زيتها للشفاء والغذاء.. الأرغان شجرة المغرب الفريدة | الموسوعة
زيت الأرغان من أكثر المنتجات الزيتية رمزية في المغرب، لندرته في جميع بقاع العالم. يُستخرج من جوز شجرة الأرغان التي يلقبها أهل المناطق الموجودة فيها بـ”الشجرة المباركة” ذات الـ100 فضيلة، نظرا لمنافعها الكثيرة.
يستخدم زيت الأرغان في الطبخ وفي مستحضرات التجميل وحتى في الطب، بفضل خصائصه المغذية والمضادة للأكسدة، لكونه غنيا بشكل طبيعي بفيتامين “إي” (E) والأحماض الدهنية “أوميغا 6″ و”أوميغا 9”.
يحضر زيت الأرغان الصالح للأكل من ثمرة الأرغان المحمصة، بينما تستخدم الثمرة غير المحمصة في إنتاج زيت الأرغان الخاص بمستحضرات التجميل.
شجرة الأرغان
شجرة الأرغان أو “أرغانيا سبينوزا” (Argania spinosa) هي نبات من عائلة النباتات “الثنائية الفلقة” (Sapotaceae)، توجد بشكل رئيسي في المغرب، وخاصة في سهل سوس في جنوب البلاد، الذي يضم محافظات سوس ماسة ومراكش وآسفي وكلميم واد نون التي تتميز بمناخها الجاف.
كما توجد هذه الشجرة بنسبة قليلة في بعض المناطق الصحراوية بالجزائر، خاصة منطقة تندوف، وأجريت محاولات لاستنباتها بالولايات المتحدة الأميركية والمكسيك والكويت وإسرائيل بصحراء النقب ووادي عربة، لكن هذه المحاولات لم تنجح، بحيث نبتت بنسب ضئيلة جدا ولم تنتج ثمارا.
تتميز شجرة الأرغان بجذع قصير وفروع كثيفة ومنخفضة وأوراق شوكية، ويوجد منها في المغرب 20 مليون شجرة موزعة على 830 ألف هكتار، وتنتج الشجرة الواحدة في السنة نحو 8 كيلوغرامات من ثمار الأرغان.
وتنمو هذه الشجرة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، حيث تستطيع الصمود أكثر من 200 سنة، في بيئة قاسية في ظل ندرة المياه، وخطر التعرية والتربة الفقيرة، لدرجة أنها تنمو حتى على ارتفاع 1500 متر فوق مستوى سطح البحر. بالإضافة إلى ذلك، تعد شجرة الأرغان من بين أقدم الأشجار في المغرب، إذ يعود تاريخ وجودها إلى ما قبل أكثر من 1500 عام.
إلى جانب ذلك، لشجرة الأرغان دور محوري في الحفاظ على النظم البيئية في المملكة المغربية من خلال مكافحة ظاهرة الطمي، وتخصيب التربة، وذلك بفضل خصائصها الفسيولوجية والبيئية، التي تجعل منها أيضا الشجرة المثالية لمكافحة التعرية والتصحر في المناطق القاحلة وشبه القاحلة حيث تنمو.
استخلاص زيت الأرغان
لشجرة الأرغان ثمرة بيضاوية الشكل يبلغ حجمها نحو 3 سم تقريبا، وعندما تنضج يكون لونها بين الأصفر والبني، وتحتوي على جوزة صلبة جدا بداخلها لب يشبه اللوز.
وعندما تسقط ثمار الأرغان على الأرض تأكل المواشي قشرتها الفوقية، وترمي النوى التي تحتوي على اللوز، فتجمع هذه الأنوية وتكسّر قشرتها الصلبة لاستخراج اللب بداخلها ثم طحنه بعد ذلك من أجل الحصول على الزيت.
طريقة استخلاص زيت الأرغان ليست سهلة، فالأمر يستدعي عملا شاقا، يبدأ بجني الثمار وتجفيفها تحت أشعة الشمس، ثم تقشير الطبقة الخارجية لثمارها يدويا باستعمال حجرين أملسين لاستخراج النواة الداخلية التي تطحن لاستخلاص الزيت منها، باستخدام حجر الرحى التقليدي، والحصول على عجين يدلك على مدى ساعات، ويخلط بإضافة الماء الساخن لإخراج الزيت.
وغالبا ما تحمص الحبوب أو النوى قبل الطحن، وذلك لإضافة نكهة خاصة، لكن إذا كان الزيت معدا للتجميل فقط فإن الحبوب تطحن من دون تحميصها.
