نشاط دبلوماسي واستخباراتي محموم.. لماذا تسارعت التحركات الدولية بشأن ليبيا؟ | سياسة
طرابلس- نشاط دبلوماسي واستخباري مكثف شهدته ليبيا هذا الأسبوع، آخر مظاهره اللقاء الذي جمع القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة بليبيا ليزلي أوردمان برئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة بنغازي، الثلاثاء، لمناقشة ما وصفه المسؤول الأميركي ببناء الوحدة ورأب صدع الخلافات من أجل مصالح الشعب الليبي، وتحقيق مطلبه في اختيار قادته.
وجاء هذا اللقاء بعد أسبوع من زيارة وليام بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) لليبيا، ولقائه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وكذلك اللواء المتقاعد خليفة حفتر في كل من طرابلس وبنغازي.
وقال أوردمان إنه ناقش مع عقيلة صالح أيضا لقاء الدبيبة برئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان، كما بحث الطرفان الملفات المحلية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وذلك وفق صفحة “حكومتنا” الرسمية بفيسبوك.
وذكرت القناة الرسمية أن اللقاء جرى في مقر مجلس الوزراء بالعاصمة طرابلس بحضور وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ووزيري الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة، والاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي. وأكد المجلس الأعلى للدولة، في بيان، أن رئيسه خالد المشري التقى فيدان خلال زيارته طرابلس.
“مسار موحّد” للسلام في ليبيا
وفي ظل النشاط الدبلوماسي والاستخباراتي الذي يشهده ملف الأزمة الليبية أخيرًا، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا السنغالي عبد الله باتيلي أنه ناقش مع سفير فرنسا في طرابلس مصطفى مهراج “ضرورة تبنّي المجتمع الدولي لعمل موحد لدعم مسار مستدام للسلام والاستقرار في ليبيا”.
وذكر باتيلي في تغريدة له بموقع تويتر أنه بحث مع السفير الفرنسي في ليبيا خلال لقاء جمعهما في طرابلس آخر التطورات السياسية للأزمة الليبية.
وكان المبعوث الأممي طالب الحكومة بتخصيص الموارد المناسبة وتكثيف الجهود السياسية لإنهاء حالة الانسداد السياسي، وإعادة الشرعية للمؤسسات الليبية عبر الانتخابات، وذلك في ختام اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في مدينة سرت.
صراع دولي واجِهَتُه ليبيا
ويفسّر مدير مركز بيان للدراسات، نزار أكريكش، هذه التحركات بأن “منطقة شمال أفريقيا صارت محط أنظار العالم ككل، والتنافس يزداد حولها خصوصا بعد التوغل الروسي، والتسرب الصيني، والوجود التركي الصريح”.
فالتحالفات، كما يوضح أكريكش للجزيرة نت، تنسج لرسم ملامح المنطقة بأكملها، وليبيا هي بوابة أفريقيا. لذا، يريد كل طرف حلحلة العوائق التي قد تنشأ من التدخل الروسي أو الوجود التركي.
ويقول المحلل أكريكش إنه “لغياب أي رؤية لدى الفاعل السياسي الليبي، تحولت ليبيا إلى نقطة عمياء يراد لها أن تنظر وفق العين الأميركية أو من خلال الحرب الروسية الهجينة بقيادة مرتزقة فاغنر، أو وفقا للمصالح الأوروبية والرؤية التركية”.
حاجات دولية أفرزتها الحرب الأوكرانية
بدوره، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سقاريا التركية خيري عمر أن المسألة تتعلق بمدى رغبة الولايات المتحدة في أخذ ليبيا إلى صفها في الأزمات الدولية، منوها إلى ما رشح عن زيارة وليام بيرنز لليبيا حول قطاع النفط ورغبة بلاده في سيطرة الحكومة عليه وعدم استغلاله في الصراع المحلي.
