حرب روسيا تحيي روح “القوزاق” في أوكرانيا.. فمن هم؟ | سياسة
كييف- “وسنريهم -أيها الإخوة- أننا من عرق القوزاق..”، جملة يرددها الأوكرانيون في نشيدهم الوطني الذي كتبه الأديب والشاعر تاراس شيفتشينكو أحد أبرز الرموز الثقافية في أوكرانيا ودول الجوار.
لكن وباعتراف كثير منهم كان الأوكرانيون يمرون مرور الكرام على هذه الجملة قبل سنوات دون الانتباه إلى معناها وبعدها التاريخي، وقبل استشعار أثرها الراهن كما يقولون.
قصات شعر وأسماء كتائب
بدأ الأوكرانيون يتنبهون لهذا النص مع بداية الحراك الانفصالي والتوتر مع روسيا في 2014، لكنهم اهتموا به بشكل واضح مع بداية الحرب الروسية على بلادهم في 2022.
كان ذلك من خلال أسماء وحدات وكتائب تطوعية ونظامية حملت اسم “القوزاق”، ثم من خلال سلسلة من الرسوم والأغاني الحماسية، وحتى قصات الشعر والشوارب الكثيفة الطويلة التي كانت سمة المنتسبين إلى “المحاربين القوزاق” في القرون الوسطى.
وقبل ذلك كله كان اسم “القوزاق” يطلق على الكثير من التجمعات السكنية والشوارع في شتى أرجاء البلاد وحتى يومنا هذا.
ولهذا السبب ربما أبقت سلطات كييف على تمثال واحد لم يغط بألواح الحديد والخشب وأكياس الرمل للحماية من القصف، ويستطيع السكان التقاط الصور معه في وسط المدينة، ويمثل أحد رموز “القوزاق” ويحمل السيف والآلة الموسيقية الشعبية الوترية “كوبزا”.
“روح القوزاق”
وبالفعل، يكشف الحديث مع الأوكرانيين اليوم جانبا كبيرا من تعلقهم بتلك “الأصول التاريخية” وسريان “روح القوزاق” في كيانهم.
وتقول الإعلامية الأوكرانية لودميلا بيريزوفا للجزيرة نت “أعترف بأنني لم أكن أحفظ كلمات النشيد الوطني ومعانيها قبل 2014، وأن الحرب جعلتني أتفكر في كل كلماته اليوم، وأستشعر أنني فعلا من سلالة (الثائرين لصالح حقوقهم)”.
أما الشاب بافلو بقصة شعره “القوزاقية” فيقول للجزيرة نت “كان أجدادنا يحلقون شعرهم من الأطراف ويتركون خصلة في الأعلى تتدلى على أحد الجوانب أو جديلة نحو الخلف، وهذا الشكل كان ولا يزال يخلق رهبة ويخيف الأعداء”.
وأضاف “اليوم، في ظل الحرب نشعر بروح الأجداد تسري فينا، وبالقتال والصمود ضد العدو الروسي، ونشعر أننا امتداد للقوزاق في زماننا”.
لكن، من هم المحاربون القوزاق؟ وإلى أي مرحلة زمنية ينتمون؟ ولماذا تنسبهم عدة دول إقليمية إليها؟
قطّاع طرق أم ثائرون؟
يعود أول ذكر للقوزاق في كتب التاريخ والأدب إلى القرن الـ15، وهم سكان وسط أوكرانيا الحالية الذين كانوا يمتهنون الصيد على نهر دنيبرو أو يعملون حراسا ومحاربين بين إمارة ليتوانيا وخانية القرم (نشأت بعد تفكك مملكة القبيلة الذهبية التي أسسها المغول والتتار في أواسط القرن الـ13).
وبحسب كتب تاريخية وأدبية، فإن كلمة “كازاك” الأوكرانية (قوزاقي) تحمل معاني “الحُر، المستقل، المغامر”، ومن هذه الزوايا يربط الأوكرانيون تاريخهم بحاضرهم اليوم.
لكن، تشير الأدبيات إلى القوزاق في حقبة زمنية أخرى خلال القرن الـ17 أصبحوا فيها تنظيمات عدة، وحتى “قطّاع طرق” -وفق بعض المصادر- ينتشرون في مناطق أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا المعروفة حاليا، وتقارن سطوتهم بسطوة المغول والتتار.
من الثورة إلى الولاء
وعن أصولهم، يقول الكاتب والمؤرخ أوليكساندر بالي للجزيرة نت “الأكيد أن القوزاق ينتمون إلى العرق السلافي المنتشر في تلك الدول وبولندا، وبدايتهم كانت حضرية إلى حد كبير، قبل أن يتحولوا إلى ثائرين مطالبين بحقوقهم ومدافعين عن أراضيهم بسبب الفقر والعبودية”.
ويتابع “مع الزمن تحول مصطلح “القوزاق” ليطلق -تجاوزا- على عصابات وتنظيمات تابعة لسلطات إمارات وكبار التجار هدفها الحماية أو حتى السطو، وهذا أدخل الكثير من الجدل بشأنهم في الكتب”.
ويضيف “على سبيل المثال، القوزاق الأوكرانيون بالنسبة لنا أصل يدعو للفخر، لكن “القوزاق الروس” -بالنسبة لنا- قوات همجية إلى حد ما، وبالمناسبة، كتيبة من الروس تحمل اسمهم كانت مسؤولة عن تطويق المقار الحكومية في القرم قبل احتلاله في 2014″.
إرث جدلي
وبعيدا عن هذا الجدل، يبقى الأكيد أن فترات القوزاق كانت مليئة بمظاهر الفن والأدب الباقية حتى يومنا هذا في ثقافة شعوب المنطقة.
ويقول المؤرخ بالي “ترك القوزاق لنا آلات “كوبزا وباندورا وبالالايكا” الموسيقية وغيرها، ورقصات (فردية أو جماعية)، وأزياء تعتبر جزءا من الفن الشعبي، إضافة إلى الكثير من الروايات والقصص والأشعار، ومنها النشيد الوطني الأوكراني”.
لكنه يشير إلى أنه “حتى هذا الإرث هو محل جدل بين شعوب المنطقة التي تنسب أصله إليها، وترى أنه انطلق من أراضيها وانتشر في دول الجوار”.