ما بعد الاستخلاص
للحصول على لتر واحد من الزيت، يتطلب الأمر نحو 40 كيلوغراما من محصول ثمار الأرغان، إذا كان مخصصا للأكل، وأكثر من هذه الكمية إذا كان مخصصا للتجميل، بحيث تكون النواة غير محمصة فوق النار، وذلك ينعكس على كمية الزيت المستخرجة في نهاية العملية، أما بقايا هذه الثمار فتستعمل علفا للماشية، أو في إشعال النار عوضا عن الفحم والحطب.
ومن حيث الزمن، يتطلب إنتاج لتر واحد من هذا الزيت الغني نحو 8 ساعات من العمل الدؤوب، وتمتهن هذا العمل الشاق نساء المناطق القروية حيث توجد أشجار الأرغان، فيقمن بإعداد زيت الأرغان في المنزل لتلبية احتياجات الأسرة، سواء للاحتياجات الغذائية في المطبخ أو لاستخدامات العلاج الطبيعي أو لخصائصه التجميلية.
ويوجد شكل آخر للإنتاج وهو عن طريق بعض “التعاونيات النسائية” التي أصبحت تسيطر على إنتاج زيت الأرغان وبيعه لكبريات الشركات العالمية المتخصصة في مواد التجميل، خاصة الشركات الفرنسية.
وشجعت المملكة المغربية على إنشاء تعاونيات نسائية متخصصة في إنتاج زيت الأرغان وتسويقه، وهو الأمر الذي مكّن نساء هذه المناطق من توفير دخل وإن كان قليلا بالنظر إلى حجم الجهد وساعات العمل الطويلة، لكنه يساعدهن على تحسين وضعهن الاجتماعي.
الفوائد الطبية لزيت الأرغان
انتشرت فوائد زيت الأرغان في جميع أنحاء العالم في أواخر التسعينيات من القرن الـ20، لكن قبل هذا التاريخ لم يكن الزيت الثمين يحظى بالاهتمام نفسه الذي يعرفه اليوم، وذلك بسبب الطبيعة العائلية الصارمة لإعداده واستهلاكه.
زيت الأرغان له آثار مفيدة على صحة الإنسان في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، فقد أظهرت العديد من الدراسات أن هذا الزيت يمكن أن يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لأنه يساعد في الحفاظ على توازن ضغط الدم ودهون البلازما وحالة مضادات الأكسدة.
كما أن له خصائص مضادة للتخثر، وهو أمر مهم في الوقاية من أمراض القلب عن طريق تقليل مستوى الكوليسترول في الدم.
وأكدت دراسات متعددة أن زيت الأرغان يحتوي على مستويات عالية من “التوكوفيرول” (Tocophérols) و”السكوالين” (Squalènes)، وذلك يجعله منتجا قادرا على إبطاء تكاثر خلايا سرطان البروستاتا، وتعد خصائصه المضادة للأكسدة ممتازة في الوقاية من السرطان.
وعلى المستوى التجميلي يساعد زيت الأرغان على وجه الخصوص في علاج تساقط الشعر وتقويته ولمعانه بفضل احتوائه على نسب كبيرة من فيتامين “إي” (E) والأحماض الدهنية، كذلك يساعد زيت الأرغان في معالجة العديد من الأمراض الجلدية كالجلبة وعلامات التمدد والصدفية وحب الشباب وآثار الجدري وتهيج الجلد والأكزيما وغيرها.
زيت الأرغان هو أيضا منتج مضاد للتجاعيد لأنه يؤخر ظاهرة جفاف الجلد، ويغذي البشرة بعمق، ويعيد ليونتها ومرونتها وإشراقها الذي غالبا ما يكون باهتا بسبب النشاط اليومي أو بسبب بعض المشاكل الجلدية.
اعتراف أممي
توجد محمية للأرغان في جنوب غرب مدينة الصويرة وعلى امتداد مساحة سهلية تصل إلى مليونين ونصف مليون هكتار، تحدّها جبال الأطلسين الكبير والصغير شرقا، وهي مفتوحة على المحيط الأطلسي غربا.
وتشتهر المنطقة بأشجار الأرغان المتوطنة منذ قرون، وتجمع هذه المنطقة بين التنوع البيولوجي الزراعي والنظم الإيكولوجية المرنة والتراث الثقافي القيّم، مما مكنها من الحصول على الاعتراف والحماية من مختلف الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
وفي عام 1998 صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) المنطقة محمية لشجر الأرغان، كما أدرجت جميع المعلومات المعرفية المتعلقة بهذه الشجرة عام 2014 في القائمة التمثيلية لليونسكو الخاصة بالتراث الثقافي الإنساني اللامادي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018 اعترفت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” (FAO) بالنظام الزراعي والرعوي القائم على شجرة الأرغان في منطقتي آيت الصواب وآيت منصور في المغرب كنظام تراث زراعي ذي أهمية عالمية.