وأضاف عمر، للجزيرة نت، أن الحرب الأوكرانية أفرزت حاجات دولية جديدة، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى “يبحثون عن تطوير علاقاتهم الدولية لكسب مناصرين من خلال توريط دول الشرق الأوسط في الحرب الأوكرانية وتوسيع نطاق الأزمة”.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن هذه الحاجات الدولية شكّلت دافعا للتحرك الأميركي على مستوى رئيس الاستخبارات ومسؤولين آخرين “لحجز ليبيا عن النفوذ الروسي، فكل ما تريده واشنطن من الحكومة الليبية القائمة هو تقليل هيمنة الروس ونفوذهم”، معتبرًا أن تركيا ومصر أكثر حيادا تجاه الوجود الروسي في المنطقة.
رسائل تركية للمنافسين
من جهة أخرى، يؤكد المحلل السياسي التركي والمتابع للملف الليبي فراس أوغلو أن زيارة رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان جاءت لتوجيه رسالة قوية للدول المنافسة لتركيا في ليبيا، وعلى رأسها مصر والولايات المتحدة.
ويذكر أوغلو، في حديث للجزيرة نت، أن بين واشنطن وأنقرة بعض الخلافات في عدة ملفات بينها الملف الليبي، “لذا وجب التأكيد على استمرار الحضور التركي في ليبيا حفاظًا على مصالح الطرفين، وإن كانت السلطات التركية تتعامل مع الحكومة الحالية على أنها مؤقتة وتسعى إلى حل دائم من خلال انتخابات برلمانية ورئاسية، ومن دونها ستستمر الأزمة القائمة منذ سنوات بين الفرقاء الليبيين.
ويرى أوغلو أن التواصل التركي مع مجلسي النواب والأعلى للدولة جاء ليؤكد أن أنقرة “على مسافة واحدة من الجميع وأنها مع الحل الليبي، فرغم انشغال السلطات التركية بقضايا الداخل وعلى رأسها الانتخابات القريبة فإن الملف الليبي يشكل أهمية كبرى لها”.
سلطة جديدة خلال أشهر
وفي السياق نفسه، يقول أستاذ العلاقات الدولية خيري عمر “منذ فشل الانتخابات الليبية قبل عام لم يحدث أي تقدم في المسار الليبي لملء الفراغات القائمة أو المحتملة، ولم يعمل الفاعلون الليبيون خلال هذه الفترة على وضع أفق زمني للانتخابات أو لتسوية الانتقال إلى المرحلة الدائمة”.
وبهذا يفسر عمر بحث الدول المتدخلة في الشأن الليبي باستمرار عن إقامة علاقات مع القوى الفاعلة، “فالولايات المتحدة تتواصل مع حكومة الدبيبة، بينما حاولت مصر جمع الطرفين من دون نتيجة واضحة بسبب الخلاف بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، وكذلك عدم قدرة المجلس الرئاسي على ملء الفراغ السياسي القائم”.
ويرى الأكاديمي أن تركيا وإيطاليا وألمانيا ودولا أخرى تحاول تطوير علاقتها مع الحكومة المعترف بها دوليا للحصول على الحد المناسب من المصالح في ليبيا.
ويربط المراقبون في الداخل والخارج التحركات الدولية المتسارعة تجاه الملف الليبي الشائك وبشكل مباشر بالحرب الأوكرانية، وتحديدًا من خلال إبراز ملفات النفط والغاز الليبيين وتهديد مرتزقة “فاغنر” الروس الآخذ في الاتساع جنوب ليبيا وصولاً إلى مالي ودول وسط أفريقيا.
وقد تحدثت تسريبات “للجزيرة نت” في شرق البلاد وغربها عن جهود دولية تقودها الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها دول أوروبية لمحاولة الوصول إلى آلية تتيح إفراز سلطة جديدة وإنهاء الأجسام القائمة خلال بضعة أشهر وبرعاية أممية.
وذلك ما دفع شخصيات سياسية ليبية إلى عقد لقاءات مكثفة داخل البلاد وخارجها، والحديث عن أسماء بعينها قد تترشح لقيادة المرحلة المقبلة بآلية ستكون مطابقة لما حدث في جنيف قبل عامين ورشح عنه المجلس الرئاسي والحكومة الحالية، مع إقرار جدول زمني محدد للانتخابات والاستفتاء على الدستور، والتنسيق هذه المرة مع لجنة (5+5) العسكرية، حسب المصادر ذاتها.