهم أثناء المباريات أو بعدها.
وجاءت مباراة هلال الشابة والترجي التونسي الأسبوع الماضي -ضمن الأسبوع التاسع من الدوري الممتاز- لتشكل حلقة جديدة من ظاهرة العنف التي تتصاعد بشكل جنوني في الأوساط الكروية، وذلك عندما تعرض أحد أعوان الشرطة المكلفين بتأمين المباراة إلى الإصابة بجروح إثر الاعتداء عليه بالعنف من قبل مشجع لنادي الشابة مما استوجب نقله إلى المستشفى.
إصابات بين رجال الشرطة
وكشفت مصادر من أجهزة الأمن في تونس عن أن “العنف المسلط على الأمنيين المكلفين بتسيير المباريات وتأمينها ما انفك يتصاعد من أسبوع لآخر؛ مما يشكل خطرا محدقا على حياتهم، خاصة في ظل تجاهل الرأي العام للتهديدات التي تواجه عناصر الشرطة، لا سيما في المباريات التي تشهد حضورا جماهيريا غفيرا”.
وقالت المصادر -التي فضلت عدم الكشف عن هويتها- للجزيرة نت إن “المشجعين يلجؤون عادة إلى مهاجمة أعوان الأمن واستفزازهم خلال المباريات، كما أنهم يعمدون إلى تخريب المنشآت وإحداث الفوضى والقيام بعمليات سلب عند الخروج من الملعب، وهو ما يستدعي التدخل القوي لفرض الأمن وحماية الممتلكات العامة والخاصة”.
كما شهدت مباراة الترجي والنجم الساحلي -التي دارت منتصف يناير/كانون الثاني الجاري ضمن مباريات الدوري- مشاحنات عنيفة بين مشجعي الترجي وأفراد الشرطة؛ أسفرت عن إصابة أحد الضباط بجروح متفاوتة الخطورة نقل إثرها إلى المستشفى.
يشار إلى أن التعامل الأمني مع جماهير كرة القدم كثيرا ما وصف باللجوء إلى القوة المفرطة واستعمال وسائل ردع عنيفة، لكن الجهات الأمنية بررت ذلك بتعمد المشجعين استفزاز الشرطة ورشق أفراد الأمن بالقوارير والحجارة وسائر المقذوفات الخطيرة؛ مما أسفر عن إصابات متفاوتة الخطورة على عناصر الشرطة.
وكانت رابطة كرة القدم في تونس قررت إغلاق ملعب الشابة 3 أسابيع مع فرض عقوبة اللعب من دون حضور على فريق الهلال في ملعب محايد مع غرامة مالية قيمتها 20 ألف دينار (نحو 7 آلاف دولار) وذلك بعد ثبوت إصابة عنصر أمن.
من جانبه، كشف رئيس نادي هلال الشابة توفيق المكشر عن أن “قرار رابطة الدوري كان جائرا على فريقه، مضيفا أن فرد الشرطة تعرض للإصابة بقارورة بلاستيكية ألقاها أحد المشجعين غضبا من قرارات الحكم”.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال المكشر إن “ظاهرة العنف مرفوضة بكل المقاييس، لكن المظالم التي ما انفك اتحاد كرة القدم يسلطها على فريقنا وأندية أخرى كانت سببا رئيسيا في تفشي الظاهرة التي لا تعدو أن تكون جرس إنذار يحذر الاتحاد من انحرافه عن العدل والمساواة بين الأندية”. مضيفا أن “ظاهرة الفساد وتواطؤ الحكام في تغيير نتائج بعض المباريات أسهما في تصاعد وتيرة احتجاجات المشجعين”.
عقوبات غير رادعة
ولم يقتصر العنف على أفراد الشرطة، إذ استُهدف عدد من المدربين واللاعبين والمسؤولين؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعرض المدرب المساعد للترجي التونسي نادر داود إلى إصابة خطيرة في الرأس، بعد أن أصيب بحجر ألقاه أحد المشجعين تجاه دكة بدلاء النادي، ليتم نقل داود بسرعة إلى المستشفى علاج الجرح الذي تعرض له.
وتواصلت المشاحنات بين الجماهير والشرطة خارج الملعب لتسفر عن تخريب في الممتلكات وتكسير واجهات منازل؛ مما استوجب استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق الجماهير الغاضبة.
وتعليقا على تصاعد وتيرة العنف في الملاعب رغم العقوبات الرادعة التي يفرضها اتحاد كرة القدم، قال المتحدث الرسمي للاتحاد أمين موقو إن “قوانين كرة القدم في تونس هي التي تحدد مجال تدخل الاتحاد، ويقتصر تدخله في العادة على الغرامات المالية على الأندية، ويصل في حالات قصوى إلى فرض عقوبة اللعب من دون حضور الجمهور وإغلاق الملعب لمدة محددة، كما حصل مع نادي هلال الشابة”.
وقال موقو للجزيرة نت “ظاهرة العنف موجودة، وهناك الكثير من الحكام والمسؤولين والمدربين يتعرضون بشكل أسبوعي إلى عنف المشجعين، لكن الحد من الظاهرة يتجاوز أحيانا مهام الاتحاد الذي يبقى دوره ردعيا وتأديبيا، لكن دور السلطات والأندية وروابط المشجعين مهم جدا لترسيخ الروح الرياضية ووضع حد للعنف والشغب”.
وشهدت نحو 30 مباراة في الدوري حتى الآن أحداث عنف متفاوتة الدرجة طالت طواقم التحكيم، وكان آخرها في مباراة مستقبل سليمان والنادي الأفريقي، عندما حاول مشجعون ومسؤولون من الفريق الأول الاعتداء على الحكم نضال اللطيف بدعوى إلغاء هدف شرعي لفريقهم، كما شهدت وفاة مشجعين أيضا.
https://mobile.twitter.com/staddoha/status/980498522578587649