وفي عام 2021 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تخصيص يوم 10 مايو/أيار من كل سنة يوما عالميا لشجرة الأرغان، وشارك في التصويت على هذا القرار الذي تقدم به المغرب 113 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وجاء تبنّيه بالإجماع.
تثمين شجرة الأرغان
حرص المغرب على تثمين شجرة الأرغان، ووضع رؤية إستراتيجية تروم الحفاظ على هذه الشجرة من الاندثار مع ضمان أفضل الشروط لنجاح هذه الرؤية من خلال إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأرغان “أندزوا” (ANDZOA) عام 2010، والتي تتولى الإشراف على هذا القطاع الذي يكتسي بعدا زراعيا وبيئيا في آن واحد، وذلك وفق الضوابط والأسس المنسجمة مع مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها.
وفي إطار الأهداف التي تضمنها مخطط المغرب الأخضر، وقعت الحكومة المغربية، في 26 أبريل/نيسان 2011، عقد البرنامج الأول لتطوير قطاع الأرغان، بهدف إعادة تأهيل ما يقارب 150 ألف هكتار للفترة 2012-2020، وزراعة أكثر من 7 آلاف هكتار من شجر الأرغان، وكذلك تصدير 1200 طن من زيت الأرغان في أفق عام 2021.
وخلال سنة 2021 عقد البرنامج الثاني “الجيل الجديد” لقطاع الأرغان 2021-2030، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل مناطق زراعة شجر الأرغان على مساحة 400 ألف هكتار وتطوير زراعتها على مساحة 50 ألف هكتار.
وفي هذا الإطار، قال المدير العام للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجرة الأرغان، إبراهيم حفيضي، إنه تم تخصيص استثمارات مالية بقيمة 2.8 مليار درهم لإعادة تأهيل مناطق زراعة شجرة الأرغان، والتي تقدر بمساحة إجمالية قدرها 830 ألف هكتار.
وأكد أن من بين أهداف عقد برنامج إعادة تأهيل هذه المناطق إعادة تأهيل مساحة 146 ألف هكتار على مدى 10 سنوات، وإنشاء مزارع حديثة لشجرة الأرغان، بالإضافة إلى رفع كمية إنتاج زيت الأرغان إلى 10 آلاف طن بحلول عام 2020، عوض 4 آلاف طن سنة 2015.
وأعلن ذلك في النسخة الثالثة من المؤتمر الدولي لشجرة الأرغان، الذي نظم بمدينة أغادير بالمغرب، في الفترة الممتدة من 17 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2015.
وعملت الوكالة منذ إنشائها على تنفيذ مشاريع تروم النهوض بقطاع الأرغان، منها مشروع إنشاء مركز وطني لشجرة الأرغان، تكون مهمته تنسيق البحث العلمي في خصائص هذه الشجرة، وتتبع مراحل تنزيل أهداف برنامج إعادة تأهيل مناطق زراعة شجرة الأرغان، بالإضافة إلى إنشاء متحف خاص بتراث شجرة الأرغان.
وتنظم مدينة أغادير المغربية كل سنتين مؤتمرا دوليا عن شجر الأرغان، بهدف تبادل الخبرات والمعرفة العلمية والتقنية بين الباحثين المغاربة والأجانب ومسؤولي الغابات والفاعلين الاقتصاديين ومؤسسات التنمية، من خلال الإسهام في تنفيذ عقد برنامج إعادة التأهيل الخاص بقطاع شجرة الأرغان، بناء على قواعد علمية متينة.
العادات والتقاليد
وفي منطقة سوس بجنوب المغرب، تستغل القبائل الأمازيغية زيت شجرة الأرغان داخل المطبخ، لإعداد بعض الأطباق والوصفات، ومن بين هذه الوصفات التي تعتمد على زيت الأرغان نجد منتجا يسمى “أَمْلُو” وهو خليط بني غير كثيف وسميك يكون إعداده بطهي زيت الأرغان واللوز والعسل الحر.
وتُعرف مثل هذه الأطعمة الشهية بأنها اختصاص لأهل منطقة سوس، وتقدم بشكل عام للترحيب بالضيوف كدليل على حسن الضيافة، أو في وجبة الإفطار التقليدي الخاص بالمنطقة، مع قطعة خبز وكوب شاي بالنعناع.
أرغان المغرب في أرقام
- مساحات أعيد تأهيلها بالهكتار: 146 ألف هكتار بين سنتي 2019-2012.
- حجم الإنتاج: 5 آلاف و640 طنا سنة 2019.
- حجم الصادرات: ألف و348 طنا سنة 2019.
- قيمة الصادرات: 273 مليون درهم سنة 2019.
- رقم المعاملات: مليون و139 ألف درهم سنة 2019.